أفكار وآراء

الشباب ومهمة مواصلة التنمية والبناء

04 فبراير 2017
04 فبراير 2017

عبدالله بن محمد المسن -

في حياة الأمم والشعوب لحظات آسرة، تظل رغم مرور السنين وتوالي الأيام مصـدر إلهام بالغة الدلالـة عميقة التأثير، يفتخـــر ويعتز بها ذلك الجيل الذي عـاصرها وكان جزءاً من نسيجها وعاش فيها وأصـبح اليوم ينعم بخيرها وإنجازاتها، وحياة الأمم والشعـــوب أيضـــاً سلسلة متصلـة الحلقـات، يستلم فيها كل جيل مسؤولية الحاضـــر للجيل الذي يليه، ولكــي يواصل هذا الجيل المسيرة لابد أن يسترجع من الجيل الذي سبـــقة عظمـــة هذه اللحظـــات وتلك الإنجـــازات وكـــيف تواصـــل المــــاضي مــــــع الحاضـــر ليصـــنع المستقــــبــل.

قطعاً سيظل الرعيل الأول لنهضة عمان الحديثة يفخر ويعتز بما تم إنجازه، وسيظـــل مديناً للقيادة التاريخية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظـــه الله ورعاه- وهو الذي يجسد مسيرة النهضة العمانية ، وقصة كفاح وحضارة وإنجــــازات عمـــلاقة على مـــدى اكثر من ستة واربعين عاما ، أعلنت ميلاد فجر جديد وبزوغ شمــس البناء والنماء ونشر الأمـن والأمان وتواصل حضارة هـــذه الأمـــة العـــريقة وتفاعلها مع الدول والشعوب الأخرى ،بكــل معطياتها وآلياتها وتطلعاتها.

ولا يختلف اثنان من أبناء الرعيل الأول لنهضتنا المباركـة حول أن فكـر صــاحب الجلالـة القائد المفدى ورؤيته الحكيمة كانت، وما تزال تمثل مرتكز النهضة المباركـــة ومشروعهـــا الحضاري، ذلك الفكـــر وتلك الـــرؤية اللذان شكــــلاً مشهـــــد النهضـــة في كافـة جوانبها الاقتصــادية والاجتماعــــية والثقافــــية والسياسيــــة.

وعندما أطلق جلالته نطقه السامي ( لنبدأ من حيث انتهـــى الآخـرون )فقد كـــان جلالته مدركاً لتراث أمته وتاريخها وثقافتها، وكـــان مؤمناً بحكـــمة التاريخ من أن الأمـــم لا تتقدم ولا تتطور إلا بســـــواعد أبنائها وجهودهم وإدراكهم بأن التغني بأمجـــاد الماضـــي لا يصنع مستقــــبلاً ولكــــن بروح العمـــــل وتحــــــدي الصعـــب والمستحــــيل تتحقق الأهداف والمنجزات .

ولأن الرعيل الأول للنهضة كان يحلم بهذه اللحظة الآسرة، كان التفافهم حــــول راية الـقائد التي علت تعلن الفجر الجديد للوطن إعلاناً واضحاً عن انطـلاق مسيرة البناء والتقـــدم على أرض عمان ومواصلة رحلة الكفاح والعـمل التي بدأها جيل الآباء والأجـــداد وما شيدوه من قــــــلاع وحصون، وما ابتكــــروه من زراعــــة وعمــــارة وما سجلته كتبهـــم وتاريخهــــم مــن أحـــداث عظــــام تـقـف بمـــثابة شـــاهـــــــد علــــى عراقـــــــة الشعب العماني مــــنذ فـجــــر التاريــــخ.

إن الازدهار والتطور الذي تشهده أجيال الحاضــر الآن جاء نتيجـــة لجهود عمـــل دؤوب وكفاح مرير لشـباب الرعيل الأول للنهضة المباركة ، الذين عاهدوا الله وعاهدوا قائد نهضة عمـــان المجيدة على أن يبذلوا الغالي والنفيس في سبيل إحياء مجد عمــان وبناء نهضتها الحديثة التي أخذت تقتحم كافــــة المجــــالات من إقامـة المؤسسات والمنشآت الى الطـــرق الحديثة ودور العلـــم والمطــارات والمــــوانئ إلــــى المستشفـــــيات والمصانـــع.

لقد نادى قائد المســــيرة المباركة بالتعليم (ولو تحت ظل شجرة) فكانت الانطلاقة العملاقـة نحو نظــام تعليمي حديث ولا يتوقف عن التطور والأخذ بكل ما يطرأ في هذا المجال من تقدم في مختلف المراحل التعليمية ، وكان إنشاء جامــعة السلطان قابوس التي أصبحت مـنارة العلم في بلادنا بكلياتها المتخصصة تتويجا لهذه الانطلاقـة التي لم تتوقف عبر إنشاء العديد من الجامعات الأهلية ، والإعداد لإنشاء جامعة عمان على احدث المستويات الأكاديمية . الى جانب العناية الفائقة بالابتعاث الى الخارج .

وبجانب التعليم وإنجازاته الملموسة كان سعي الدولــة لإيجاد نظام صحي فكــــان العــــلاج المجاني للجميع وشهدت البلاد إنشاء المستشفيات الحديثة وعممت المراكز الصحية بطـــول البلاد وعرضها وزودت بأحدث الوسائل والمعدات الطبية وكان إنشاء عدد من المستشفــات الكبرى كالمستشفى السلطاني والجامعي ومستشفى القوات المسلحة مصــــدر فخر للجمـــيع بمستواها العالمي أداءً وتقنية وبدأت طــلائع شبابنا العمــــاني من الأطــــباء والطبيبات من خريجي جامعة السلطـان قابوس تأخـــذ طريقها لأداء دورها بهذه المؤسســات العلاجــــية فضــــلاً عــــــن المعاهــــــــد التخــصصــيـــة فـــــي تخــــــريج هيـــــئات التمــــــريض.

ويزداد فخرنا بنهضتنا الحديثة التي استطاعت ربط السلطنة بأكبر شبكة حديثة من الطـــرق والمطارات والموانئ واكبت النهضة العمرانية في تخطيــط المـــــدن وتطويرها لمواكــــبة معطيات العصر وتأمين المسكن الصحي والبيئة النظيفة كحق مشــــروع لكل مواطــــن في عمان النهضة، وأينما توجه الزائر لعمان الآن يرى عناق الأصالة والمعاصـــرة في المدن والقرى بمــا يشاهـــــده مـن معـــالم تاريخية جــــرى ترميمــــها وتحديثـها جــــنباً الى جـــنب مع النهضة العمرانية الحديثة .

ويطول الحديث عن بناء القوات المسلحة السلطـانية وشرطة عمان السلطانية التي كـــانت عناية جلالته يحفظــــه الله بتحديثها والعمل المستمر على تطــويرها بما يليق ومكـانة عمــان وثقلها السياســي بموقعهـــا الجغرافي الاستراتيجي بالغ الأهمية .

ان السباحة في بحر الذكريات لهذه النهضة المباركة وتأمل هذه المنجزات التي شملت كافـة جوانب الحياة العمانية المعاصرة يحتاج الى مجلـــدات تحكي كيف استطاعت طلائع الشباب من الرعيل الأول للنهضة خلال هــذه الفترة الزمنية الوجيزة ان تحقق ذلك كله ويبقـى دور القائد الملهم حضرة صاحب الجلالة سلطان البلاد المفـــــدى حاسما وعميقا ومتواصلا عبر الأجيال العمانية المتتابعة حيث تؤهل الإنسان وخاصة الشباب العماني لدوره الطموح والمشاركة في جهود التنمية والتقــدم . ولا تدخر حكومة جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - جهدا في العناية بالشباب من أبنائنا وبناتنا، دوما وفي كل المجالات، وعلى امتداد ارض عمان الغالية .

وهي لا تبخـــل عليهم بكـــل وســـائل الحـــــياة العصـــرية وتسعــى جاهــــدة لأن توفــــر لهم كل الفرص لاقتحـــــام ميادين العــــمل المختلفة بعـــــد ان وفـــــرت لهـــــم مجـــــالات العـــــلم الحـــــديث بكــــل توجهــــــاته وتقنيـــــاته.

ولعله من المهم والضروري ان نهمس في آذان الشباب وان نقول لهم انكم محظوظون ان تعيشوا عصر النهضة المباركة ، وأنكم رضعتم من ألبانها ونعمتم بخيراتها وتعيشون الآن في رفاهـية ما حققته من إنجــازات وتطور ويكفيكم عـــزة وكرامة ما يخصكم به صاحب الجلالة من اهتمام عبر عنه - يحفظه الله - منذ وقت مبكر -، في العيد الوطـــني الثاني والعـــشرين (18نوفمـــــبر 1992) بقـــــوله:

( إننا اذ ننادي الجميع للاهتمام بشبابنا ورعاية تطلعاته وطموحاته، فإننا في ذات الــوقت وبنفس القدر من الأهمية نواجه نداءنا المتجدد إلى الشباب بأن يعي دوره الكبير في بــناء الوطن في مختلف الميادين، فيشمر عن ساعد الجـــد يبذل قصـــارى طاقته في الإسهــــام الإيجابي في حركة التنمية الشاملة متذرعا بالصبر والأمل والعزيمـــة والعمل والتضحـــية والإيثار من أجـــل حياة أسعد وأرغد لا يمكـــن تحقيقها إلا بالجهــد والعـــرق والتغلب على كـــل الصعـــــاب التــي يمكــــن ان تعــترض الطــــريق أو تعرقـــل المســـــيرة).

فليواصل الشباب طريقهم و إسهامهم القوي والمتواصل في إعلاء صرح النهضة المباركة في كل المجالات ، خلف جلالة القائد المفــدي باني نهضة عمـــان الحديثة - أعـــزه الله- وأعزنا بـــه حاضـــراً ومستقــــبلاً.