المنوعات

الإسلام والإمبريالية..!

02 فبراير 2017
02 فبراير 2017

كيف أعيد تصويره وفق الاحتياج السياسي ؟

تأليف : ديبا كومار -

عرض وتحليل : إميل أمين -

المؤلفه :ديبا كومار -

عن المركز القومي للترجمة في القاهرة صدر حديثا هذا العمل المهم والمثير للتفكير، الذي يتناول واحدة من أخطر قضايا العصر... قضية الإسلاموفوبيا... الكتاب من تأليف الأمريكية «ديبا كومار» أستاذ مساعد الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة «روتجرز» الأمريكية بولاية نيوجيرسي، ومن ترجمة كبيرة المترجمين في الأمم المتحدة القديرة أماني فهمي ولها العديد من الترجمات والمؤلفات... ما هي قصة هذا الكتاب كما ترويها المؤلفة في المقدمة ؟

في الطريق إلى 11 سبتمبر

في 11 سبتمبر عام 2001 تابعت المشهد التليفزيوني لانهيار البرجين التوأم والإحساس بالهلع يتملكني. كنت أشعر بأسف بالغ للأشخاص الأبرياء الذين دفعوا ثمنا لويلات الإمبراطورية، وكنت أخشى أن أيًّا من أصدقائي أو أقاربي كان موجودًا في البرجين. ولكن بدأ على الفور تقريبا ينتابني إحساس بالرعب مما سيأتي: ما لذي ستفعله الولايات المتحدة ردًا على ذلك ؟ وأخذت أتساءل، بإحساس عميق بالخوف، كم عدد الأشخاص الأبرياء الذين سيقتلون في مختلف أنحاء العالم في السنوات اللاحقة؟ وعندما توجهت إلى الكلية في ذلك اليوم، كان أحد أول من التقيت بهم زميلا لي قال ساخرا«أأنت سعيدة؟» وبعد أن ألجمني تساؤله لحظة، لم يكن بوسعي سوى أن أتمتم قائلة إنني لم أكن سعيدة، وإنني قد علمت توًا أن بعض الأشخاص الذين أعرفهم ربما كانوا في البرجين التوأم وقت انهيارهما. وفى وقت لاحق من ذلك اليوم، توجهت إلى متجرwinn-dixi المحلي، حيث لم يتمكن المحصل من إخفاء احتقاره لي. وفى النهاية طلب منى صراحة أن أعتذر عما حدث في ذلك اليوم. ومرة أخرى، ألجمتني هذه المفاجأة. ولم أعرف كيف أرد.

لم أكن معتادة، بصفتي ناشطة فصيحة عادة، على هذا الإحساس بالخرس؛ فقد ظللت واقفة هناك أتطلع إليه، معقودة اللسان مؤقتا. وكان الشيء الوحيد الذي أعرفه دون أدنى شك في تلك اللحظة هو أن ردي، عندما يخرج من فمي، لن يكشف أنني لست مسلمة ولست عربية. وعندما تمالكت نفسي، سألته عما إذا كان قد سمع «بتيموثي ماكفي» والأصوليين المسيحيين الآخرين الذين قتلوا على النحو نفسه أشخاصا أبرياء.

سألته عما إذا كان يعتقد أن جميع المسيحيين مسؤولون عن هذه الأفعال. فلم يرد. وسمعت بعد ذلك بفترة وجيزة أن طالبا عربيا شابا في جامعة مجاورة قد تعرض للضرب وأن شرطة الجامعة لم تعر الأمر أي انتباه. ونشرت في المجمع السكني الخاص بنا إعلانات تطلب من الناس الإبلاغ عن السلوك «المثير للشبهات» وعن الأشخاص «المثيرين للشبهات» وقتل رجل هندي من طائفة السيخ يرتدى عمامة في أريزونا. وفي الأشهر التالية، قامت الولاية بعملية «استجواب» لعشرات الآلاف من المسلمين، وسجن آلاف منهم وتعرضوا للتعذيب وتم ترحيلهم؛ إذ كانت قد بدأت عملية شيطنة كاملة للمسلمين.

كتاب ثمرة عشر سنوات

تضيف المؤلفة ... بدعم جماهيري واسع النطاق، استخدمت الآلة العسكرية لقتل الأفغان الأبرياء بأعداد كبيرة. وأصبحت العنصرية ضد المسلمين- أو فوبيا الإسلام- تعمل في خدمة النزعة الإمبريالية. وأدركت عندئذ أن أنظم عملي وأن أتحدث وأكتب عن هذا الظلم.

وهذا الكتاب ثمرة عشر سنوات من هذا العمل مع النشطاء في الحركة المناهضة للحرب، والطلبة والزملاء في الجامعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، والتعليقات من محرري وسائط إعلام مستقلة شتى على مقالاتي عن فوبيا الإسلام.

فهو نتاج جماعي، بهذا المعنى، كان الدافع إليه هو ضرورة إنتاج معرفة يمكن أن تصد بفعالية الدعاية العنصرية وتساعد على تعزيز الحركات الاجتماعية المضادة للحرب والعنصرية..

تذهب المؤلفة إلى أن هناك ملحوظة بشأن مالا يتناوله هذا الكتاب. هذا ليس كتابا عن الدين الإسلامي. وتضيف لست متفقهة في الدين ولا أزعم أن لدى أي معرفة واسعة خاصة بشأن هذا الموضوع. فهذا الكتاب يتناول صورة «الإسلام»، تلك الصورة الكاذبة المنبثقة من احتياجات السيطرة الإمبريالية التي أدت إلى جعل التقدميين أنفسهم يزعمون أن المسلمين أكثر عنفا من أي فئة دينية أخرى.

إنه كتاب عن « العدو المسلم» والكيفية التي استخدمت بها هذه الصورة الملفقة لإثارة الخوف والكراهية. وحتى قبل أن أبدأ دراستي لتاريخ الإسلام، وللبلدان ذات الأغلبية المسلمة، وللعلاقة بين الشرق والغرب، كنت أدرك بالفطرة أن طنطنة فوبيا الإسلام التي كانت تقبل كشيء منطقي في الولايات المتحدة خاطئة تماما. فقد نشأت في الهند في منزل كان جيراننا من كلا الجانبين مسلمين، وكان صوت الأذان صوتا مسموعا كل يوم. فالهند يوجد فيها أكثر من مائة مليون مسلم -أي أكثر من عدد المسلمين الموجودين في معظم الدول العربية- ولعلمي من خلال التجربة أن المسلمين يمثلون فئة معقدة تمامًا مثل أي فئة أخرى من البشر، فإنني أشعر بالغثيان من الصور النمطية المقبولة كمعرفة لها مصداقية في الولايات المتحدة، ذلك البلد الذي قضيت فيه حياتي في سن الرشد. وإني أدين بالامتنان لعشرات الباحثين في مجال دراسات الشرق الأوسط ولغيرهم قبلي الذين درسوا «العالم الإسلامي» عززوا معرفتي بهذا الموضوع وساعدوني على فضح العنصرية الكامنة في منطق فوبيا الإسلام. وإسهامي في هذا البنيان هو التركيز على فوبيا الإسلام في السياق الأمريكي، الذي لا توجد أبحاث كثيرة بشأنه (وأنا أستخدم مصطلح «أمريكي» للإشارة إلى الولايات المتحدة في هذا الكتاب لأغراض أسلوبية فحسب، وأتقدم باعتذاري لقرائي في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية). واعتمادا على تدريبي الأكاديمي منظرة ثقافية، فاني أضع طنطنة فوبيا الإسلام داخل السياق السياسي والتاريخي والقانوني والمجتمعي الأوسع نطاقا الذي انبثق منه كي أبين أن العنصرية ضد المسلمين كانت في المقام الأول أداة للنخبة في مجتمعات شتى.

ما بين الإسلاموفوبيا والعنصرية

هناك قدر من الجدل بشأن ما إذا كان مصطلح «فوبيا الإسلام» كافيا للإشارة إلى ظاهرة العنصرية الثقافية ضد المسلمين. وأواصل استخدام هذا المصطلح، رغم ما ينطوى عليه من بعض القيود، ليس فحسب لأنه أصبح الآن مقبولا على نطاق واسع بل أيضا؛ لأنني أدرس في هذا الكتاب تحديدًا الخوف (والكراهية) المتولدين ضد «الخطر الإسلامي».

ولذا يبدأ الكتاب ببحث الحالات الأولى في الغرب التي صور فيها المسلمون على أنهم يمثلون تهديدًا لأوروبا. وقد حدث ذلك في القرن الحادي عشر في سياق الحروب الصليبية وإعادة الاستيلاء على شبه جزيرة أيبيريا. ثم يحدد ذلك الفصل العلاقة التاريخية بين الشرق والغرب بدءًا من القرن الثامن حتى القرن الثامن عشر.

وهذه النظرة الطويلة المدى تتيح لنا أن نرى أن صورة المسلمين والإسلام في أوروبا مرت بسلسلة من التحولات والتغيرات التي كانت مقابلة للتغيرات الحاصلة في العالمين السياسي والاجتماعي. ومن ثم، وعلى النقيض من فكرة أن العلاقة بين الشرق والغرب كانت تتسم دوما بالتعارض أو «صدام الحضارات» فالمؤلفة تبين أن التحيز ضد المسلمين أوجدته النخبة الحاكمة واستخدمته عمدًا في لحظات معينة. وبينما تقبل الأشخاص العاديون في أوروبا هذه الأفكار، مثلاً أثناء الحروب الصليبية، فإنهم قاوموها أيضًا. ووجود هاتين الظاهرتين معا محاه تقريبا باحثون مستشرقون من أمثال برنارد لويس، صاحب مصطلح «صدام الحضارات» فلويس يسطح نظريته ليحاجج بأن الصراع بين هذين النظامين الغريمين«المسيحية والإسلام» دام نحو أربعة عشر قرنا حتى الآن. وقد بدأ بقدوم الإسلام في القرن السابع، واستمر حتى وقتنا هذا تقريبا. وقد انطوى على سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة، والجهاد والحروب الصليبية، وعمليات الاستيلاء وعمليات إعادة الاستيلاء، وبالنسبة للويس، العلاقة بين «الغرب المسيحي» و«الشرق المسلم» هي علاقة مدفوعة في المقام الأول بالتعارض؛ ولذا فإن هذه السمة الأساسية من سمات التعامل بين الشرق والغرب استمرت بالضرورة في أواخر القرن العشرين.

عن صورة الإسلام في أوروبا

يفند الفصل الأول هذا المفهوم بوضع صورة الإسلام في أوروبا في سياقها التاريخي الصحيح. ويركز الفصل الثاني على القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي حقبة شهدت استعمارًا واسع النطاق من قبل الدول الكبرى. فإنجلترا وفرنسا على وجه الخصوص استولتا على أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبررتا عملية الاستعمار هذه باللجوء إلى مجموعة من الأفكار تسمى «الاستشراق» ففي القرن التاسع عشر أقامت دول أوروبية شتى مراكز لدراسة الشرق انبثقت منها مجموعة ضخمة من المنح الدراسية للمستشرقين ترتبط ارتباطًا عضويًا بالإمبريالية والاستعمار.

وتركز الكاتبة بصفة رئيسية في هذا الفصل، وفي ثنايا الكتاب بوجه عام، على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لأن هاتين المنطقتين هما اللتان منهما إلى حد كبير، نتيجة لقربهما من أوروبا، المعلومات التي أوجدت مفردات غربية ونخبوية عن «الإسلام» وبعد الحرب العالمية الثانية، تولت الولايات المتحدة زمام الأمر من فرنسا وإنجلترا، حرفيًا وعلى سبيل الكناية على حد سواء. فقد بدأت في ممارسة هيمنتها في المنطقة ليس فقط عن طريق لغة الاستشراق المستعارة، ولكن أيضا عن طريق مفردات التحديث الرأسمالي، التي كانت أنسب للشكل الجديد من الإمبريالية الذي بدأته الولايات المتحدة. فيما يتناول الفصل الثالث استمرار وجود الآراء الاستشراقية (وبعض الآراء التي تنتمي إلى القرون الوسطى) في القرن الحادي والعشرين.

وهو يبين خمسة أقاويل عنصرية مقبولة على أنها أقاويل صحيحة عن المسلمين تنتشر اليوم ويبين أن هذه الأكاذيب ذات تاريخ أطول. ويتناول الباب التالي النهج الأمريكي إزاء الإسلام على المسرح السياسي. وهو يبين أن الإسلاميين لم يكن ينظر إليهم دوما على أنهم يشكلون تهديدا للولايات المتحدة. ويتناول فصلان من الكتاب هذا التاريخ، هما الفصل الرابع والفصل السابع. ويبين الفصل الرابع السياسة المتناقضة التي اتبعتها النخبة السياسية في الولايات المتحدة إزاء أحزاب الإسلام السياسي. فإبان الحرب الباردة وحتى الثورة الإيرانية في عام 1979، كانت الولايات المتحدة تؤيد بحماس القوى التي يمكن أن تؤسلم الشرق الأوسط وتكون بمثابة حركة مضادة لأولئك الذين كانوا يمثلون تحديًا لسيطرتها، وهم القوميون العلمانيون واليسار.

وفي فترة ما بعد سبعينات القرن المنصرم، أقام واضعو السياسات في الولايات المتحدة تحالفات مع أولئك الإسلاميين الذين كانوا يقفون إلى جانب الإمبريالية الأمريكية وعملوا ضد أولئك الذين كانوا يرفضون أداء هذا الدور.

صورة المسلمين بعد 11 سبتمبر

وحتى بعد 11 سبتمبر، عندما صور الإسلاميون بوجه عام على أنهم عدو الولايات المتحدة اللدود، استمر النهج المذكور آنفًا. ويبحث الفصلان الخامس والسادس ظاهرة الإسلام السياسي حسب وصفه لنفسه. ويبين الفصل الخامس أن أحزاب الإسلام السياسي ليست الامتداد الطبيعي للمجتمعات التي تسيطر عليها أغلبية مسلمة، مثلما حاجج البعض. إذ إن العالم الإسلامي (وهي تسمية خاطئة) شهد، مثلما حدث في المجتمعات التي توجد فيها أغلبية مسيحية، فصلا للدين عن السياسة أيضا.

وفهم هذا التاريخ يتيح لنا أن نرى أن الإسلام السياسي ظاهرة معاصرة. ويبين الفصل السادس أن التأسلم، الذي كثيرًا ما يسمى الأصولية الإسلامية، هو نتاج ظروف تاريخية معينة في أوخر القرن العشرين كان ما دفع إليها أيضا هو تنامى الأصولية المسيحية والهندوسية واليهودية. ويتناول الفصل السابع فكر ما بعد انتهاء الحرب الباردة داخل مؤسسة السياسة الخارجية والمسار الذي أفضى إلى حقبة «الحرب على الإرهاب».

ويفكك الفصل أسلوبين سائدين في التفكير في دوائر صنع السياسة، هما أسلوب المحافظين الجدد وأسلوب المعسكر الواقعي/‏‏‏‏ الليبرالي. وعلى الرغم من الاختلافات بين هذين الجناحين فيما يتعلق بمسائل الخطاب والاستراتيجية، فإنها يتقاسمان التزاما مشتركا بالإمبريالية الأمريكية فنقاط الاختلاف بينهما تدور حول أفضل السبل للحفاظ على سيطرة الولايات المتحدة وهيمنتها على العالم.

بيد أن هذه الاختلافات نحيت جانبًا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر مباشرة، عندما تآلف المحافظون/‏‏‏‏ المحافظون الجدد والليبراليون والمتخوفون من الإسلام لشن الحرب على الإرهاب. ومنذ ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة على استعداد لعقد صفقات مع طالبان أو مع الإخوان المسلمين المصريين . أما الباب الأخير في الكتاب فهو يتناول استخدامات فوبيا الإسلام في السياق الداخلي. ويبين الفصل الثامن الطرائق التي جرى بها لي عنق النظام القانوني بعد 11 سبتمبر لمقاضاة المواطنين والمهاجرين المسلمين، لا سيما أولئك الذين ينحدرون من منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وجدير بالذكر أن العرب والمسلمين كانوا يتعرضون للاضطهاد قبل عام 2001 من قبل الأجهزة القانونية وكانوا يعاملون كإرهابيين محتملين. وشهدت فترة ما بعد 11 سبتمبر التلاقي بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، مما أسفر عن تكوين صورة العدو «الإرهابي الإسلامي» الذي يجب مكافحته في الخارج وفي الداخل. و«الرعب الأخضر (الأخضر هو اللون الذي يرمز إلى الإسلام) المقابل المماثل لمختلف أشكال «الرعب الأحمر» المناهضة للشيوعية التي كانت من سمات السياسة الداخلية للولايات المتحدة في القرن العشرين وعندما تدخل دولة حربا مع عدو خارجي، فإنها تتحامل حتما ضد أولئك الذين تعتبرهم تجسيدًا لذلك العدو داخل حدودها.

المسلمون وذكريات اليابانيين المؤلمة

تبين صفحات الكتاب أن حالة المسلمين في الولايات المتحدة الآن تشبه شبهًا شديدًا حالة الأمريكيين اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية. وإحصائيا، تزيد احتمالات وفاة الأمريكيين من جراء صاعقة برق عن احتمالات وفاتهم من جراء عمل «إرهابي». والتركيز على الأمريكيين المسلمين «الذين أصبحوا راديكاليين» لا يخدم هدف الحفاظ على سلامة الأمريكيين، بل يعمل على إثارة إحساس بالخوف وجنون الشك، وهو ما يمكن عندئذ استخدامه لإخماد المعارضة وكسب التأييد لانتهاكات الحريات المدنية في الداخل وللحروب في الخارج.

ويبحث الفصل التاسع التحول داخليا إلى «الإرهاب الداخلي المنشأ» في نهاية العقد ويبين الدور الذي قام به الرئيس أوباما والحزب الديمقراطي في إيجاد منفذ لأقصى اليمين. ويركز الفصل تحديدًا على الجدل الذي تولد نتيجة للاقتراح الداعي إلى إقامة مركز إسلامي على مقربة من موقع مركز التجارة العالمي السابق. فقد أظهر الجدل بشأن «مسجد جراوند زيرو»، الذي يمثل تسمية خاطئة، العوامل الدينامية القائمة: فبينما أشعل المتخوفون من الإسلام الذين يمثلون أقصى اليمين الكراهية ضد المسلمين، أخذ الليبراليون والديمقراطيون يؤججون النيران.

وكانت المحصلة النهائية هي تعزيز المتعصبين العنصريين والتمكين من إحداث طفرة في رهاب الإسلام لم تشهد منذ أحداث 11 سبتمبر. وكان هذا هو أول انتصار واضح لليمين الصهيوني المتخوف من الإسلام، الذي كان ضالعا في حملات شتى منذ أحداث 11 سبتمبر. وأدت المناورات السياسية المتعلقة بالفوبيا الليبرالية للإسلام على قمة المجتمع إلى تمكين الفوبيا المتطرفة للإسلام لدى اليمين.

وبذلك استطاع أقصى اليمين أن يستغل جو العنصرية هذا، بحيث قام ببناء صفوفه عن طريق أليات تقديم كبش فداء. كذلك، استغل الساسة فوبيا الإسلام لكسب الأصوات والنفوذ السياسي.

أما الفصل العاشر فهو يتناول تحديدًا محاربي الجناح اليميني المتخوفين من الإسلام- وهم المكارثيون الجدد- وصلاتهم بالمؤسسة الأمنية، ووسائط الإعلام، والأوساط الأكاديمية، والطبقة السياسية.

وحجة المؤلفة التي تسوقها في هذا الفصل هي أن المتخوفين من الإسلام الذين يمثلون الجناح اليميني ليسوا أقلية هامشية بل هم جزء لا يتجزأ من هياكل المجتمع الأمريكي العام. فالمكارثيون الجدد، مثلهم مثل السيناتور جوزيف مكارثي من قبلهم، يلعبون دورًا جماعيًا في تصعيد الخوف والكراهية ضد المسلمين، بموافقة كاملة من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء وتماما مثلما أصبح مكارثي ممكنا بواسطة نظام سياسي وجد أن أساليبه الغريبة مفيدة في شن الحرب الباردة، فإن المكارثيين الجدد الموجودين الآن مفيدون في تجاوز الحدود والمضي قدمًا في الحرب على الإرهاب.

كيف يجب مجابهة الإسلاموفوبيا ؟

أخيرًا، تتناول الخاتمة الطرائق التي يمكن بها مكافحة فوبيا الإسلام ومقاومته. وصاحبة الكتاب تحاجج بأن فوبيا الإسلام تتعلق بالسياسة لا بالدين في حد ذاته؛ ولذا من اللازم مكافحته على تلك الأرض. وقد كان هناك قدر كبير من الأمل لدى الأمريكيين المسلمين وبين شرائح من اليسار في أن رئاسة أوباما ستخفف، إن لم تكن تقضى على، العنصرية ضد المسلمين. ومع ذلك، وكما يبين ذلك الفصل الختامي من فصول الكتاب، لم يتحقق هذا الأمل في التغيير: فأوباما تبنى وقنن تماما سياسات عهد بوش. وبعد سنوات من مظاهر الخيانة من جانب الحزب الديمقراطي، تكاتفت شرائح من الأمريكيين المسلمين، إلى جانب حلفائهم في الحركة المناهضة للحرب والحركات الاجتماعية الأخرى، لمقاومة العنصرية ضد المسلمين. وبدأت حركات محلية للدفاع عن الأمريكيين المسلمين المستهدفين دون وجه حق تندمج في حركة على نطاق البلد. وربط منظمة حركة الدفاع عن حقوق المسلمين بين تحرش إدارة شرطة نيويورك بالسود واللاتينيين، وبين حملة المراقبة التي تستهدف المسلمين، مما أوجد أواصر تضامن متعدد الأعراق. وتختتم بسوق الحجة القائلة بأن النجاح في إلحاق الهزيمة بفوبيا الإسلام لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق بذل جهود من هذا القبيل، وعن طريق سياسة تضامن دولي تربط بين الهجمات الداخلية على المسلمين وبين أهداف الإمبريالية.

في ظروف ظهور الكتاب للنور

تقول المؤلفة: لم يكن من الممكن أن أختار سنة أفشل من عام ٢٠١١ للعمل في تأليف هذا الكتاب. فقد شهد الجزء الأول من ذلك العام مولد الربيع العربي: ففي غضون أسابيع، أطاح أناس عاديون في تونس ومصر بحكومات عربية وجعلت التغطية الإعلامية التي تلت ذلك في الولايات المتحدة الأمريكيين يرون صورًا للعرب والمسلمين لم يشاهدوها من قبل على الأقل على هذا النحو المتواصل. وقطع النشاط الذاتي من جانب العرب والمسلمين العاديين شوطًا طويلاً صوب تحطيم الصور النمطية الراسخة منذ أمد طويل التي تنم عن فوبيا الإسلام؛ وحمل المحتجون الموالين للنقابات في ماديسون وويسكونسن لافتات اعتصامية تقول و«كافح كمصري»، وفي غضون أشهر قليلة، كان ما حققه الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكافحة الصور الكاريكاتيرية التي تنم عن فوبيا الإسلام عن طريق أنشطتهم أكبر مما حققته جميع الكتب التي كتبت عن الموضوع. ومن ثم فإنني أهدي هذا الكتاب بكل التواضع إلى نساء الربيع العربي الباسلات وإلى رجال الربيع العربي البواسل.

الشرق والغرب وصدام الحضارات

لقد انتقلنا في هذا الكتاب من القرن السابع إلى القرن الحادي والعشرين وتبين لنا أن العلاقة بين الشرق والغرب لم تكن تتسم بصدام حضارات عبر التاريخ. ورأينا أيضا أن النخب الحاكمة عبأت صورة خطر المسلمين الداهم لتحقيق أجندة سياسية، سواء كانت سيطرة البابوية على أوروبا في القرن الحادي عشر أو التوسع الأمريكي الآن.

والعدو الخارجي يقترن عادة بعدو داخلي يجري توليد خوف وكراهية سائغين ضده. وبالتالي فإن فوبيا الإسلام يتعلق بالسياسة لا بالديانة؛ ولذا يجب مكافحة فوبيا الإسلام في عالم السياسة،

والحزب الديمقراطي ليس حليفا في هذا الكفاح. فقد ظن بعض اليساريين، ومسلمون كثيرون، أن رئاسة أوباما ستخفف من الخوف الخبيث من الإسلام الذي أطلق عنانه أثناء عهد بوش وأنها ستبطل ذلك الخوف. بيد أنه لم يحتجز عشرات الآلاف من الأمريكيين المسلمين أو يجرى ترحيلهم في السنوات التالية لأحداث ١١ سبتمبر فحسب، بل إن مئات الآلاف جرى استجوابهم ومن ثم اعتبرتهم وزارة أمن الوطن التي أنشئت حديثا موضع شك. وقد كان هناك قدر كبير من الأمل إبان انتخابات عام ٢٠٠٨ في أن يتغير هذا كله مع قدوم رئيس ديمقراطي جديد. وتبين من استطلاع للرأي العام أجراه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية أن ٨٩ في المائة من الأمريكيين المسلمين أعطوا أصواتهم لأوباما؛ وأن ٢ في المائة فقط منهم صوتوا لصالح جون ماكين، الجمهوري. وأعلن أكثر من الثلثين أنهم ديمقراطيين، وذكر ٦٩ في المائة أنهم مستقلون، وتبين أن ٤ في المائة. فقط جمهوريون. بيد أن آمالهم تحطمت. فقد بدت دلائل الخيانة في أثناء الحملة الانتخابية نفسها. فأوباما، عندما اتهم بأنه مسلم، نفى التهمة وأكد معتقداته المسيحية. ودأب أيضا على تجنب طائفة المسلمين. فقد طلب إلى امرأتين ترتديان الحجاب، قبل إلقائه خطابًا مقررًا في ديترويت، أن تنتقلا من وراء المنصة حتى لا تبدو أي منهما في نفس الإطار مع المرشح أوباما.

وإذا كان اليمين ينتقد أوباما لكونه مسلما في السر فإن الليبراليين كانوا طرفا أيضا في هذا الهجوم. فعلى سبيل المثال، كتب إدوارد لوتواك وهو زميل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز إمبريالي واقعي/‏‏‏‏ ليبرالي من مراكز الفكر، مقالا من مقالات الرأي في صحيفة نيويورك تايمز كان، كما يقول حامد دباشي مناهضا للمسلمين، وينم تماما عن كراهية الإسلام بدرجة غير مسبوقة ومخزية. وكان فحوى حجة لوتواك هو أن أوباما مسلم (لأن والده كان مسلمًا) وأن المسلمين ملزمين بحكم ديانتهم بإعدامه لأنه اعتنق المسيحية. وفى مواجهة هذا الهراء في وسائط الإعلام التي يفترض فيها أنها ليبرالية، من السهل فهم السبب الذي جعل الأمريكيين المسلمين يعتقدون أنهم ينبغي ألا ينتقدوا أوباما أثناء الحملة الانتخابية وأن عليهم بدلا من ذلك أن يصوتوا له وينتظروا.

المسلمون وعهد أوباما

بعد فوزه في الانتخابات اتباع أجندة سياسة بوش الخارجية في مدة ولايته الثانية. وبينما تراجع خطابيا عن استخدام لغة فوبيا الإسلام الخشنة فإنه أرسل عمليا ثلاثين ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، وقام بتوسيع نطاق الحرب على باكستان، وحاول تغيير وضع اتفاق القوات في العراق بحيث لا يمدد احتلال الولايات المتحدة للعراق فحسب بل يمنح حصانة أيضا لجنود الولايات المتحدة من المقاضاة أمام المحاكم العراقية، ولم يقم فحسب بشن عدد من الهجمات بواسطة الطائرات بدون طيار على أفغانستان، وباكستان أكبر كثيرًا من عدد الهجمات المماثلة التي شنها سلفه بل إنه أدمج أيضا تلك الهجمات في استراتيجياته بشأن اليمن والصومال.

ووقع أوباما أيضًا قانون الترخيص الخاص بالدفاع القومي، الذي يتيح للمؤسسة العسكرية، بين جملة أمور أخرى، احتجاز مواطني الولايات المتحدة الذين يشتبه في صلتهم بالإرهاب بدون توجيه تهمة لهم.

واعتمد أوباما سياسات بوش ودونها في القانون مع أن ذلك أمر غير دستوري وغير قانوني، وفقا لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية. وحتى رغم أن هذه العملية قد أبعدت أفراد أسر المسلمين بعضهم عن بعض.

وبدلا من أن يصد أوباما المقاضاة الاستباقية والممارسة العنصرية المتمثلة في استهداف المسلمين قبل أن يفعلوا أي شيء فعلا، فإنه عززهما. وأماط اللثام عن استراتيجيته لمكافحة التحول إلى الراديكالية عام 2011، مما أضفى مصداقية على البرامج القائمة في أوساط إنفاذ القانون بشأن التحول إلى الراديكالية. وقال أوباما، في البيان الافتتاحي لوثيقة استراتيجيته، إن القاعدة والمنظمات المنتسبة إليها حاولت مؤخرا تجنيد أشخاص هنا في الولايات المتحدة وتحويلهم إلى الراديكالية، كما شاهدنا في العديد من المخططات والهجمات، ومن بينها الهجوم المميت في فورت هود

بيد أن الخوف الليبرالي من الإسلام لا يستهدف جميع المسلمين. فهو يعترف بوجود مسلمين أخيار، وهم أولئك الذين يتعاونون مع أهداف الإمبراطورية. ومن ثم، ذكر أوباما أن المسلمين أقدر على تولى الدور القيادي لأنهم يعرفون أوساطهم أفضل المعرفة، وأغدق في مديح الأمريكيين المسلمين الذين عملوا مع المسؤولين عن إنفاذ القانون، ودعا إلى مزيد من هذا العمل. وتلتمس الوثيقة دعم المدرسين والمدربين وأفراد طائفة المسلمين، الذين يتعين تحويلهم إلى نظام مخبرين على غرار المكارثية، ويمضى التقرير، متمسكا بمبادئ الخوف الليبرالي من الإسلام، ليقول علينا أن نتصدى لدعاية القاعدة القائلة بأن الولايات المتحدة في حالة حرب مع الإسلام بطريقة ما ويؤكد بدلا من ذلك أن الإسلام جزء من أمريكا، وهى بلد يعتز بالمشاركة النشطة من قبل جميع مواطنيه، بصرف النظر عن خلفيتهم ومعتقداتهم. فنحن نعيش في ظل ما ترفضه القاعدة بعنف، وهو الحرية الدينية والتعددية.