916036
916036
المنوعات

متحف البايات يفتح نافذة من تاريخ تونس الحديث

02 فبراير 2017
02 فبراير 2017

916035

تونس- «د.ب.أ»: بينما تغرق مدرسة في تعديد مناقب المصلح التونسي الشهير خير الدين باشا يجول طلبتها بأنظارهم بين أروقة المتحف العتيق بقصر سعيد الذي يعود إلى حقبة حكم البايات في تونس.

تبدو صورة المصلح العملاقة بطول 275 سنتيمترًا وعرض 219 سنتيمترًا على جدار أزرق اللون، الأكثر جلبًا للانتباه لدى الزائرين إلى المتحف الواقع بجهة باردو.

والصورة تجسد المصلح خير الدين بزيه الرسمي المزركش على صهوة جواد ممتشقًا سيفًا طويلًا، وهي الأكثر تداولًا بين المؤرخين لارتباطها بحقبة كاملة تميزت بالإصلاحات السياسية ولكن أيضا بأحداث مفصلية في تاريخ تونس الحديث.

يقع قصر سعيد على بعد أمتار من متحف باردو الشهير ومقر البرلمان. وكان فيما مضى مقر إقامة حكام البايات. واليوم تعمل جمعية «رامبورغ» الثقافية بالتعاون مع وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتراث على إعادة الحياة إلى القصر المهجور وتحويله إلى متحف دائم.

وتقول إحدى المشرفات على المعرض من جمعية «رامبورغ» لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): «نحن نخطط من أجل الإبقاء على المتحف ونقوم بترميم القصر حتى يتحول إلى معلم ثقافي مهم للتونسيين».

ويجمع متحف قصر السعيد الغارق في الصمت والألوان الخافتة بأحداث التاريخ بين جنباته حيث لا يزال يتردد بين جدرانه صدى معاهدة باردو التي وقعها في القصر نفسه باي تونس مع الحكومة الفرنسية في 12 مايو عام 1882.

منحت المعاهدة سلطات واسعة للمقيم العام الفرنسي بتونس، ممهدة بذلك بداية الاحتلال الفرنسي الفعلي للمملكة بعد اشتداد الأزمة المالية والاقتصادية في تونس.

ويعرض المتحف ضمن احتفالية الستين عامًا على استقلال تونس بعنوان «صحوة أمة، الفن في فجر تونس الحديثة»، أكثر من 300 قطعة من المخطوطات واللوحات والوثائق النادرة والمهمة من بينها وثيقة «عهد الأمان» الذي نص على المساواة بين المسلمين وغير المسلمين أمام القضاء (1857) ودستور (1861) وهو الأول في العالم الإسلامي والعربي في تلك الفترة. تعد تلك الإصدارات مرحلة متقدمة من الإصلاحات التي قادها خير الدين باشا في فترة حكم العائلة الحسينية الممتد من عام 1705 حتى عام 1957 وتحديدًا في فترات حكم أحمد باي ومحمد باي ومحمد الصادق باي على التوالي.

ويقول مفوض المعرض والخبير في تاريخ الفن رضا مومني: «صحوة أمة هي حدث فريد من نوعه يبسط سياق وآليات بناء الدولة التونسية الحديثة عبر مرحلة من تاريخها مفصلية، وغير معروفة بشكل جيد وهي فترة الإصلاحات الكبرى».

وتركز المخطوطات والصور والكتب المعروضة في المتحف على تلك الفترات بداية من عام 1837 حتى عام 1881، تاريخ بداية الحماية الفرنسية في تونس، وهي بداية فترة الاستعمار التي تواصلت حتى عام 1956.

ويقول القائمون على المتحف: إن المعرض يهدف علاوة على إعادة الحياة إلى القصر، إلى رفع النقاب عن حقبة تاريخية ظلت غامضة وغير معروفة في العديد من فتراتها لدى التونسيين. ويوضح فتحي البحري المدير العام للمعهد الوطني للتراث «إن عهد الإصلاحات الكبرى في القرن التاسع عشر يدرس اليوم في المناهج؛ وهو مصدر فخر في تونس لكنه أهمل بعض الشيء أو كانت ثمة محاولات لمحوه وإن كان بطريقة غير واعية».

وأضاف البحري: «المنتصر هو عادة من يكتب التاريخ والجمهورية هي التي انتصرت على الملكية».ويضم المتحف في أحد أجنحته أسلحة حربية قديمة تعود لمنتصف القرن التاسع عشر وكتابا للرياضات العسكرية وعددًا من البزات الرسمية متنوعة الألوان برتب عسكرية مختلفة، من فريق وأمير لواء والباش شاطر.

بشكل عام تمثل الإصلاحات في المؤسسة العسكرية التي تميزت خاصة ببناء الجيش النظامي وتشييد مدرسة باردو الحربية على النمط الأوروبي عام 1840 أحد أبرز التحولات التي عرفتها المملكة على طريق الحداثة ودولة المؤسسات.

وفي إحدى زوايا المتحف تبرز لوحة كبيرة تجسد استعراضًا عسكريًا لكتيبة من الجيش التونسي تستعد للسفر إلى تركيا للمشاركة في حرب القرم إلى جانب الجيوش العثمانية وجيوش التحالف ضد الامبراطورية الروسية.

كانت الحرب الشهيرة قد اندلعت في ‏أكتوبر عام 1853 استمرت حتى عام 1856. وكان تعداد الجيش التونسي قرابة 10 آلاف عنصر أرسلهم باي تونس على ثلاث دفعات بطلب من السلطان العثماني. بحسب تفسير المؤرخين فإن قرار باي تونس المشاركة في الحرب كان الهدف منه استعراض قوة جيشه أمام الفرنسيين الذين كانوا قد احتلوا الجزائر عام 1830 وذلك بغرض إظهار قدراتها على الردع وامتلاكها جيشًا عصريًا قادرًا على الدفاع عنها في حال تمادت الأطماع الفرنسية وأرادت احتلال تونس.

وفي زاوية أخرى من المتحف يوثق المعرض أيضًا لأكثر الفترات التاريخية خطورة التي شهدتها تونس زمن الصحوة والإصلاحات، متمثلة في انتفاضة القبائل ضد السياسات الضريبية والفساد عام 1864، التي هددت بتقويض المملكة ونسف مكاسب الحداثة التي حققتها.

وتروي الوثائق الملحقة باللوحات الزيتية أن الثورة التي قادها القائد علي بن غذاهم الملقب بـ«باي الشعب» نجحت في أن تهدد أركان العرش بعد أن تقلص نطاق نفوذه ليشمل العاصمة وأحوازها فقط. لكن الباي تمكن في نهاية المطاف من قمع الثورة بدموية واعتقال بن غذاهم ليموت في السجن عام 1867.

تشكل الحادثة بداية أفول عصر الإصلاحات التي تزامنت لاحقًا مع تدشين الحقبة الاستعمارية. لكن المؤرخين يعدون وثيقة عهد الأمان ودستور عام 1861 وأفكار خير الدين باشا مراجع أساسية لبروز النخبة المعارضة للحكم الفرنسي في بدايات القرن العشرين.

والأهم من ذلك أنها شكلت النواة الأولى لنهاية حكم العائلة الحسينية والانتقال إلى النظام الجمهوري بعد عام واحد من استقلال تونس وإعلان سقوط الملكية.

ويقول فتحي البحري مدير للمعهد الوطني للتراث: «نحن نعيد تشكيل الجمهورية؛ لدينا مجتمع منقسم بين محدثين وتقليديين. علينا أن نتعلم من عيوب تلك المرحلة لتحسين أنفسنا».