أفكار وآراء

ضريبة القيمة المضافة «فات» في دول الخليج

01 فبراير 2017
01 فبراير 2017

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

Email: [email protected] -

منذ فترة من الزمن تتفاوض الجهات الرسمية المختصة في دول مجلس التعاون الخليجي بهدف الاتفاق على إصدار اتفاقية إطار عام لضريبة القيمة المضافة (فات) في دول مجلس التعاون. وتقريبا، هذا الأمر الآن أصبح شبه مؤكد خاصة بعد التدهور المريع لأسعار النفط والغاز حيث يتم الاعتماد عليهما تماما في كل دول مجلس التعاون الخليجي كمصدر الدخل الرئيسي والأساسي لتغطية الموازنة العامة في هذه الدول “البترولية”.

إن هبوط أسعار النفط والغاز وغيرهم من مشتقات الطاقة، الذي حدث مؤخرا، وما نتج عن هذا الانخفاض من الضغوط الحادة على الموازنة العامة المرتبطة بها في هذه الدول التي تستمد معظم عائداتها من هذه القطاعات بالذات أدى إلى زيادة التفكير والبحث الجاد عن شتى البدائل العملية والمناسبة لتغطية ما ينجم من عجز حاد في دخل الدول. ومن ضمن هذه البدائل طرأت أفكار عديدة من ضمنها بعض الحلول المتعلقة بإيجاد موارد مالية إضافية عبر القيام بانتهاج سياسات جديدة وجريئة من ضمنها الإصلاح الضريبي. ومن هنا تأتي فكرة اللجوء لتطبيق ضريبة القيمة المضافة (فات) المطبقة في العديد من دول العالم.

كما ذكرنا، في الوقت الحاضر تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي وبصفة تكاد تكون تامة علي الإيرادات الناتجة أساسًا من مبيعات ما ينتجه قطاع النفط والطاقة. ولهذا وطيلة فترة هذا الاعتماد الكبير والدائم علي هذا المورد المهم، لم تكن هناك أية حاجة لفرض الضرائب في هذه الدول، ولذا فان القاعدة الضريبية لدول الخليج ظلت تتمثل وبشكل رئيسي من الدخل الوارد من بعض رسوم الاستيراد، إضافة لبعض الرسوم الرمزية والأتعاب الأخرى.

من دون شك، فان إيرادات الحكومات في هذه الدول “البترولية” المتوقعة حاليًا، وفي المستقبل المنظور ستتأثر كثيرًا بسبب الانخفاض السريع والأخير في أسعار النفط والغاز في جميع أنحاء العالم. وبالإضافة لهذا الوضع، يجب ألا ننسى الاتجاه المتزايد في العالم من أجل تطبيق وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية أو الثنائية التي تؤدي بدورها إلى تخفيض القيمة الجمركية المحصلة. ولهذه الأسباب، وغيرها، فان المنطق يقتضي البحث عن بدائل ربما تتمثل في فرض ضرائب قد تكون “رمزية” وهنا تظهر فكرة “ضريبة القيمة المضافة” للتطبيق في دول الخليج بغرض التخفيف من اعتماد هذه الدول التام على عائدات البترول والغاز ومشتقات النفط المتدنية الأسعار. وهذا المنفذ الجديد قطعا سيوفر لهذه الدول مصدرًا ماليًا بديلاً وإضافيًا، وهي في حاجة ماسة لأي زيادة في الدخل بسبب الظروف الشائكة التي تعايشها المنطقة وكل العالم من حولها..

وفي هذا السياق، من الملاحظ أن دول مجلس التعاون الخليجي قد اتفقت على اعتماد إطار موحد لتطبيق ضريبة القيمة المضافة وذلك في حدود نسبة خمسة في المائة “5٪” لتعزيز استدامة التدفقات المالية لموارد الحكومات، ومن المتوقع أن يبدأ تطبيق هذه الضريبة الجديدة في الأول من يناير من عام 2018 أو في بداية 2019 كحد أقصى. والغرض الأساسي من هذا الإجراء الوقائي، الذي قد يكون مؤلمًا للبعض في دول الخليج، العمل على إدخال نظام متكامل وموحد يتم من خلاله فرض ضريبة القيمة المضافة (فات) على استيراد وتوريد السلع والخدمات في كل مرحلة من مراحل سلسلة التصنيع والتوزيع. هذا وكخطوة احترازية لا تخلو من الحكمة ، من المتوقع أن تستثنى بعض القطاعات لا سيما في مجالات محددة بسبب خصوصية القطاع وصعوبة فرض ضريبة “ضريبة القيمة المضافة” عليه أو لأسباب واعتبارات أخرى منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي هذا الخصوص، نشير لقطاع الخدمات المالية وعلى سبيل المثال قطاع التعليم وقطاع العقارات السكنية وقطاع الصحة وغيرهم وفق الأولويات والمستجدات.. والإطار العام والموحد المقترح لضريبة القيمة المضافة سيشكل أساسًا وبدايةً لاستحداث هذه الضريبة في كل دولة من دول مجلس التعاون على حدة، وذلك عبر إصدار التشريعات الوطنية الخاصة بكل دولة وإنشاء البنية الأساسية للإدارة الضريبية في كل دولة.

وبالنظر للتاريخ المقترح لتطبيق هذا الإجراء، فإنه يتوجب على الحكومات بناء قدراتها بشكل فوري ومتكامل من حيث الفعالية والكفاءة في التنفيذ. وكذلك من المتوقع أن يتم منح الشركات في كل الدول فترة انتقالية تتراوح بين سنة إلى سنة ونصف وذلك للاستعداد لتطبيق هذه الضريبة. وفي هذا الخصوص، نشير إلى أنه بالنسبة للشركات فإن ضريبة القيمة المضافة قد تعتبر “محايدة” أو ربما نقول غير مؤثرة، إذ تقوم وتعمل الشركات على تحصيل ضريبة القيمة المضافة المستحقة على عملياتهم ومبيعاتهم نيابة عن الحكومة، ولاحقًا يتم استرجاع ضريبة القيمة المضافة التي تم دفعها من مدخلاتهم. ولكن التأثير المباشر لهذه الضريبة على الشركات، وعلى الاقتصاد بشكل عام، يعتمد بشكل كبير على ميزات تصميم النظام الضريبي، وتحديداً القاعدة الضريبية وعدد الإعفاءات ومتطلبات الامتثال لتطبيقها.... إلخ. ومن دون شك، فان اعتماد نظام ضريبي مبسط وفعال وحيادي سيساهم على تقليل التأثير على الشركات، ولا سيما من حيث تكاليف الامتثال خاصة في الدول التي تتم فيها عملية الإيداع والدفع عبر الإنترنت والدول التي تعتمد نظام معدل ضريبة واحد ....إلخ. وعلى الجميع الصبر في البداية، لأن هذا الوضع يحتاج لبعض الوقت حتى يتم الاستيعاب والتطبيق السليم مع الممارسة والخبرة المكتسبة.

إن التطبيق المتوقع لضريبة القيمة المضافة هو في حدود نسبة 5 %، وهذه نسبة تعد منخفضة مقارنة مع معظم الدول الأخرى، والتطبيق لا يؤثر على أرباح الشركات من أي ناحية ولذا نقول، أنه يجب أن لا يؤثر على نظرة الشركات إلى هذا العبء الضريبي الجديد والبيئة الضريبية الجديدة التي ستطبق عاجلا أم آجلا في ربوع دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن في جميع الأحوال، على جميع الشركات التجارية أن تهيئ نفسها جيدا وأن تقوم بإعداد الاستراتيجيات التجارية في ظل التحول المحتمل في الطلب والإنفاق الاستهلاكي، مع ضرورة العمل على وضع نهج منطقي لتوقع التغييرات الجديدة بالشكل الصحيح مع العمل على ضمان الانتقال السلس لهذه السياسات الجريئة في المنطقة.

وبالإضافة للشركات، فهناك جهات عديدة أخرى يجب عليها الاستعداد التام لهذا العمل المهم الذي تتطلبه المرحلة الراهنة. ومن هذه الجهات شركات المحاسبة والتدقيق وكل العاملين في هذه المهنة الحساسة، خاصة وأن عليهم دورًا كبيرًا في إعداد القوائم المالية المحاسبية وتدوينها ثم مراقبة انتقالها لكل الجهات المعنية وفق الأسس المحاسبية السليمة والضوابط المستحدثة. وكذلك على الجهات الحكومية المختصة يقع دور مهم يتمثل في المتابعة والمراقبة وسلامة التنفيذ وفق القوانين واللوائح الخاصة. وفي هذا المجال، أيضا يقع عبء ودور مهم على مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية ومستشاري الضرائب ويجب على ممتهني مهنة القانون الاجتهاد المهني والمساهمة في تقديم النصح القانوني للتطبيق السليم للقانون وتوضيح كل المتطلبات القانونية وتوابعها والمخاطر المرتبطة بها خاصة خلال المراحل الانتقالية الأولى، وكما نعلم نحن أهل القانون فان تفسير وتطبيق قوانين الضرائب تعتبر من أصعب المهمات القانونية أن لم نقل أصعبها على الإطلاق. كل هذه الجهات، وغيرها بصفة غير مباشرة، لديها دور مهم ومسؤولية كبيرة في نجاح التطبيق السليم والأمثل لهذه السياسات المالية والضريبية الجديدة التي اقتضتها ظروف الحال.. ونأمل دوما ونتطلع إلى تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي لدول الخليج العربية وأن يكون في تطبيق هذا المنفذ الجديد تحقيق الفائدة المرجوة وكل المبتغى للجميع.