randa-s
randa-s
أعمدة

عطر : لهذا طلقني زوجي.!

01 فبراير 2017
01 فبراير 2017

رندة صادق -

[email protected] -

حكاية تتكرر كلَ يوم ،وقصة دمار عائلة تزداد يوما بعد يوم، وكأن الزواج بات محكوما بقانون الطلاق لا بقانون المودة والرحمة والسكينة.

جاءتني باحثة عن عمل وهي امرأة في أواخر الثلاثينات، يبدو على ملامح وجهها جمال من نوع خاص، جمال شعبي ارتدى ثوب التكلف، بشعر ينتشر على وجهها بعبثية لا معنى لها، كان واضحا عليها لهفتها للفوز بالوظيفة المتواضعة،التي تقدمها المؤسسة التي أديرها وهي:” عاملة في المطبخ “وطبعا المفروض أن اسألها عن خبرتها العملية، ولكن لعلي بحدس امرأة شعرت بحزنها الذي تحول الى دمعة وأنا اسألها :هل سبق لكِ العمل في هذا المجال ؟

ردت وهي في غاية الارتباك :لا أنا لم أعمل يوما في حياتي؟وأجهشت بالبكاء،بكاؤها أربكني، لأني بمكان ما تعاطفت مع دموعها، وبمكان آخر أحتاج من يملك استقرارا وتوازنا، فهي ستعمل بمؤسسة تهتم بالأطفال والعامل النفسي مهم في مثل هذا العمل، ولكني وجدت نفسي أسألها عن ظروفها، وجاءت إجابتها غير متوقعة : طلقني زوجي.

وطبعا لأني غالبا أحمل الرجل فشل أي علاقة قلت لها :أكيد أحب امرأة أخرى.

-لا طلقني بسبب” الواتس أب” فمنذ أن أصبح لدي واتس أب، تغيرتُ في بيتي ومعه، وراحت تحدث بيني وبينه مشاكل كثيرة، فأنا لا أترك الهاتف من يدي حتى عندما يعود متأخرا من عمله، يجدني في معظم الأحيان بنفس الملابس التي كنت ارتديها،ويجد المنزل تعمه الفوضى وإن طهوت لا بد أن تحترق الطبخة، أو أن تكون خالية من الملح أو ملحها كثير كونني لا أذكر أن أضفت الملح أم لا،تفاصيل كثيرة كانت تزعجه، فأنا حتى لم أكن اجلس معه إلا والهاتف بيدي، أترقب صوت الإشارات، وحتى أثناء النوم، كنت أستيقظ لأرى هاتفي والقي نظرة على ما يحدث خشية أن يفوتني أمر،كل هذا كان في الفترة الأولى يغضبه ولكن ما جعله يثور ويرمي علي يمين الطلاق هو تعرض ابني الى حادث كسر لرجله بسبب إهمالي له.

طبعا تكلمت في تفاصيل كثيرة،ولكن أنا لم أعد اسمعها، كنت أفكر بمرض جديد أصاب المجتمع مرض نفسي وعادة تتملك من وقع في فخها، راحت تتدفق الى ذاكرتي كل القصص التي سمعتها عن الطلاق أو خلافات بسبب الواتس أب، وهذا المرض الوبائي الذي اطلق عليه “ادمان الواتس أب”. هو حقا إدمان لأن الإنسان يعجز عن التخلص منه أو عن مقاومة سحره، فالجميع بات يعيش ويحزن ويبكي ويتمرد ويضحك من خلال هذا التطبيق، علينا أن ندرك أنه إدمان بكل ما للإدمان من مظاهر،وأن الشفاء منه يعني أن نعاني من مضاعفات خروج الإدمان من أجسادنا ومن عقولنا ومن حاجاتنا، وأنه قد نفشل في ايجاد علاج له وللإدمان عوارض نلاحظها على أنفسنا منها:

الهاتف ملازم لنا،قلق مستمر من فقدان الاتصال بالشبكة،الابتعاد عن الحياة الاجتماعية الفعلية،الاستيقاظ من النوم وفتح الهاتف والبحث عن الواتس أب، الانطواء والاكتفاء بعلاقات افتراضية،عدم الإحساس بالوقت أو بقيمته، إهمال الواجبات وحتى إهمال النفس، التحول الى غرباء في عالمنا الحقيقي، وأمور كثيرة نقوم بها تؤكد أنّه قد تم سجننا داخل تطبيق، وتدمير حياتنا وتحويلنا الى كائنات متلقية، تتحرك من خلال نغمة الإشعارات، في هاتف شديد الذكاء يساهم في جعلنا كائنات شديدة الغباء.

قصة هذه المرأة التي ضربتها فوضى العولمة في مقتل فخسرت أولادها وبيتها واستقرارها، قصة كثر من رجال ونساء، ولعلي أنا وأنتم قريبون جدا من حالة الإدمان هذه ربما حان الوقت لنقرر البحث عن العلاج ..