913880
913880
تقارير

رؤية واشنطن الجديدة نحو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يشوبها الغموض والمفارقات

30 يناير 2017
30 يناير 2017

الدوحة - عمان أ صدر المركز العربي للنشر ومقره الدوحة تقريرا بشأن رؤية واشنطن الجديدة نحو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي مع تولي إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مقاليد الأمور رسميًا في الولايات المتحدة، حيث يترقّب العالم مقارباته للسياسة الخارجية، خصوصًا أنه لم يقدّم رؤية سياسية خارجية متماسكة، فضلًا عن أنّ مواقفه التي عبّر عنها حتى اليوم، يشوبها كثير من الغموض والمفارقات. ولا يمثل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي استثناءً، فقد سبق لترامب أنّ عبّر عن الموقف ونقيضه مرات عدة؛ فقد اعتبر نفسه الشخص الأكثر تأهيلًا لتحقيق «السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأنه سيكون «محايدًا» بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وفي المقابل أشار إلى أن إسرائيل لا تريد السلام. وبعد ذلك، تبنى الأجندة اليمينية الإسرائيلية بالكامل، ووعد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لكنه يعود ويؤكد أنه سيعمل على تحقيق «سلام» فلسطيني إسرائيلي عبر تعيين زوج ابنته الشاب، جاريد كوشنر، مشرفًا على عملية السلام في الشرق الأوسط.

تحاول هذه الورقة تلمّس ما قد تكون عليه سياسة إدارة ترامب نحو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من خلال أربعة ملفات، هي: العلاقة مع إسرائيل، والموقف من المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاستيطان.

العلاقة مع إسرائيل

لا توجد معلومات عن علاقات خاصة ومتميزة جمعت ترامب بإسرائيل، وهو ما بدا واضحًا خلال حملته الانتخابية الرئاسية؛ إذ إن أقصى ما استطاع أن يتودّد به لليهود الأمريكيين كانت شهادات تقدير حصل عليها من منظمات صهيونية، مثل صندوق النقد اليهودي الذي أسبغ عليه «جائزة شجرة الحياة» عام 1983، وهي جائزة تمنح «لأفراد تقديرًا لخدماتهم المجتمعية وتفانيهم في موضوع الصداقة الأمريكية - الإسرائيلية»، وشارك في «احتفال يوم إسرائيل» عام 2004 في نيويورك، كما حصل على شهادة تقديرية مطلع عام 2015 من منظمة صهيونية أمريكية محافظة. ويمكن أيضًا الإشارة هنا إلى أن ثمة علاقة خاصة جمعت بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، إذ قام بتسجيل فيديو خاص لحضّ الإسرائيليين على دعم حملة ترشّح نتنياهو عام 2013.

غير أنّ علاقة ترامب الخاصة بنتنياهو، وبعض الجوائز التقديرية من منظمات يهودية أمريكية وإسرائيلية، لم تترجم إلى مواقف سياسية واضحة في دعم إسرائيل وسياساتها، ما أثار شكوكًا حوله بين اليهود الجمهوريين واليهود الأمريكيين عمومًا خلال الحملة الانتخابية الرئاسية مع تكراره مرارًا أنه «يحب إسرائيل». فقد صرح خلال إحدى المناظرات الانتخابية الجمهورية في فبراير 2015، مثلًا، أنه يريد أن يكون «رجلًا محايدًا» في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي ديسمبر 2015، أثار حنق اليهود الأمريكيين مرة أخرى عندما قال إن تحقيق السلام يعتمد على «إن كانت إسرائيل تريد التوصل إلى صفقة أم لا، وإن كانت إسرائيل مستعدة للتضحية ببعض الأشياء أم لا». وتعاظمت شكوك اليهود الأمريكيين بترامب عندما تعهّد في الشهر نفسه بالاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.

غير أن مواقف ترامب من إسرائيل، شهدت تغييرًا كبيرًا منذ مارس 2016، وذلك عندما ألقى خطابًا أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية - الإسرائيلية «إيباك» في واشنطن، أعلن فيه أنه «في اليوم الذي سأصبح فيه رئيسًا، فإن معاملة إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية ستنتهي». كما تعهد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب «إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، القدس». وأكد ترامب أنه سيجتمع مع نتنياهو في حال انتخابه رئيسًا «للعمل معًا على تحقيق الاستقرار والسلام في إسرائيل والمنطقة بأسرها».

ومنذ ذلك الحين، انتقل ترامب مباشرة إلى تبني مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف، وثبت في مواقفه وتصريحاته الداعمة لإسرائيل وتوسعها الاستيطاني، وحتى بعد انتخابه رئيسًا، فقد أكد أنه ملتزم بوعده نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما خالف التقاليد الأمريكية المتعارف عليها، وذلك عندما قام في ديسمبر 2016 بإدانة قرار إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالامتناع عن نقض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 الذي دان التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، واعتبر الأراضي المحتلة بعد الرابع من يونيو 1967 أراضيَ محتلة، وكل المستوطنات التي بنيت فيها غير شرعية. وللتأكيد على أنه ملتزم بوعوده نحو إسرائيل، تحادث ترامب هاتفيًا مع نتنياهو بعد يومين من تنصيبه رئيسًا، فأكد التزامه بعلاقات وثيقة مع إسرائيل «والتزامه غير المسبوق بأمنها»، ودعاه إلى زيارة البيت الأبيض مطلع فبراير.

الموقف المتوقع من المفاوضات السياسية

لعل أكثر القضايا غموضًا في مقاربة ترامب للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تكمن في موقف إدارته المتوقع من العملية التفاوضية وما ينبغي أن تفضي إليه، إذ إن تصريحاته ودائرته الضيقة في هذا الموضوع تصل حدَّ التناقض. فمن جهة، ترى إدارته «أن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين يتحقق عبر التفاوض المباشر بين الطرفين فقط» (وهذا يتطابق مع موقف اليمين الإسرائيلي الذي يهدف إلى الاستفراد بالفلسطينيين وإخضاع التفاوض معهم لميزان القوى الثنائي)؛ بمعنى إبعاد أي وصاية أخرى، بما في ذلك مرجعية الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وبأن دور الولايات المتحدة سينحصر في العمل «بشكل وثيق مع إسرائيل لتحقيق تقدم». غير أنه، من جهة أخرى، أعلن في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز بعد نجاحه في الانتخابات بأنه يريد أن يكون «الشخص الذي حقق سلامًا بين إسرائيل والفلسطينيين». ويؤيد بعض المسؤولين الكبار في إدارته مثل وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون، ووزير دفاعه جيمس ماتيس، وسفيرته إلى الأمم المتحدة نيكي هالي، اتفاق سلام فلسطيني - إسرائيلي يفضي إلى دولة فلسطينية. ولتحقيق ذلك، فإن ترامب يعتبر أن زوج ابنته كوشنر هو الشخص الأنسب لتحقيق ذلك، مع أن كوشنر لا يملك أي خبرة دبلوماسية، فضلًا عن أن نزاهته محل شك كبير، فهو ينتمي لعائلة يهودية متدينة معروفة بدعم إسرائيل والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين. كما أن ديفيد فريدمان، الذي اختاره ترامب ليكون سفيرًا لبلاده في إسرائيل، معروف بدعمه المطلق لإسرائيل والاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية. بل إن فريدمان ينافح صراحة عن «حق» إسرائيل في ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية لإسرائيل. ويتوقع عدد من الخبراء الأمريكيين أن إعادة إطلاق مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لن يكون أولوية، على الأقل في الأشهر الأولى، في ظل التركيز على محاربة «داعش»، والتعامل مع إيران.

نقل السفارة الأمريكية إلى القدس

قبل يوم واحد من تنصيبه رئيسًا، أكد ترامب أنه سيفي بتعهده نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ولكن، وبعد تحذيرات من مسؤولين أمريكيين ودول حليفة، أوروبية وعربية، من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفجّر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمنطقة كلها، وتؤثر في المصالح والأمن القومي الأمريكي، يبدو أن إدارة ترامب آثرت التريث، وهو ما عبّر عنه الناطق باسم البيت الأبيض، عندما قال إن الإدارة لا تزال «في المراحل الأولى في مناقشة هذا الموضوع». بل ثمة مؤشرات إلى أن إسرائيل نفسها قد لا تكون متحمسة لهذا الموضوع الآن، لأنها غير مستعدة لتفجّر عنفٍ محتملٍ جراء مثل هذه الخطوة في وقت تريد أن ينصبّ التركيز فيه على احتواء إيران. وحسب مصادر إسرائيلية، فإن نتنياهو لم يسع إلى الضغط على ترامب خلال المحادثة الهاتفية بينهما للحصول على التزام منه بشأن نقل السفارة ولا حتى على جدول زمني لتحقيق ذلك.

ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترامب جادة في موضوع نقل السفارة، ولكن بخطوات متدرجة للتخفيف من وطأة القرار، خصوصًا أن نقلها لا يمكن أن يتم عمليًا قبل الأول من يونيو القادم، لأن أوباما وقع في ديسمبر 2016 التأجيل المعتاد منذ عام 1995 لقرار النقل لمدة ستة أشهر. ومن ضمن الخيارات المطروحة في المرحلة التمهيدية للنقل، أن يعيش السفير في القدس في حين يعمل من السفارة الأمريكية في تل أبيب، أو أن يقوم السفير بالعمل من جناح خاص في فندق أو مكتب معين في القنصلية الأمريكية في القدس من دون نقل السفارة عمليًا. ومع ذلك، فإنه لا يمكن أبدًا التكهن بالقرار النهائي الذي سيتخذه ترامب في هذا الصدد.

الاستيطان

مع أنه لا يوجد موقف واضح لإدارة ترامب من موضوع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والذي لا يزال - بحسب الموقف الرسمي الأمريكي - غير شرعي، فإن المؤشرات الأولية تشير إلى أن هذا الموضوع لن يكون نقطة توتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل كما كان عليه الحال في ظل إدارة أوباما. فمن ناحية، ندّد ترامب بقرار مجلس الأمن رقم 2334. كما أن زوج ابنته، كوشنر، داعمٌ للاستيطان، وكذلك سفيره المقترح لإسرائيل ديفيد فريدمان. وفي مؤشر على الاطمئنان الإسرائيلي لإدارة ترامب، أعلنت بلدية القدس عن المضي قدمًا في مشروع بناء 550 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية يوم تنصيب ترامب رئيسًا؛ وذلك بعد أن أجّلته بطلب من الحكومة الإسرائيلية حتى انتهاء ولاية أوباما. وحسب نائب رئيس بلدية القدس، مئير ترجمان، فإن «قواعد اللعبة تغيرت بعد وصول ترامب». بل إن الأحزاب الأكثر يمينية في الائتلاف الحاكم في إسرائيل اليوم، مثل حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت، يضغط من أجل ضمّ مستوطنة معاليه أدوميم، في الشمال الشرقي من القدس، إلى إسرائيل، ما سينهي أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف، لأنها تصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها. ومن الواضح أن إدارة ترامب سوف تتسامح مع التوسع الاستيطاني ولن تراقبه، بغض النظر عن الموقف الرسمي، وأن ما يسمى بحركة السلام الإسرائيلية التي تنحصر مهمتها منذ سنوات بانتقاد الاستيطان ومراقبته وتقديم تقارير حوله، لن تجد حليفًا داخل إدارة ترامب.

لقد قال نتنياهو في تصريح حول مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط الذي عقد في 15  يناير 2017، والذي قاطعته حكومته، إن هذا المؤتمر ينتمي إلى عهد سابق، وأن العالم سوف يشهد عهدًا جديدًا.

خلاصة

مع أنه يصعب التنبؤ بسياسات إدارة ترامب، فإنه يبدو واضحًا أنّ الموقف الأمريكي من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي قد يتعرّض لتغييرات كبيرة في موضوعات مثل الاستيطان ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس والمفاوضات السياسية، وأن هذا سيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وعلى العلاقات العربية - الأمريكية، على المستويين الدولي والشعبي على الأقل؛ إذ بدأت القضية الفلسطينية تعود إلى دائرة الاهتمام، وتجلّى ذلك في قرارات دولية عديدة من منظمة اليونيسكو ومجلس الأمن.

ويخطئ العرب خطأ فادحًا إذا تجاهلوا المواقف الأمريكية الداعمة لليمين الإسرائيلي المتطرف بشأن القدس والمستوطنات، وإذا تركوا قضية فلسطين مرةً أخرى للاستخدام الإيراني، ولا سيما أنّ العلاقات الإيرانية - الأمريكية في مرحلة ترامب ستدفع إيران للبحث عن أدوات للصراع.