Untitled-2
Untitled-2
المنوعات

الحاج مصطفى اللواتي يتحدث عن سيرته الذاتية تجارب طي الزمن

30 يناير 2017
30 يناير 2017

عبد الله العليان -

لا شك أن الحياة تجارب وخبرات، والخبرات والتجارب، هي بلا شك فيها الكثير من المعارف الكثيرة المتراكمة التي اختزلت في الذاكرة، ومن خلالها نستخلص الكثير العبر التي مرت بنا، وتتحول مع المحطات العديدة التي قضاها الشخص في فترات من الزمن. حيث يتم استجماعها،ويتم كتابة هذه السير والذكريات، لتعرف الأجيال خاصة الشباب الذين عاشوا في فترة ما قبل عام 1970، كيف كانت حياة من سبقهم في خوض التجارب والمعارف الحياتية؟ في حلها ومرها ؟ كيف عاش العمانيون تجارب حياتية مضيئة أحياناً وصعبة أحياناً أخرى في ذلك الوقت، في ظل ظروف ليست عادية التي كانت سائدة، قبل نهضة يوليو 1970، وكيف واجهوا التحديات التي مرت على بلادنا في منتصف القرن الماضي والعقود التي تليته، خاصة تحدي الغربة في العمل والدراسة،والجمع بينهما، والحاج مصطفى بن مختار اللواتي، من هؤلاء الذين مروا بتجربة حياتية مثيرة للاهتمام والتقدير، سجّلها كسيرة ذاتية خلال ما يقرب من ستين عاما، في كتاب صدر له مؤخرا حمل عنوان (تجاربي طي الزمن.. سيرة ذاتية مع أخبار الزمن)، صدر عن مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر بمسقط 2016.وقد استمتعت أيما استمتاع بقراءة هذا الإصدار الحديث، بما فيه من قضايا وأفكار ومواقف جديرة بالقراءة، من خلال ما سجّله الحاج مصطفي من تجربة حياة مليئة بالأحداث المختلفة، تجعلك لا تنفك عن متابعة قراءته بشغف ونهم، وهي فعلاً جديرة بالاهتمام خاصة من الشباب العماني، ومن غيرهم أيضاً، وأعده للنشر الكاتب خالد حريب،وقدّم له المكرم الكاتب/‏‏ حاتم بن حمد الطائي، رئيس تحرير جريدة الرؤية العمانية.. يقول الطائي في مقدمة هذا الكتاب «في أحضان سور اللواتية بولاية مطرح كانت النشأة ورونق التراث استلهمتْ الطفولة مِدَاد ينابيعها؛فنهلتْ من بُحور القيم ما ارتوتْ به، وانتشتْ بما نُقش على عقلها الغضَّ في الكتاتيب من تعاليم ديننا الحنيف، وعادات مَجَان الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ... حملته قدماه الصغيرتان- في سنٍّ مبكرة- إلى سوق مطرح للعمل؛ فكانت ((العصامية)) مِنْهاجا، والجدُّ والاجتهاد شريعة، فحلَّق طائره الصغير في عالم النجاحات؛ مُعتمدا على جناحي الإرادة والعمل؛ ليواصل بعدها مشوار الألف ميل تتويجًا لرحلة كادَّه تلفَّح فيها رداء العزيمة..إنها سيرة العصامي المصطفى بن مُختار اللواتي، ذو السبعين ربيعا الآن».

في الفصل الأول، يتحدث الحاج مصطفى عن بداية حياته، أو الصرخة الأولى، كما يسميها،بسور اللواتية بولاية مطرح التي كانت ولادته بها، ويقول:»تختزن ذاكرتي كثيراً من التفاصيل التي شكلت ملامح طفولتي ومهدت الطريق أمام حياتي، وترسّمت فيها تلك الصور التي جسدُتها شعراً في عدد من قصائدي». ويقول عن ألم البداية أنه ولد في بداية الأربعينات من القرن الماضي: «عرفت ذلك عندما شب عودي، وتعلمت القراءة والحساب البسيط وأنا بعد لم أبلغ العاشرة من عمري،وعن الإحساس بالمسؤولية»، يقول الحاج مصطفى بن مختار اللواتي في كتابه:لم تكن طفولتي طفولة عادية أقضيها في اللعب وما إليه فحسب، بل إنّ أمي كانت هادئة الطبع، طيبة النفس، فيها من روح الإيثار الشيء الكثير تجد سعادتها في مساعدة الناس، فربّتني على ذات الروح لخدمة العائلة والناس.. وعلمتني كذلك الإحساس بالمسؤولية عند إنجاز أي عمل حتّى أكمله، ثم عندما كبرتُ علمت ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم الناس حيث جاء في الحديث الشريف عُلمناه((رحم الله امرأ عمل عملاً فأتقنه)). ويسرد بعد ذلك تفاصيل الحياة في هذه سن اليافعة،والدراسة بها،والحياة كما كانت في تلك الفترة التي كانت الحياة بسيطة وسهلة، لكنها كانت فيها بعض السعادة وبعض الشقاء، كما تكون حياة الطفولة التي يستمتع بها الأطفال أكثر،لأن المتاعب والمصاعب يدركها الكبار. وفي الفصل الثاني يتحدث الحاج مصطفى عن ( مدرسة السوق)، كما عاشها في ولاية مطرح،وكيف أنه عاون أخوه المرحوم الحاج علي بن مختار،في تجارته، وهو الذي كان له بمثابة الأب، بعد وفاة والده الحاج مختار بن علي اللواتي، والتي سماها (جدية الصبا)،فيقول « فقد كنت طالباً وبائعاً صغيراً أبيع الحلويات،كما عملت أيضاً في بيع الأدوات المكتبية ثم صرت مغلفاً للكتب». في الفصل الثالث يتحدث الحاج مصطفى عن الطموح الذي شغله في مرحلة الشباب ويسميها (فاصل بين مرحلتين)،وهو الرغبة في السفر وتحقيق ذاته ومواصلة المشوار هذا الطموح في الخارج،بعد سماعه عن بعض العمانيين الذين وجدوا طموحاتهم في بعض دول الخليج، فكّلم شقيقه الأكبر علي بن مختار بهذه الرغبة، فاستعان ببعض الأقرباء لإقناع أخيه بالموافقة على السفر، فتحققت له الرغبة بعد ذلك وحصلت الموافقة من أخيه ووالدته (رحمهما الله تعالى)، وسافر مع بعض المسافرين العمانيين إلى دبي برحلة بحرية، ثم استقر به المقام في دولة الكويت، ثم لقائه ببعض أصدقائه العمانيين هناك، وأحس بالارتياح مع وجودهم في هذه الدولة.وفي الفصل الرابع الذي حمل عنوان ( الكويت.. تعليم وعمل)، يسرد الحاج مصطفى في هذا الفصل تفاصيل حياة العمل والدراسة،والجمع بينهما حيث وجد الفرصة عمل في أحد البنوك بالكويت،واتجه للدراسة أيضاً التي كانت من اهتماماته الكبيرة في هجرته من عُمان في الخمسينات من القرن الماضي،ويسرد الكثير من المواقف الجريئة والطموحة، وبالإرادة القوية لتحقيق هدفه،ولم يكن العماني المهاجر كما يقول «مفتقداً للكفاءة فقد أثبت وجوده ورجاحة فكره وانطلقت مواهبه عندما أتيحت له الفرصة والمناخ الملائم للنجاح كل في مجاله، فهناك عشرات الأسماء العمانية المضيئة تركت بصمات واضحة على واقعها الجديد الذي عاشت فيه أثناء الهجرة». وفي الفصل الخامس يروي عشرات المواقف والطرائف التي عاشها في غربته عن وطنه عُمان في ذلك الوقت،والتي تبرز حياة الشباب وروح المتعة والاكتشاف، والتخفيف من بعض معاناة الاغتراب، وفيها الكثير من المواقف الرائعة التي سجلها الكاتب في كتابه. وفي الفصل السادس،(بعض من.. تجارب صعبة وأخرى ظريفة)، يسرد الحاج مصطفى، محطات ومواقف عاشها أثناء غربته،استحقت التسجيل منه، لما لها من جوانب تجمع بين مصاعب،وجوانب أخرى ظريفة،وهكذا هي الحياة ،فأحياناً تحصل مواقف لم تخطر على بال،ويتوقع الآخرون رؤى مختلفة عن الحقيقة،ويقول « لا تخلو أي رحلة من عشرات المواقف الصعبة تتحول بعد ردح من الزمن إلى تذكرة وعبرة..كما لا تخلو رحلة من عشرات المواقف الطريفة والتي بعد حدوثها بسنوات تتحول إلى بسماتٍ بها من المعاني المختلفة التي لا تخلو من الدروس الشيقة. ورحلة سفري وغربتي عن وطني الحبيب امتدت إلى ما يقرب من ستة عشر عاماً شاهدت فيها عدداً من العواصم والشوارع والبشر.. عشت من الظروف تناقضاتها..ذقت فيها الحلو على طرف لساني كما تجرعّت مرارات هي الآن كلها عِظات وذكريات أهشُّ وأبشُّ لها كلما مرت على ذهني تلك الصفحات». وفي الفصل السابع من الكتاب ( بين أحضان الوطن)، يتحدث الكاتب مصطفى بن مختار اللواتي،عن رحلة العودة إلى عُمان، بعد غربة استمرت كما قال ستة عشر عاماً فيقول:» كان قراري بالعودة إلى أحضان الوطن من أسهل القرارات التي اتخذتها في حياتي، كنت اقترب شيئاً فشيئاً إلى العقد الرابع من عمري، واحتاج إلى سباق جديد مع الزمن في بلادي؛أحمل بين ضلوعي شوقاً جامحاً لتراب الوطن وللأهل.. حنيناً غامضاً يشدني نحو ساحل مطرح وإلى الوديان وإلى الوجوه الصادقة التي بدأتُ معها رحلة العمر في سوق مطرح وداخل سور اللواتية، وكنت على فراشي ذات ليلة وقلبي بل وكُّليتي متجهة إلى عُمان الحبيبة ودموعي تنساب من عينيّ إلى خدي وإذا لساني ينطلق بأبياتٍ مطلعها:

ذكــــــــرت عُمان ووديانها

فقُمت أناجي ودمعي انهمر.

حماك الإله طوال الدهور

فأنت بلادي وأنت المقر.

هكذا حسمت أمري ـ كما قال ـ بالعودة إلى الوطن ووصلت بالفعل إلى مسقط في أغسطس 1974م كعودة نهائية ولا غربة بعد اليوم صافحت الأزقة والسّكك في أشكال الشوارع والوجوه التي تحمل التفاؤل والأمل». وفي الفصل الثامن من الكتاب (كنت مديراً لمكتب الوزير)، يسرد الحاج مصطفى، قصة عمله بوزارة الزراعة والأسماك والنفط والمعادن بعد عودته من الغربة، وقصة التعيين في هذا المسمى، وهي بداية الحياة الوظيفية الحكومية في السلطنة بعد العودة، وبعد انقسام الوزارة إلى وزارتين،وزارة الزراعة والأسماك،ووزارة النفط والمعادن،ويروي قصة انتقاله إلى وزارة الكهرباء والمياه،وما تم بعد النقل واستقراره في هذه الوزارة.في الفصل التاسع (الماء أساس الحياة.. أحسن الوظائف وأصعبها) يتحدث الحاج مصطفى، عن وظيفته بعد انتقاله لوزارة الكهرباء والمياه، وتعيينه مدير دائرة (مياه المدن والقرى) ومهامها الصعبة في ذلك الوقت، ثم تعيينه بعد 23 عاماُ،مديراً عاماً للشؤون الإدارية والمالية فيقول» جئت إلى موقع وظيفي كمدير مياه المدن والقرى بناء على قرار من معالي وزير الكهرباء والمياه المرحوم حمود بن عبد الله الحارثي، وبقدر صعوبة المهمة لارتباطها بالحركة الشاقة على امتداد السلطنة إلا أّنها كانت ممتعة بالنسبة لي فليس هناك أجمل من أن ترى حصاد عملك وقد تبلور في راحة أبناء وطنك بتوصيل مياه الشرب النقية لهم؛لينعموا بصحة جيدة

وفي الفصل العاشر والأخير (التجارة وما إدراكها!)، يتحدث الكاتب عن مرحلة اشتغاله بالتجارة، وقصة الكفاح في العمل الحر التي تلت تقاعده من العمل الحكومي، الذي بدأه مبكراً وانتهاء إليه، ويتذكر تشجيع الحكومة للمواطنين، بالانخراط في إقامة صناعات وطنية، تشجعهم من خلال مساندة الدولة ، وسمى آنذاك بعام الصناعة، ومنها قصة إقامة «مصنع الكابلات العمانية» مع بعض الشركاء، وتحقق هذا الهدف، وأن كان على حساب مؤسسته السابقة كما قال ( مشاريع الصالح)، فيقول» فتحت الحكومة باب الصناعات على مصراعيه لتشجيع وتوجيه مواطنيها نحو إقامة قاعدة وطنية للصناعة،فهيأت برامج يحصل عليها الطالب بموجبها على قروض ميسرة وفق قوانين معينة،وكنا بحاجة إلى تدبير نصف المبلغ الذي نود إقامة الصناعة به وهو مائتان وخمسون ريالا وهذا المبلغ كان فوق ما نتصوره آنذاك 1980.وفي النهاية كما يضيف الكاتب»أسسنا الشركة وأوقفناها على قوائمها بإذن الله على حساب مؤسستي الخاصة هي مشاريع الصالح». وهكذا نجحت الشركة نجاحاً باهراً، وأصبحت تنتج ليس في عُمان وحدها، بل أصبحت، كما قال، تصدر إلى أوروبا وجنوب شرق آسيا..لقد كانت تجربة حياتية استحقت التسجيل، وهي حياة الكفاح والحفر في الأرض، لتحقيق الذات، من خلال الارادة القوية والرغبة في النجاح، وهذا ما حققه الحاج مصطفى بن مختار اللواتي.