abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ: نأكل ما لا نزرع

29 يناير 2017
29 يناير 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

أتساءل كثيرا كيف وصلت أرقام الأيدي العاملة الوافدة في هذه البلاد إلى أرقام قاربت أعداد السكان الأصلية وستفوقها عددًا خلال السنوات القليلة القادمة فنحن لا نعد أو نصنف من الدول الصناعية التي هي بحاجة إلى عمالة لتسيير مصانعها، ولا نصنف أيضا بأننا من الدول التجارية التي هي بحاجة إلى تسيير تجارتها عن طريق استقدام الأيدي العاملة إضافية، ولسنا من الدول الزراعية التي يعتمد اقتصادها على ما يزرع في أرضها ويستهلك داخل أو خارج أرضها فنحن لا زلنا وكما قال جبران خليل جبران بأننا «نلبس مما لا ننسج، ونأكل مما لا نزرع، ونشرب مما لا نعصر» وإذا كنا كذلك فيبقى السؤال أين تتركز هذه الأيدي العاملة، وماذا تفعل وما الذي نقوم به نحن وما الذي تقوم به هذه الأيدي العاملة التي استوردناها؟.

إحصاءات رسمية حاولت إيجاد إجابات لتلك التساؤلات موضحة أن معظم هذه الأيدي العاملة هي من الأيدي العاملة غير الماهرة التي لا تحمل مؤهلات دراسية عالية أي أن مؤهلاتها الدراسة لا تتجاوز الإعدادية العامة وبعضها ليس لديه حتى إلمام بالقراءة والكتابة في حين أن الأيدي العاملة الماهرة لا تتجاوز نسبتها العشرة في المائة من مجمل الأيدي العاملة الوافدة، وهذا ما يعطي مؤشرا على إمكانية الاستغناء عن كثير من هذه الأعداد التي لن نتضرر كثيرا إن لم تكن موجودة بل على العكس من ذلك سوف نجني الكثير في حال قللنا من تكدسها.ما هي هذه الفئة من القوى العاملة التي تمثل أكثرية في هذا البلد والتي نوهم أنفسنا أننا لا نستطيع أن نحيا بدونها أو أدمنا على خدماتها اليومية وهي ذات القوى العاملة التي تقوم بتحويل ملايين الريالات يوميا الى بلدانها من دون أن تبقي ولا حتى الشيء القليل هنا لاستثماره أو إنفاقه؟ إنها فئة القوى العاملة التي نلجأ إليها كل يوم في البيت والمتجر والمقهى والمطعم والمزرعة وفي محل الحلاقة وفي صالونات التجميل والتزيين وفي الخياطة والتطريز وفي الغسيل والتنظيف وفي كل دقيقة من دقائق يومنا الذي نبدأه بالاستعانة بخدماتهم وننهيه بالاستجارة بهم.

هم منتشرون ويطوقوننا من كل مكان لأننا بتنا رهينة لخدماتهم الزهيدة التي يقدمونها لنا، نحن لا نشرب إلا من أيديهم ولا نأكل إلا ما يطبخوه لنا ولا نزرع إلا ما يحصدوه لنا ولا نلبس إلا ما يغسلوه لنا ولا نسكن إلا ما يبنوه لنا ولا ننتعل إلا ما يفصلوه لنا، بتنا لا نستطيع أن نحلق ذقوننا إلا بالاستعانة بهم ولا نغسل سياراتنا إلا إن هم غسلوها لنا ولا نأكل أو نطبخ إلا ما اشتهوه هم لنا ولا ننظف بيوتنا وشوارعنا وأزقتنا إلا إن هم نظفوها لنا ولا نشرب ماء إلا إن هم احضروه لنا ولا نصلح ما خرب إلا إن هم قاموا بإصلاحه لنا.

بتنا مدمنين على خدماتهم التي نتوقع أن الحياة لا يمكن لها أن تستمر إلا ببقائهم ونتساءل في نهاية اليوم عن سر ارتفاع أعدادهم وعن ملايينهم التي يصدرونها من جيوبنا وعن تكدس أبنائنا للبحث عن عمل مناسب لشهادته العليا التي أفنى عمره في سبيل الحصول عليها، وعن صحتنا التي تدهورت بسبب الكسل وعدم الاعتماد على الذات ونلجأ حتى في هذه الحالة إلى الوافد ليخلصنا من سمنتنا ومن أوجاعنا وأمراضنا، ونسينا أو تناسينا عمدا أن السبب في ذلك كله يرجع إلينا وأنه حق علينا أن نلوم أنفسنا بدلا من أن نلوم الآخر على ذلك.

أكتب هذا الكلام وأنا أول من يناقضه، فأنا لا أطيق صبرا على خدمات هذه الأيدي العاملة التي يهيأ لي أنها زهيدة الثمن، أكتب بسهولة ولكنني لا أستطيع الإقلاع عنه بذات السهولة فقد وصلت إلى حد الإدمان والاعتماد الكلي على خدمات هذه الفئة التي تتعاظم أعدادها يوما بعد يوم، إنني أكتب لأقنع نفسي أنني سوف أبدأ اليوم في مقاطعة بعضا من هذه الخدمات، سوف لن أشرب شاي الكرك وآكل خبز الرخال العماني من المقهى المجاور لبيتي، سوف أغسل دشداشتي بنفسي، ولن أبعثها إلى عامل المغسلة في حارتنا، سوف أطبخ غداء أو عشاء في البيت، ولن أذهب إلى المطعم أو المقهى الملاصق لمسجدنا، سوف أغسل سيارتي بنفسي وأحلق بنفسي وأكوي بنفسي وأزرع حديقتي ومزرعتي بنفسي وأنظف بيتي بنفسي، سوف أقوم بكل ذلك كله اليوم ولن احتاج بعد اليوم إلى خدمات ذلك الوافد الذي هجر وطنه ليستوطن وطني ولكن يبقى السؤال هل أستطيع أن أبدأ؟