أفكار وآراء

ترجمات : انتصار في سوريا الجديدة .. وأوضاع صعبة !!

29 يناير 2017
29 يناير 2017

ديفيد ليش وجيمس جيلفن -

نيويورك تايمز -

والآن بعد أن أكملت القوى المؤيدة للحكومة السورية سيطرتها على حلب وتفاوضت روسيا وتركيا وإيران حول وقف هش لإطلاق النار يمكن القول إن استمرار الرئيس بشار الأسد والحكم الذي يشرف عليه في سوريا بشكل أو بآخر سيكون أكثر من مرجح. وفي مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية نشرت هذا الشهر، صرح الأسد أن حلب «نقطة تحول في مسار الحرب» وأن الحكومة «في طريقها إلى النصر.» ولكن إذا كان ذلك كذلك فما الذي سيفوز به الأسد في الواقع؟ دعونا نلقي نظرة على الأرقام (التي هي مجرد تقديرات ولكن مرشحة للزيادة مع استمرار مصفوفة الحروب في سوريا.) أولا، يعيش أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر ما يعني أنهم لا يستطيعون تأمين كل الاحتياجات الأساسية، بحسب تقرير صادر في عام 2016. ويرجح ارتفاع هذه النسبة منذ تاريخ إعداد التقرير المذكور. ثانيًا، يقترب معدل انعدام التوظيف من 58%. هذا إلى جانب أن أعدادًا كبيرة ممن يشغلون «وظائف» يعملون في الواقع كمهرِّبين أو محاربين أو في مهنة أخرى من مهن اقتصاد الحرب. ثالثا، انخفض معدل متوسط العمر بحوالي 20 عامًا منذ بداية الانتفاضة في عام 2011. رابعا، حوالي نصف الأطفال لم يعودوا يذهبون إلى المدرسة. خامسا، تحولت سوريا إلى «كارثة صحية عامة». فالأمراض التي كانت سابقا تحت السيطرة مثل: التيفوئيد والسل والتهاب الكبد (أ) والكوليرا صارت أكثر انتشارًا. وعاد مجددًا شلل الأطفال بعد استئصاله إلى سوريا، ربما بواسطة المحاربين الذين قدموا من أفغانستان وباكستان. سادسا، مات ما يصل إلى نصف مليون شخص بسبب الحرب وفقد عدد غير معلوم من السوريين أرواحهم نتيجة للحرب بطريقة غير مباشرة (دفعوا حياتهم ثمنًا لتدمير المشافي واستهداف مقدمي الرعاية الصحية واستخدام التجويع كسلاح في الحرب). وإذا أضفنا إلى هذا العدد أكثر من مليونين من الجرحى فإن حوالي 11.5% من سكان سوريا قبل الحرب صاروا خسائر بشرية. كما أن ما يقرب من نصف سكان سوريا إما نازحون في الداخل أو مهاجرون في الخارج. ووجد مسح أجرته في عام 2015 وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن اللاجئين السوريين في اليونان أن عددًا كبيرًا من البالغين (86%) حاصلون على تعليم ثانوي أو جامعي. ومعظمهم كانوا تحت سن 35 عامًا. إذا صح ذلك، فهو يشير إلى أن سوريا تفقد نفس أولئك السوريين الذين ستكون بحاجة ماسة إليهم إذا كان هنالك أي أمل في إعادة البناء في المستقبل. سابعا، ستكون أرقام تكلفة إعادة البناء فلكية. إذ تقدر دراسة أجريت في مارس 2016 إجمالي الخسارة الاقتصادية الناتجة عن الحرب بحوالي 275 بليون دولار. فالصناعات حول البلد تم الإجهاز عليها. يضاف إلى ذلك تكلفة الإصلاحات المطلوبة للبنى الأساسية والتي يقدرها صندوق النقد الدولي بحوالي 180 - 200 بليون دولار. كما سيتطلب دفع نفقات إعادة البناء إبداء المجتمع الدولي «نوعا» من الكرم لم يعرف عنه وليس من شيمته. ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن البلدان الأخرى سترغب في مكافأة الأسد. كما أن حليفتيه روسيا وإيران لهما متاعبهما الاقتصادية الخاصة بهما ومن المستبعد أن تساعداه كثيرًا. لقد صار لزاما على الحكم السوري الاعتماد بدرجة غير قليلة على القوات الروسية والإيرانية وميليشيا حزب الله. في الواقع أن الجيش العربي السوري أضعفه الانتشار الجغرافي الواسع والاستنزاف إلى حد أنه في ديسمبر الماضي فقد معظم مدينة تدمر (مرة أخرى) لصالح داعش في أثناء نقل القوات المؤيدة للحكومة إلى الشمال. وعلى الرغم من أن الأسد لا يزال محافظًا على بعض الاستقلال إلا أن موسكو وطهران سيكون لهما نفوذ، في تقرير المسار الذي ستمضي فيه دمشق. فالأسد لا يلزمه فقط أن ينصت بل ربما عليه الصمود في وجه ضغوط هؤلاء وحثهم له على التخلي عن الحكم عند انتهاء فترته الرئاسية في عام 2021. وأخيرًا، إن المعركة في الحقيقة أبعد من أن تنتهي. فلا الأسد ولا المعارضة الذين يقاتلهم حققوا أهدافهم. لم يعد بمقدور المعارضة إسقاط الحكم. ولكن من المؤكد أن تمردا نشطا من جانب عناصر المعارضة المسلحة سيتواصل بدعم من رعاة إقليميين لا يريدون انتصارًا كاملاً لمنافسيهم في المنطقة. إن التمردات بطبيعتها في حاجة إلى دعم خارجي أقل كثيرًا مما تحتاجه قوات المعارضة التي تحاول الاحتفاظ بأراض وإدارتها. وحينها سيرى الأسد ما أسماه مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي «صوملة» سوريا على حد قوله، فهو سيشرف على حكومة، تبسط سيادتها على كامل البلد ولكنها لا تحكمه بشكل قوي . بل إن قوات عديدة، تشمل الجيش الحكومي ومليشيات المعارضة والأكراد وجيوب داعشية، ستسيطر على أجزاء من سوريا. والسؤال هو: كيف سيحكم الأسد ما تبقى من دولة سوريا؟ لقد تفتّتت شبكات المؤيدين التي كانت موجودة قبل الحرب وحل محلها لوردات حرب شبه مستقلين وكذلك مليشيات وهيئات حاكمة محليًا. هذه هي الحال حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة حيث تتوقع جماعات النظام التي ظلت موالية له الحصول على مكافآت. فقد ظل السوريون لأعوام وإلى حد كبير يتدبرون معاشهم وبقاءهم وإدارة شؤونهم بأنفسهم، وفي استقلال عن الحكومة مما أكسبهم تمكينا. وسيكون من الصعب الاعتقاد أنه يمكن العودة إلى أي شيء يقرب من الوضع السابق للحرب. قد يكون للحكومة السورية ممثل لدى الأمم المتحدة وسفارات في بعض البلدان وسلطة ختم جوازات السفر وطبع العملة ولكنه حدث تحجيم شديد لسيطرة الرئيس ولنفوذه سواء أدرك أنصاره ذلك أم لم يدركوه. وسيكون لزاما عليه الاعتماد على مساعدات ضخمة من الخارج إذ رغب في استعادة ولو جزء من سوريا «التي كانت». ولكن سوريا الآن «جديدة.» ولذا فان عليه إعادة تشكيل نظامه السياسي كي يلائم الواقع الجديد وليس العكس.

• الكاتبان: ديفيد ليش أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ترينيتي في سان أنطونيو ومؤلف كتاب عن سوريا. وجيمس جيلفن أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس ومؤلف كتاب «الشرق الأوسط الجديد: ما الذي يلزم أن يعرفه كل أحد.»