abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش ومتون: بشائر عام الديك

28 يناير 2017
28 يناير 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

بعد مرور حوالي أربعة أسابيع على بدء عام 2017م، احتفل الصينيون قبل يومين بحلول عام جديد، حسب تقويمهم، وهذا العام يحمل اسم عام الديك، والمعروف أن التقويم الصيني يقسّم الشهور إلى 12 قسما، يحمل كل قسم منها اسم حيوان. والقسم الواحد يستمر لمدة عام كامل، وعام الديك،هو القسم العاشر في الأبراج الصينية، في التقويم الذي يستند على دورتي الشمس، والقمر، لذا، فهو غير ثابت، والغريب أنّه غير معتمد في أيّ مكان، حتّى الصين تركته مع دخول التقويم الميلادي عام 1582 م، ليصبح عام 1912 م تقويما رئيسيا في البلاد، لكنّها تحتفل به اليوم كنوع من الاعتزاز بالتراث.

واسم الحيوان ليس مجرّد تسمية عابرة، بل الأمر يتجاوز ذلك كثيرا، فالعام يحمل بعض صفات الحيوان الذي يتسمّى به، حسب معتقدات الصينيين، فالذين يولدون هذا العام، على سبيل المثال، يحملون صفات الديك، وبناء على هذا المعتقد فهم يتّصفون بالغرور!!

وقد اعتاد العرّافون أن يدلوا بدلوهم، ويعرضوا نبوءاتهم لكلّ عام جديد، رجما بالغيب، انطلاقا من فلسفة تقوم على أن الوقائع،والأحداث هي نتاج تفاعل عناصر الكون، كما تنص فلسفة «فنغ شوي» الصينية، والعناصر خمسة هي: المعدن، والخشب، والماء، والنار، والتراب، وتبعا لهذه لفلسفة، فإنّ العام يحمل صفات الديك، والصفات المعروفة عنه: الصياح، والثرثرة، وإظهار الذات من خلال كثرة جلوسه على الأسيجة، والميل إلى الصراع، وهذا ما تؤكده لعبة صراع الديكة التي تستهوي الكثيرين رغم قسوتها التي تجعلها محظورة في معظم البلدان، وبناء على الصفات المذكورة، فإن عام الديك، كما يرى العرّافون ينطوي على الكثير من المفاجآت، والمتغيرات، والاضطرابات، والمباغتات.

لكنّنا لو نظرنا للديك من زاوية ثانية، لرأينا أن العرّافين الصينيين قد أغمطوه حقّه، وبالغوا في المخاوف من سنته، فالديك، في الكثير من الثقافات، رمز من رموز الشجاعة، والإقدام، وفي بلاد الغال هو رمز ديني، ( وبلاد الغال تضم المناطق التي تشمل الآن فرنسا وبلجيكا،والجزء الألماني الواقع غرب نهر الراين)، لذا اتّخذه الفرنسيّون رمزا لمنتخبهم الوطني لكرة القدم الذي يطلق عليه اسم «منتخب الديوك»، وكما تؤكد المصادر أنّ جذور هذه التسمية تعود إلى عصور ما قبل الميلاد، ومن ثم استخدم للسخرية من الفرنسيّين، لأن كلمة (جالوس) التي تعني سكان الغال تنطق بمعنى(الديوك) لكنّ الفرنسيين اعتبروه رمزا للعناد، ورفض الهزيمة، فارتبطوا به، وفي عصر النهضة التصق أكثر بالثقافة الفرنسية، واعتبرته الكنيسة رمزا دينيّا يتعلّق بعودة المسيح حاملا اشراقة جديدة للعالم، واليوم أصبح تعويذة فرنسية للنصر.

والديك رمز لجرأة قد تكون عاقبتها وخيمة، كما نرى في نص الشاعر نزار قباني (الديك) الذي يقول في مقطعه الأخير:

حين يمر الديك بسوق القرية

مزهوا منفوش الريش

وعلى كتفيه تضيء نياشين التحرير

يصرخ كل دجاج القرية في اعجاب

هل تحتاج الى تدليك؟

حين الحاكم سمع القصة

أصدر أمرا للسياف

بذبح الديك

قال بصوت غاضب:

كيف تجرّأ ديك من أولاد الحارة

أن ينتزع السلطة مني

كيف تجرأ هذا الديك

وأنا الواحد دون شريك

أمّا في ثقافتنا، فالديك يرتبط بالخلاص، والثورة على الطغيان، وفي أحد الأفلام العربيّة القديمة يظهر الممثل عبدالله غيث منتقدا الواقع البائس الذي تعيشه قرية في صعيد مصر، مردّدا جملة صارت من الجمل الشهيرة في السينما العربية هي (آه يا بلد فراخ مفيش فيكي ديك واحد) وصياح الديك بشارة انبلاج فجر جديد، يعطي الأمل، بتبديد الظلام، وتجاوز المشاكل، ومعالجة الصعاب، وتأسيسا على هذه الجرعة الطيّبة من التفاؤل، نأمل أن يكون عام الديك عام خير، يحمل على جناحيه البشائر، ويحلّ الأزمات التي عصفت بالمنطقة بعد العام السابق الذي هو عام القرد، حسب التقويم الصيني طبعا، مع الارتفاع الطفيف لأسعار النفط، وعودة الانتعاش للأسواق، تبعا لهذا الارتفاع، وكذلك اندحار الإرهاب، مع قرب طي صفحته في العراق، بعد القضاء على (داعش) في الموصل، أما سوريا، واليمن،فهناك الكثير من المساعي الإيجابية لعودة الاستقرار إليهما.

وهذه تجعلنا ننظر بعين التفاؤل لعام (الديك) فلنتمتع بهذه البشائر، ولنترك للأيام ما تحمله لنا السنة المقبلة التي هي،حسب التقويم الصيني، سنة الكلب !!