أفكار وآراء

آمال كبيرة تصطدم بالواقع..

28 يناير 2017
28 يناير 2017

جمال إمام -

كما في الحب ليس في السياسة جواب نهائي ..

لذلك من الصعب أن نطلق أحكاما مؤكدة على ملفات وقضايا شائكة مثل القضية الفلسطينية تتراجع أحيانا عن الاهتمامات الدولية ثم تجدها في لحظة تتصدر المشهد وبالتالي عندما نتحدث عن مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط من المستحيل أن تخرج بتحليل واحد تتفق عليه الآراء ..

لكن ماذا لو وسعنا زاوية الرؤية وبدلا من السؤال عن المؤتمر وهل سيطويه النسيان كغيره من الجهود الكثيرة التي اهتمت بالملف ثم ابتلعها البحر .. !!

ونطرح سؤالا عن القضية الفلسطينية وحلم الدولة المستقلة هل تفقد توهجها حتى وإن توارت قليلا ..

الواقع أن الحضور الطاغي لأكثر من سبعين دولة ومنظمة حقوقية شاركت في مؤتمر باريس تعطينا إجابة شافية على أن القضية الفلسطينية مازالت حية في الضمير الإنساني مهما كان حجم التعنت الإسرائيلي ..

لكن ما الذي ينبغي علينا الاهتمام به إزاء ما أثاره هذا الاهتمام بعد أن ركنت إسرائيل إلى الاعتقاد بأنها نجحت في وأد الحلم الفلسطيني بعد أن جمدت المفاوضات طيلة الفترة الماضية ؟

في النقطة الأولى ..

• في توازن القوى السياسية ..

لا شك أن من أبرز ما أثاره المؤتمر الذي حرك مياها كثيرة راكدة في هذا الملف أنه أعاد التوازن إلى القوى السياسية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فبعد استقرار إسرائيل لسنوات على تأصيل فكرة المفاوضات الثنائية كأسلوب لإدارة الحل النهائي وما تخلله ذلك من محطات استهدفت بلغة كرة القدم ( تمويت ) المفاوضات بدأتها بالتظاهر بالموافقة على مبدأ الأرض مقابل السلام لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ..

تغير تكتيك إدارة الأزمة لاستبدال الأرض مقابل السلام لشعار جديد وطرح مختلف يتمثل في مبدأ ومفهوم السلام مقابل السلام ..

ثم تتخلى إسرائيل تماما عن مفهوم المفاوضات العربية الإسرائيلية برفض مبادرة السلام العربية التي تتحدث عن ترتيبات عربية لتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية كحزمة من المحفزات التي تشجع إسرائيل على غلق الملف وإنهاء الصراع بالاعتراف المتبادل وإقامة الدولة الفلسطينية ..

لتدخل إسرائيل بعدها في مفاوضات ثنائية مع الجانب الفلسطيني الذي اعتقد أنه سيختصر الطريق إلى الدولة المستقلة فإذا به يصطدم بالعراقيل الإسرائيلية والتعنت في المفاوضات ليصل الأمر إلى مرحلة جديدة من الشروط المسبقة لإتمام المفاوضات وهي مرحلة دفع الفلسطينيين للاعتراف بهوية الدولة الدينية اليهودية من أجل استئناف المفاوضات وليس إتمامها ..

وعلى مدى هذه المحطات المختلفة التي استمرت لستة أعوام كانت إسرائيل تقضم الأرض الفلسطينية دونما وراء دونم ..

وعندما خيل لها أن الأمر بات مستقرا كانت هناك ثلاث خطوات مهمة استفاقت معها إسرائيل إلى حقيقة أن الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه وأن ميزان القوى السياسي يأخذ في الميل إلى الجانب الفلسطيني ..

الخطوة الأولى ..

تتمثل في الانفتاح الفلسطيني على مؤسسات المجتمع الدولي السياسية والقانونية وخاصة المحكمة الجنائية الدولية ..

وذلك بعد فشل محاولة لجوء الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي لتمرير مشروع قرار دولي يضع جدولا زمنيا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي عام 1967 حيث سعت السلطة الوطنية لتفعيل آليتين من آليات الإقرار باختصاص المحكمة الجنائية الدولية ..

وانضمت بذلك إلى اتفاقية روما الخاصة بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية ودخلت الاتفاقية حيز التطبيق بالنسبة لفلسطين في الأول من إبريل 2016 وبهذا يعتبر انضمامها من أهم الخطوات لضمان المساءلة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ..

وفي الوقت نفسه تأمين الحماية للمدنيين الفلسطينيين والجرائم المتكررة التي ترتكب ضدهم، ونتيجة لذلك أعلنت المحكمة الجنائية منتصف يناير 2016 فتح بحث أولي في جرائم حرب قد تكون إسرائيل ارتكبتها ضد الفلسطينيين ..

الخطوة الثانية ..

جاءت عبر القرار الدولي رقم 2334 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بتأييد 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت الذي كرر مطالبة إسرائيل بأن توقف فورا وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وهو القرار الذي أثار سخط إسرائيل ووجه ضربة قاصمة لسياسة الأمر الواقع ..

الخطوة الثالثة ..

شكلها مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط الذي شدد على أن حل الدولتين هو المخرج من مأزق السلام ..

وهذه الخطوة الأخيرة هي التي أصابت إسرائيل في مقتل وكشفت حجم الصدمة عند نتانياهو الذي رفض المبادرة الفرنسية قبل انعقاد المؤتمر تماما واقترح تنظيم لقاء ثلاثي يجمعه في باريس مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والرئيس الفلسطيني محمود عباس ولكن بشرط عدول فرنسا عن عقد المؤتمر الدولي الأمر الذي رفضه الطرف الفرنسي ..

لماذا لأن المؤتمر نسف فكرة المفاوضات الثنائية دون سقف نهائي للمفاوضات بمعنى أنه رفض أن تستمر إلى ما لا نهاية وهو الخط الذي تسير عليه المفاوضات الثنائية حتى الآن ..

في النقطة الثانية ..

• الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية ..

ربما يكون ذلك هو أشد ما يقلق الحكومة الإسرائيلية التي تواجه ضغوطا خارجية وداخلية والأخيرة تحديدا هي التي يمكن أن تفصم عرى الائتلاف الذي يقوده نتانياهو ويعول فيه كثيرا على دعم الأحزاب الدينية المتطرفة وعلى الأحزاب اليمينية الصغيرة الذين يراهنون معا ( كل أحزاب الائتلاف ) على ضرورة استمرار سياسة الاستيطان خاصة وأن مشروع استكمال تهويد القدس بما يسمى القدس الكبرى ( التي تنسف فكرة القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية ) سيكتمل في 2020 ..

وبالتالي يمكن أن نفهم في هذا السياق هجوم نتانياهو على المؤتمر ووصفه له بأن عالم الأمس يلفظ أنفاسه الأخيرة وعالم الغد وشيك للغاية وسيكون مغايرا ، في إشارة إلى رهانه على السياسة الأمريكية الجديدة التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب ، الذي أعلن عن خطط لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ..

ويمكن أن نفهم أيضا المخاوف الإسرائيلية في أن يكون البديل عن سقف المفاوضات الثنائية اعترافا دوليا جماعيا بالدولة الفلسطينية بما يسبب حرجا كبيرا لإسرائيل التي ستدفع في النهاية ثمنا باهظا على غرار إدانة مجلس الأمن رسميا لسياستها في بناء المستوطنات ..

وبالتالي فإنه لا معنى إطلاقا لتعليق نتانياهو على مؤتمر باريس بأنه يقوض الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام لأنه إذا كان الأمر كذلك ( وهو غير صحيح ) أليس من الأجدى أن يعيد إطلاق المفاوضات المجمدة مع الفلسطينيين منذ سنوات ..

في النقطة الأخيرة ..

• تأكيد العودة للتدويل ..

هذه ربما أهم ما جاء في بنود البيان الختامي لمؤتمر باريس الذي قادته فرنسا بنجاح رغم التزامها التاريخي بدعم أمن إسرائيل إلا أن هناك توافقا بين الأمن الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية والذي يلوح في الأفق داخل الاتحاد الأوروبي عموما والذي يتبني خيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار ما حدث في الصيف الماضي من خلال موجة اعتراف أوروبي ودولي بالدولة الفلسطينية ..

ورغم الانتقادات الواسعة التي كالتها الحكومة الإسرائيلية لباريس في محاولة لعرقلة انعقاد المؤتمر من خلال اتهام مباشر من نتانياهو للحكومة الفرنسية بأنها تعمل على إملاء شروط على إسرائيل لا تتماشى مع احتياجاتها الوطنية على حد تعبير نتانياهو ..

والمقصود هنا النص صراحة على تأكيد أن حدود 1967 تشكل الأساس لهذا لحل الدولتين ومطالبة ( الفلسطينيين ) والإسرائيليين بعدم اتخاذ أي خطوات أحادية الجانب بخصوص القضايا الكبرى العالقة، وبينها القدس واللاجئين والإشارة الأهم فيما يخص سياسة الاستيطان حيث أكد المؤتمر ترحيبه بالقرار الدولي بوقف بناء المستوطنات بشكل نهائي ..

قيمة هذا التأكيد أنه جاء في حضور اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم وأنه أكد مجددا أن حل جميع قضايا الحل النهائي يجب أن يقوم على أساس قرارات مجلس الأمن وأن أي خطوات أحادية ( المستوطنات ) لن يتم الاعتراف بها وهو ما يعني في المجمل ترسيخ مرجعية القرارين 338 و242 الدوليين من جديد ..

النقطة الأخرى التي لا تقل أهمية في مسألة التدويل أن المؤتمر أعاد إطلاق الرعاية الإقليمية العربية من خلال الترحيب بالمبادرة العربية ضمن الترحيب بكافة الجهود الدولية الداعمة لحل الدولتين وهو ما يعني التأكيد مجددا على حل الصراع العربي الإسرائيلي وفق مبدأ الأرض مقابل السلام ..

بقي فقط أن نشير إلى أن هذه الآمال الكبيرة والجهود المبذولة من خلال المؤتمر تصطدم كغيرها من الجهود الدولية بالتعنت الإسرائيلي الذي يرفض الانصياع للقرارات الدولية وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي ليبقى السؤال حول قوة الدفع التي يحملها مؤتمر باريس وأوراق الضغط التي بيده دون إجابة شافية ..