أفكار وآراء

عام الانتخابات الحاسمة في ألمانيا

27 يناير 2017
27 يناير 2017

سمير عواد -

ليس من المبالغة القول إن هذا العام سيكون عام الانتخابات الحاسمة والمؤثرة على الصعيد الألماني، وفي هذا الإطار ستكون أول عملية انتخابية تشهدها ألمانيا هذا العام، هي انتخاب فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية الألماني في منصب رئيس الجمهورية خلفا للرئيس الحالي يواخيم جاوك الذي رفض تمديد ولايته بسبب تقدمه في العمر وخشيته أن لا تساعده صحته على البقاء في منصبه ولاية ثانية. وسوف يصبح شتاينماير أول رئيس لألمانيا له خبرة في السياسات الدولية، ولكن كما هو معروف فإن الرئيس الألماني هو منصب شرفي وليس تنفيذيا، حيث إن اختصاصاته محدودة وفي إطار تمثيل الجمهورية الألمانية بروتوكوليا إلى جانب اختصاصات محددة أخرى، وأما المسؤوليات التنفيذية فإنها تبقى بيد من يتولى منصب المستشار الألماني – رئيس الوزراء – وتتولى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بحكم شغلها لهذا المنصب هذه المسؤولية، كما ستشهد ألمانيا عمليات انتخابية عديدة في عدد من الولايات تنتهي في سبتمبر بالانتخابات العامة والمصيرية من وجهة نظر ميركل.

وتروج شائعات في برلين أن مارتن شولتس الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي سوف يخلف شتاينماير في منصب وزير الخارجية حتى موعد الانتخابات العامة القادمة.

وقد أعلنت ميركل التي تتزعم الحزب المسيحي الديمقراطي في مطلع العام أنها ستدافع عن منصبها في الانتخابات العامة القادمة، وسوف تضطر بحسب المراقبين إلى القيام بحملة انتخابية لأول مرة منذ استلامها منصبها في نوفمبر 2005م. ونتيجة للثقة التي أولاها لها غالبية الناخبين الألمان في الانتخابات السابقة عام 2009 وعام 2013م، ولم تضطر ميركل للقيام بحملة انتخابية، وكانت تكتفي بالقول للناخبين «أنتم تعرفونني».

والحقيقة أن ميركل كانت تستفيد دائما من ضعف منافسيها الذين فشلوا في الفوز بثقة الناخبين، مثل المستشار السابق جرهارد شرودر، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي حاول بقراره إجراء انتخابات مبكرة في أواخر عام 2005م، الحصول على تأييد الناخبين لخطط الإصلاح التي وضعها، لكنهم خيبوا أمله وحجبوا ثقتهم عنه فخسر الانتخابات أمام ميركل التي اضطرت إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب شرودر.

ولم تعد ميركل تضمن فوزها كما كانت في السابق، بسبب تأثر شعبيتها بعد أزمة اللاجئين وانتصار الشعبويين الألمان وانتقاد سياستها خاصة الأمنية بعد وقوع اعتداءات إرهابية في ألمانيا، من قبل معارضيها ومن داخل حزبها خاصة من قبل هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي وحليفها في الائتلاف الحاكم، الذي لا يمر وقت إلا ويهدد ميركل ويطالبها بالتراجع عن سياستها تجاه اللاجئين، الأمر الذي بدأ يحصل، حيث ساهمت في إبرام اتفاقية حول اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، كما طلبت من وزير داخليتها العمل في التعجيل بإعادة اللاجئين الذين تم رفض طلبهم باللجوء إلى ألمانيا، إلى بلدانهم الأصلية، كما تعتزم ميركل إبرام اتفاقيات مماثلة مع بلدان إفريقية لإعادة اللاجئين إليها.

وتعتبر كل عملية انتخابية تسبق الانتخابات العامة بمثابة اختبار وجس نبض موقف الناخبين تجاه ميركل والأحزاب الكبيرة وكذلك تعتبر فرصة لمراقبة موقف الناخبين الألمان من الحزب الشعبوي الذي تمكن في العام الماضي من دخول برلمانات خمس ولايات وأصبح ممثلا في عشر ولايات من أصل ست عشرة ولاية ألمانية، بالإضافة إلى وجوده في البرلمان الأوروبي. وبحسب آخر عملية استطلاع للرأي، فإنه أصبح في هذه الأثناء ثالث أكبر حزب في ألمانيا بعد الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، رغم أنه تأسس في 6 فبراير عام 2013، ويبلغ رصيده من التأييد 15 بالمائة.

الموقعة الانتخابية الأولى موعدها 26 مارس، حيث ستتم انتخابات ولاية «السار»، وعاصمتها مدينة «ساربروكن»، وهي التي يحكمها حاليا الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تقوده أنيجريت كرامب كارينباور. وسيحاول الحزب الاشتراكي وحزب اليسار وحزب الخضر، تشكيل ائتلاف للإطاحة بها، على غرار الائتلاف الذي تم تشكيله في برلين مؤخرا. ويعتقد الكثير من المراقبين أن تحالف الاشتراكيين والخضر واليسار، هو البديل القوي للفوز بتشكيل حكومات في ألمانيا على مستوى الولايات أو الحكومة الاتحادية.

وستتم الموقعة الثانية في ولاية «شليزفيج هولشتاين»، وعاصمتها مدينة «كيل»، بتاريخ 7 مايو. أما الموقعة الثالثة، فإنها ملفتة للأنظار، لأنها ستتم بتاريخ 14 مايو في ولاية شمال الراين فستفاليا وعاصمتها مدينة «دوسلدورف»، وهي أكبر ولاية في ألمانيا يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة. ويعتقد المراقبون أن الفائز فيها، إذا كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أو الحزب المسيحي الديمقراطي، سوف يساعد كثيرا في فوز حزبه في الانتخابات العامة سبتمبر القادم . وتعتبر ولاية شمال الراين فستفاليا حصنا للاشتراكيين، ولكن المنافسين من حزب ميركل يملكون فرصة واقعية للفوز، بسبب تراجع ثقة الناخبين الألمان بالأحزاب الكبيرة.

وسيكون ملفتا للانتباه في كل عملية انتخابية، النتيجة التي سيحصل عليها حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي الذي هدفه الرئيسي، دخول البرلمان الألماني «بوندستاج» في سبتمبر.

ورغم إعلان ميركل دفاعها عن منصبها إلا أن الحزب الاشتراكي لم يعلن رسميا عن مرشحه حتى الآن، رغم إجماع المراقبين على أنه سيكون زيجمار جابرييل، نائب المستشارة ووزير الاقتصاد والطاقة ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني.

ورغم أن عمليات استقراء الرأي الأخيرة، أكدت أن الاتحاد المسيحي أقوى قوة سياسية في ألمانيا، قبل الاشتراكيين، إلا أن كل منهما بحاجة إلى حليف أو أكثر لتشكيل الحكومة القادمة بعد سبتمبر 2017. ويستعد الحزب الليبرالي للعودة إلى الساحة السياسية إذا تمكن من دخول البوندستاج بعد فشله بذلك في عام 2013، خاصة أنه لعب دور صانع الائتلافات في العقود السابقة، حيث تحالف مع الحزب الاشتراكي في عهدي المستشارين فيلي برانت وهيلموت شميت، ثم أطاح بشميت وتحالف مع المسيحيين وشكل حكومة بقيادة المستشار هيلموت كول إلى حين خسر السلطة في عام 1998 ثم تحالف مع ميركل في عام 2009 حتى 2013.

غير أن غالبية المراقبين يتوقعون بقاء ميركل في منصبها وبقاء حكومتها الحالية مع إجراء تعديل وزاري بسيط. والذي سيلفت الأنظار في هذه الانتخابات، هو حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، حيث يخشى العديد من السياسيين الألمان، أن يحقق نتائج كبيرة، بمساعدة فلاديمير بوتين، على غرار الدور المثير للجدل الذي قام به في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر الماضي رغم النفي الروسي، ومن بوتين نفسه لذلك .