908335
908335
العرب والعالم

محامون وخبراء في «أخلاقيات السياسة» يقاضون ترامب بتهمة انتهاك الدستور

24 يناير 2017
24 يناير 2017

بعد رفضه كشف «سجله الضريبي» -

واشنطن- عمان - عماد الدين عبد الرازق:

رفعت مجموعة من الخبراء القانونيين والمتخصصين في قضايا أخلاقيات السياسة قضية أمام المحكمة الاتحادية في العاصمة الأمريكية واشنطن تطالب فيها القضاء بإلزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعمل على تجنب حدوث أي تعارض أو اشتباك في المصالح بين إمبراطوريته الواسعة قي عالم المال والأعمال وبين منصبه كرئيس للولايات المتحدة.

وتقول حيثيات القضية أن احتمال وجود مثل هذا التلاقي- أو حتى شبهة قيامه- هو مخالفة صريحة للدستور الأمريكي.

ويقول أصحاب الدعوى ان هذا الوضع يعد خرقا صريحا لمادة بعينها في الدستور الأمريكي خاصة بالهبات والتبرعات أو الأجور المقدمة من حكومات وهيئات أجنبية، وأن المشرعين كانوا يعون تماما أن المكاسب المالية يمكن ان تحيد حتى بأكثر الأشخاص تحليا بالفضيلة عن جادة الصواب، ويشكل بالتالي تهديدا خطيرا للولايات المتحدة ومواطنيها بنص الدستور حسب قولهم.

وضرب أصحاب الدعوى عدة أمثلة على هذا النوع من تشابك المصالح ومنها أن فندق ترامب الذي افتتح مؤخرا في العاصمة واشنطن قبيل تنصيب الرئيس الجديد بأسابيع، يمثل نموذجا لهذا التعارض الذي من شأنه أن يمس استقلالية مؤسسة الرئاسة ومنصب الرئيس والحيلولة بينهما وبين التعرض لأي ضغوط - أو ابتزاز- خارجية نتيجة تشابك المصالح ذاك.

وهو ما رد عليه ترامب في حينه بأنه سيأمر بالتبرع بإيرادات الفندق المتحصلة من النزلاء الأجانب تحديدا للخزانة الأمريكية. إلا أن «نورمان أيزن»، المستشار الأخلاقي السابق في إدارة أوباما، زعم أن إدارة هذا الفندق تسعى لاستقطاب العديد من نزلاء الدول الأجنبية، بل أن هناك جدلا بشأن ضغوط تمارسها تلك الإدارة على نزلاء ومسؤولين أجانب للانتقال من فنادق أخرى بالعاصمة الى فندق ترامب»، حسب زعمه. مثال آخر يتعلق بالبنك الصيني التجاري الصناعي ( مؤسسة حكومية) له مقر أساسي في ‹ برج ترامب› في مدينة نيويورك، وان عقد الإيجار سينتهي خلال حكم ترامب، وهو ما يعني أن الحكومة الصينية سيتعين عليها التفاوض مع مؤسسة ترامب لتجديد العقد. كما أن مؤسسة ترامب لا تزال تملك حقوق الملكية الفكرية لبرنامج ‹ المتدرب The Apprentice› الذي يعاد بثه على العديد من المحطات التلفزيونية المملوكة لحكومات وهيئات أجنبية.

هذا فضلا عن العقارات التي يملكها ترامب في بلدان عديدة من بينها اندونيسيا، تركيا، الفلبين، المملكة العربية السعودية واسكتلندا، وجميعها تتطلب تصريحات وأذون وذكر ناطق باسم مؤسسة «مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن»، إحدى الهيئات المتضامنة في القضية ‹ حينما يجلس الرئيس ترامب للتفاوض حول اي اتفاق مع أي حكومة أجنبية، لن يكون بوسع الأمريكيين ان يعرفوا ما اذا كان ترامب الرئيس سيأخذ في الاعتبار مصالح ترامب رجل الأعمال أيضا أم لا›.

الجدير بالذكر هنا أن الرئيس ترامب كان قد تناول في المؤتمر الصحفي الأول الذي عقده منذ انتخابه وقبيل تنصيبه بأيام قليلة، الإجراءات التي اتخذها لمنع حدوث تضارب في المصالح بين إمبراطوريته في عالم المال والأعمال وبين منصبه كرئيس لأقوى وأغنى بلد في العالم.

ولأجل هذا الغرض أفسح ترامب المجال لمحاميته لتشرح للصحفيين في بداية المؤمر تلك لإجراءات وفي مقدمتها تنحيه عن كل مسؤولياته ومناصبه التنفيذية في إدارة أعماله وتسليمها كلها الى ابنيه البالغين ‹ دونالد الابن› و ‹ أريك›. بل ذهب ترامب الى حد جلب طاولة طويلة وضعت إلى جانب منبر التحدث، وقد صفت عليها مجموعة كبيرة من الملفات راح يكرر الإشارة إليها من آن لآخر على أنها تمثل السجلات الخاصة بشركات امبراطوريته التي تم نقل إدارة أمورها كاملة الى ولديه ( دون أن يغفل الإشارة إليهما بالاسم وهما يقفان على جانب المنصة ذاتها.

هذا الاستعراض المثير للسخرية جعل آخرين يتندرون قائلين: وما أدرانا أن تلك الملفات لم تكن تحوي أوراقا بيضاء؟).

ولم يكتف الرئيس المنتخب آنذاك بهذا العرض «الهزلي» بل انه قال في معرض استعراضه النرجسي المفرط لقدراته « الخارقة» أنه تلقى مؤخرا عرضا مغريا جدا من رجل أعمال إماراتي لمشروع استثماري عقاري في دبي بقيمة ٢ بليون دولار لكنه تنحى عن قبوله تفاديا لتضارب المصالح.

في نفس اللحظة التي زعم فيها انه لا يخضع لطائلة قانون تضارب المصالح بوصفه الرئيس ( وهو ما ينطبق أيضا على نائبه مايك بنس)، لكنه آثر تفادي أي تضارب محتمل، ولأن الشعب الأمريكي على حد قوله يتوقع من رئيسه التفرغ لإدارة البلاد.

ومرة أخرى استطرد متفاخرا بنرجسيته المعهودة ‹ على الرغم انه باستطاعتي إدارة البلاد وإدارة أعمالي في الوقت ذاته، ولعلني الشخص الوحيد الذي يمكنه ذلك في العالم›، على حد قوله.

وقد رد خبراء الاقتصاد والأعمال على هذه الإجراءات في حينها واعتبروها غير كافية، وطالب بعضهم أن الإجراء السليم المتبع في مثل هذه المواقف هو أن يقوم الرئيس أو من يشغل منصبا حكوميا رفيعا مماثلا، بوضع كل ممتلكاته فيما يصطلح على تسميته « صندوق استثماري مصمت Blind Trust» يعهد بإدارته الى مجموعة من الأمناء بحيث يمتنع على صاحب الأعمال معرفة أي شيء عن سير تلك الأعمال.

وفي خضم الجدل الذي أثير مؤخرا بشأن قضية تضارب المصالح بين ترامب الرئيس وترامب رجل الأعمال، فجر الرئيس نفسه قنبلة جديدة حين اعلن على لسان مساعديه انه « لن يقوم بالكشف عن إقراراته الضريبية»، في تناقض تام مع وعد سبق ان قطعه على نفسه خلال الحملة الانتخابية حين طولب أكثر من مرة بذلك، حيث كان يرد دائما ان حساباته الضريبية تخضع في الوقت الحالي للتدقيق من قبل مصلحة الضرائب الأمريكية، وأنه سيكشف عنها بمجرد انتهاء ذلك التدقيق.

والآن وقد انتهى التدقيق بالفعل، فاجأ الرئيس الأمريكيين بالتراجع عن وعده وإعلانه انه لن يكشف عن الإقرار الضريبي، مشيرا على لسان المستشارة الرئيسية له « كيللي آن كونواى» أن الرئيس ليس مطالبا بذلك باسم القانون.

وهو أمر صحيح، لكنه بالتأكيد يزيد من إثارة السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: لماذا يرفض الرئيس الكشف عن إقراره الضريبي إلا إذا كان لديه ما يخفيه؟! وهو السؤال ذاته الذي سبق وأن طرح و لايزال بقوة بشأن إصرار ترامب على الدفاع عن الرئيس الروسي بوتين، ورفضه الإقرار- إلا بعد فترة- بأن موسكو كانت وراء هجمات القرصنة الإلكترونية خلال الحملة الانتخابية، ولماذا يصر الرئيس ترامب على التقارب مع بوتين في الوقت الذي يعتبره بعض رجال الكونجرس مثل السناتور جون ماكين، قاتلا ومجرم حرب.

لا شك أن القضيتين، الإقرار الضريبي و القرصنة الإلكترونية الروسية، ستتفاعلان على نحو أكبر في قادم الأيام، وخاصة القضية الأخيرة، التي يجري بشأنها تحقيق لا يزال جاريا.