أفكار وآراء

لماذا تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية جديدة؟

24 يناير 2017
24 يناير 2017

عاطف الغمرى -

عدد ليس بقليل من كبار خبراء السياسة الخارجية في أمريكا، ومنهم هنري كيسنجر على سبيل المثال - لم يتوقفوا عن تذكير مؤسسات صناعة القرار السياسي في بلادهم، بأن العالم الذي تغير من حولهم، لم يعد يتقبل نفس السياسة الخارجية التي لا تزال تتمسك بنفس القواعد التي كانت تعبر عن نظام عالمي لم يعد موجودا الآن.

المشكلة لها شقان الأول عدم تقبل قطاع كبير من النخبة فكرة تخلي أمريكا عن وضعها بوصفها القوة المهيمنة، والتي تتربع على مركز قيادة العالم، والثاني أن الأمريكيين أنفسهم وبشكل عام لا يتصورون أن تكون أمريكا دولة متساوية مع غيرها في إدارة النظام الدولي.

وفي خضم هذا الجدل اهتم المجتمع السياسي الأمريكي بمؤلف للكاتب البارز إدوارد جولدبرج، تناول فيه جوانب أساسية من هذه القضية، حيث أفردت له الصحف والمواقع الإعلامية، مساحات لمناقشته، الكتاب الذي صدر هذا العام 2016، عنوانه «لماذا تحتاج أمريكا سياسة خارجية جديدة».

جولدبرج يطرح عددا من النقاط التي تتعلق بتحولات النظام العالمي، والتي لا تتواءم معها المناهج الحالية لسياسة أمريكا الخارجية. ثم يتحدث عما يمكن ان يكون في جعبة الرئيس الجديد ترامب وكيف يمكن أن يتصرف مع هذه القضايا.

يقول جولدبرج في كتابه: إن سياسة أمريكا الخارجية تركز بصورة كبيرة على عالم لم يعد له وجود.. عالم كانت فيه القوة السياسية تقاس بالقدرات العسكرية، أو الأيديولوجية المتشددة. وأن مصير أمريكا الآن أصبح متداخلا مع شركاء آخرين في العالم، منها التداخل في المصالح الاقتصادية. بالإضافة إلى ما هو مطلوب من سياسات للتعامل مع دول مثل روسيا، ودول أخرى عديدة في الشرق الأوسط، والأكثر أهمية هو كيف يمكن لأمريكا أن تكون الأولى، لكن ضمن مجموعة دول متساوية في عالم تداخلت فيه المصالح المشتركة والتبادلية.

يقول جولدبرج: إن هذا التداخل يجعل سياسة أمريكا الخارجية الراهنة، بعيدة عن الواقع الدولي الحالي.

وفي عالم اليوم - المتغير - صار مصطلح الحليف غير ذي موضوع - فالمملكة المتحدة حليف قديم لأمريكا. لكن الصين صارت أكثر أهمية للولايات المتحدة من زوايا معينة ، نتيجة للاعتماد المتبادل الكبير بين الدول وبعضها.

وبدلا من تركيز الاهتمام على مفهوم الحلفاء بشكله التقليدي، يلزم، أن تتجه السياسة الخارجية إلى الارتباط بهذا العالم المتغير باتفاقيات مشتركة، تناسب القرن الحادي والعشرين.

وبناء على التحولات العالمية، فإن مصطلح «أمريكا دولة لا غنى عنها»، الذي صاغته مادلين أولبرايت وهي وزيرة للخارجية قبل 18 عاما، لم يعد يستقيم مع الوضع الدولي الحقيقي، وبدلا من هذا المصطلح عليها أن تعتبر نفسها شريكا لا غنى عنه مع آخرين.

ويرصد جولدبرج الأحداث التي نتجت عنها هذه التحولات في النظام العالمي، وهما: سقوط حائط برلين، وصعود الصين كقوة كبرى، وإنشاء تجمع البريكس الاقتصادي، والتطور التكنولوجي المتسارع، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والحرب في العراق، وأفغانستان، وسوريا، وتصاعد الإرهاب، والأزمة المالية عام 2008، والربيع العربي، وأزمة منطقة اليورو، وبروز آسيا بصحوتها القومية، والعولمة التي جعلت أمريكا أقل استقلالا عن ذي قبل.

وبناء على كل هذه الأحداث وما يتبعها من تداعيات، يطرح المؤلف مجموعة من التساؤلات منها: هل يتغير نمط الاقتصاد السياسي في العالم بتولي دونالد ترامب الرئاسة؟. وهل تكون هناك حرب تجارية بين أمريكا والصين، أم أن تلك مجرد تخمينات؟. وكيف ستتغير علاقة أمريكا مع الاتحاد الأوروبي، شريكها التجاري الرئيسي؟. وهل أمريكا مازالت مهيأة لكي تضع قواعد لعبة الهيمنة بشكل مباشر أو غير مباشر؟. وهل الشعب الأمريكي الذي اعتاد أن يعيش مع مفهوم يقول بأن أمريكا هي القوة الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم، مستعد الآن لتقبل متطلبات حالة التداخل في العلاقات الدولية، والتي تجعل أمريكا محتاجة للآخرين، مثلما هم محتاجون لها؟.

ثم يقول: ان البيئة الجيوسياسية في العالم، والتي تجتاحها الفوضى والسيولة، لم تعد تتطلع لدور تلعبه دولة واحدة في قيادة العالم.

إن التركيز من الإعلام والمنتديات السياسية على كتاب جولدبرج راجع إلى كونه واحدا من أهم الخبراء في العلاقة بين العولمة السياسية، والعولمة الاقتصادية. فهو أستاذ للاقتصاد السياسي بجامعة نيويورك، وأستاذ زائر بجامعة كاليفورنيا. وأمضى شطرا كبيرا من حياته، في إلقاء المحاضرات بعدد من الجامعات في دول العالم.

ولهذا لقي كتابه الأخير الاهتمام في هذا الوقت بالذات الذي ينشغل فيه الكثيرون في أمريكا، بمدى احتياج أمريكا لسياسة خارجية جديدة ومختلفة، وهو ما لفت انتباههم إلى عنوانه «لماذا تحتاج أمريكا سياسة خارجية جديدة».