906470
906470
شرفات

تراكمات المنهج المثيوديني على الواقع

23 يناير 2017
23 يناير 2017

أحمد ضياء -

يعتبر المنهج المثيوديني منهجا مزيجا بين مسألتين رئيسيتين هما (المثيولوجيا/‏‏ الدين) على اعتبار العلاقة الوطيدة التي يتبناها هذا المنهج ضمن عقيدة اساسية عمادها الماضي وبين الأسطورة والدين هناك تماسات مباشرة فكثيراً من النصوص الدينية نجد جذورها في الماضي عبر مسألة الحوار والهجنة بين كلا المفهومين فلم يكن الدين خالياً أو متفرداً في المستوى العام بل أنه أخذ مرجعياته التاريخية من هذه الأفعال السابقة وكذا الأمر بالنسبة إلى الأديان الأخرى. لذا جاء هذا المصطلح شائكاً يعاني من قصور مفاهيمي رئيس متعلق بمفردة (المنهج) وهي مرحلة مهمة إذ أن كلمة منهج يجب إدخالها في جانب ورشوي أولاً ثم وجب أن يكون لها مريدون/‏‏ أتباع يحذون حذوها.

لا يمكن للإنسان العيش بلا أي ديانة بل أنه يحاول جاهداً منذ اللحظات البدائية الأولى للتكوين أن يهتم بابتداع دين خاص له بعيداً عن كل أو شكل اساسي مكمل لوجوده فكانت عبادة القمر والمطر والشمس والنار والطوطم هي العبادة الاساسية في نشوء هذا الأمر مجسداً بذلك الدافع الديني والنفسي عبر تماهيات مثيلوجية تتعامد مع هذا الأمر ولان الانسان بحاجة إلى أن يتلاءم مع هذه المكونات يجد (سوّاح) في دين الإنسان «بأن الدين هو شكل أدنى من أشكال النظر العقلي». وعبر هذا فان العقل الفكري هو عقل بحاجة الى ابتداع آلهة يخاف منها ويناجيها ويحاورها لذا فنجد دستوفسكي في روايته الاخوة كرامزوف يقول على لسان احدى شخصياته (الله ضروري حتى لو لم يكن موجوداً) أي بمعنى ان طبيعة الإنسان هي طبيعة أساسية في الاتكاء على الميتافزيقيا بعدها مسألة جوهرية في الانتاج ويتضح أيضاً مدى التعالق الرئيسي بين الفرد وما يحتاج إليه من سلطة أعلى تستجيب لدعائه في بعض الأحيان.

صاحبت الاعمال البدائية الإنسان وكل منهم عبر عنها وفق ما ترتضيه عليه ذائقته الثقافية وكذلك الدينية حيث بدأ الإنسان البدائي /‏‏ القديم التعبد للحيوانات ومحاكاتها فمنهم من عبد الجراد ومنهم من عبد التماسيح وإلخ غير ان المسألة أخذت بعداً جهورياً آخر في مسألة القتل للحيوان أيضاً فمن يقتل أسداً ويأكل من قلبه سيورث عنه الشجاعة ومن يأكل من لحم الأفعى سيأخذ منها الحكمة وهكذا إلا أن الشقاق بين عبدة الديانات أخذت لها باباً مغايراً أفاد منه الإنسان ووظفه على غير العادة حيث يفصح يوري دميترييف بشأن ذلك «إن التعصب الديني كان احياناً يبلغ مدى تحدث معه صدامات عنفية ودموية بين انصار» كل ديانة (حيوانية) أو غيرها. بالتالي يرشح ان الفعل المثيوديني أخذ مقاماته من الطبيعة على اعتبار أنه قرين بها ومعالج لموضوعاتها وفق ابتكارية جديدة تجند الإنسان إلى عوامل المعرفة والابتكار.

أخذت اساليب السحر والشعوذة محتواها الكبير في تبني المفاهيم الاستطيقية والتعبير عنها بمخلتف المكونات أو الاساليب إذ تجلت هذه الظاهرة ضمن سلالة التتريث أي إنها ظلت مصاحبة للإنبثاق المعرفي الأول وبطبيعة الحال وظف هذا الأمر لمصالح شخصية وخداع الناس لذا فأن (جيمس فريزر) «إن السحر يمثل إحدى المراحل الدنيا السابقة في التفكير الإنساني وإن جميع السلالات والأجناس البشرية مرت بتلك المرحلة في تقدمها نحو الدين ثم العلم» لأن التماهي هنا أكد سلطوية الغائب على الحاضر والخشية منه، لذا فالتثاقف الدياني الوضعي /‏‏ السماوي تبلور في جُلّه عبر الأساطير وما بها من تداعيات حكائية مختلفة جعلت من الفرد منقاداً إليها.

هناك عناصر أساسية في هذا المرحلة المثيو دينية أجدها تتمثل بالآتي:

1.الطقس.

2.المعتقد.

3.الاسطورة.

أمّا العناصر الثانوية فاجدها تتجلى في:

1.الاخلاق.

2.والشرائع.

ولكل من هذه العناصر ابعاده المفاهيمية التي على أساسها يتم التعامل مع الموقف أو اللحظة التي تمر بها هذه الديانات المتلاقحة. وعبر هذه التمفصلات الغريبة تتأتى لنا استطلاعات مغايرة تمثلت عبر مرحلة «صديقنا القديم عيسو (Esu) الإله المحتال، وترك قرعة مليئة بعرق البلح للإله العطشان» وول شوينكا. وهنا لم تأتي التسمية اعتباطية أي عيسو فبين الاسطورة والنبي هناك مقاربات رئيسة لعلها معروفة للقارئ الكريم وربما يجدر الإفاقة لمثل هذه الأمور التي من شأنها تسليط الضوء على الأسماء ومقارباتها الاسطورية والإرتباط الحقيقي الذي تبشر به.

يعمل المنهج المثيو ديني على آلية الاستحضار المعرفي النابع من مصدرين تم ذكرهما سابقاً وبهذا انما يعالج المواقف التي يسير من خلالها فعل الاسطرة والانتاج ويمل هذا الأمر إلى المعرفة وتقصي الحقائق «ففي معظم المثيولوجيات القديمة يكون عرش الالوهية هو بيت الجنس المقدس البيت الذي شهد اتحاداً جنسياً مقدساً بين كبير الآلهة وأمهم الأولى» ناجح المعموري. أي أن الفعل الجنسي هنا هو عامل الولادة خارج الاسطورة التي تحتم وجود إله كبيرة في كل مكان تتمتع بمرتبة الخير والشر في بعضها وهي السلطة الأعلى من الإنسان والتي تقرر ما يحصل عليه من تداعيات مجاورة. ولعل مسألة المعرفة/‏‏ الفلسفة أطاحت بهذا الخطاب ليكون التفكير هو الأساس الأهم في الإبداع ولنخذ على سبيل المثال جزءاً من نشيد الانشاد المتواجد في نفس الكتاب للمؤلف المعموري التوراة وطقوس الجنس المقدس:

كان لسليمان كرم

في بعل هامون.

بألف من الفضّة

لكل واحد منهم.

لك الفك يا سليمان

ولواطيرك مئتان،

أمّا أنا فلي كرمي،

يا ساكنة الجنّات،

الأصحاب يصغون إليك.

فأسمعينا صوتك. النص ص156-157

المسألة الآن أخذت لها مجرى آخر في الإطار المثيوديني حيث التناص الواضح بين الدين والاسطورة بات واضحاً في مسألة (سليمان عبرية: שְׁלֹמֹה شلومو ) الغنى ، الذي يمتلك من المال والذهب ما لا يمتلكه احد آخر ففي النص يركز على هذه المسألة وأن الذهب والفضة ظل بيد هذا الملك وعليه فالأمر الآن أكثر وضوحاً بين الاسطورة وبين الكتاب (القرآن) وهي مسألة ضرورية في المنهج المثيوديني لأجل إيضاح المتشابك والمرتبك في النص الأصل وعليه يجري تكرار الحوار عبر سيستم معين يشمل الخطاب المثيوديني الفاضح لكل التناصات.

يبرز الفعل الشفاهي الأول للأساطير والأديان الذي جاء بمرتبة أساسية جداً تعنى بالكشف والإظهار ليوتوبيا الكلمة أي من خلاله إستطعنا معرفة حالة التلاقح التي تواجدات فيها غير أن على هذا الأمر ترتبت الكثير من المبادئ والمرجعيات المادية التي تسهم في التجذير للديانات كما «تعتبر الحكايات والأساطير وثائق تاريخية في الواقع أصول تلك السلالات وأنساب الزعماء والابطال هي مرجعيات الحكايات والأساطير ولا تهدف إلا إلى تبرير مشروعية السلطة وإسباغ الكمال المثالي على بعض الأجداد الذين أسسوا العشار والقبائل» مقدمة كتاب سليمان جيغو ديوب.

تتعامل الأديان بحرفية مع الماضي فهو المنهل الأساسي لكاتبة الأديان ففي هذا المضمار يريد منّا المتعالي أن نستلهم من القص القرآني الكثير من العبر والمفاهيم التي أرداد أن يبينها لنا عبر ما موجود في الكتاب لذا «إن المهمة الأساسية لتاريخ الأديان هي تحليل الوقائع التاريخية» فيليب بورجوره. وهذا الأمر واضح في الكثير من المواضع ففي قصة (ياجو وماجو) نجد الاستشهاد سابقاً أي حتى قبل وجود الإسلام. من الأمور الرئيسة التي سلطت العلمانية الوجهة عندها هي (الدين) وربما أن هذه المقولة ستقودنا إلى مقولة أخرى لماركس (الدين افيون الشعوب) التي برزت في مجتمع كان الدين فيه طاغٍ وفساد متفشي ضد الإنسان أي أن حالات القمع والكبت هي أيضا حافز إلى التخلص من الديانات ولعل بادئة الحديث كانت في كيف الإنسان بحاجة إلى الدين لكن آخره كانت ضد بدايته أي بمعنى أن الإنسان اليوم أصبح أمامه عائقاً يسمى الدين أي «أصبح من الواضح أن جميع الأمور (في المجتمع العلماني) تسير في مجراها بدون الله وعلى وجه مماثل من حيث حسن سيرها، لما كانت عليه من قبل»صادق جلال العظم. لذا فمسألة الخروج عن الدين والتمرد على أعرافه أصبح من مهمات الإنسان الحر لكي يستطيع أن يبرمج إبداعه غير المدلج أو المركون لطائفة معينة حسب ما تمليه عليه ذاته، وعلى هذا فالمثيوديني الآن باتت أكثر تحرراً من وأكثر التساقاً بالإنسانية على أمور أخرى مجاورة.