أفكار وآراء

غموض توجهات أسواق النفط في إدارة «ترامب»

21 يناير 2017
21 يناير 2017

د. محمد رياض حمزة -

لا تزال أسواق النفط تتفاعل تقليديا لعدم وضوح الآثار التي سيحدثها تنصيب “دونالد ترامب”. ومع ذلك التوقعات تشير إلى غموض تبعات السياسات الاقتصادية العامة لـ“ ترامب” و تجمع التوقعات على ضبابية توجهات أسواق النفط في إنْ تنفيذ ترامب تعهداته الاقتصادية التي يمكن إيجازها بما يلي”

• الانسحاب من اتفاق “الشراكة عبر المحيط الهادئ” الذي وقعته 12 دولة عام 2015. وقال ترامب “بدلا من ذلك (الاتفاق)، سنفاوض بشأن اتفاقات تجارية ثنائية وعادلة تعيد الوظائف والصناعة إلى الأراضي الأمريكية”.

• من الاقتراحات القليلة التي رحب بها صندوق النقد الدولي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي وحتى الديمقراطيون، اقتراح ترامب استثمار 550 مليار دولار لتجديد البنى الأساسية الأمريكية ما سيوفر آلاف الوظائف وينعش النمو الاقتصادي.

• وتعهد ترامب أيضا بإعادة تنشيط صناعة الفحم الحجري الأمريكية.

• تعهد ترامب بإبطال التعديل الذي أقره الرئيس الأمريكي باراك أوباما لنظام الضمان الصحي والمعروف باسمه “أوباما كير”.

• تعهد ترامب بخفض الضرائب بما يقدر بـ(4.4) تريليون دولار( التريليون يساوي ألف مليار)

• تعهد ترامب بتنفيذ خطة تنمي الاقتصاد الأمريكي بمعدل ( 3.5%) سنويا.

في ضوء مضمون تلك التعهدات فإن السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة ستركز على تنمية الناتج المحلي الإجمالي، وعلى تطبيق سياسة خارجية يصفها المحللون بـ“الانعزالية“ . أما أسواق النفط فإنها ستتأثر حتما بعدد من المتغيرات وهي:

ـ الطلب الأمريكي على النفط المستورد : بلغت كمية مكونات الطاقة التي استوردتها الولايات المتحدة 9.4 مليون برميل يوميا من 80 دولة. بما في ذلك النفط الخام والغاز الطبيعي، والغاز السائل والمشتقات النفطية الأخرى، وذلك حتى نهاية 2015. وبلغت المستوردات الأمريكية (2.89) مليون برميل يوميا من دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بنسبة ( 31% ) من جملة المستورد. و (1.51) مليون برميل يوميا من دول الخليج العربية، بنسبة (16%) من جملة المستورد.(المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية) . وبالرغم من ارتفاع الإنتاج بفعل زيادة حفارات النفط الصخري الأمريكي، إلا أن واردات النفط ومشتقاته ارتفعت خلال عام 2016 بفعل انخفاض أسعار النفط من معظم مصادر إنتاجه. بهدف زيادة الخزين الاستراتيجي.

ـ السياسة الاقتصادية الداخلية للولايات المتحدة: في ضوء أربعة تعهدات لترامب باستثمار 550 مليار دولار لتجديد البنى الأساسية الأمريكية. وبتنفيذ خطة تنمي الاقتصاد الأمريكي بمعدل (3.5%) سنويا. وبخفض الضرائب بما يقدر بـ(4.4) تريليون دولار، فإن تنفيذ تلك التعهدات يبدو متناقضا. إذ ثلاثة منها تحتم على ترامب زيادة الإنفاق العام. وذلك يناقض هدف خفض الضرائب. لذا يتوقع أن يتراجع عن تنفيذ خفض الضرائب لصالح زيادة الإنفاق العام الذي سيؤدي حتما إلى انتعاش الاقتصاد الأمريكي فيرتفع الطلب على النفط ومشتقاته.

وعند استئناف أسواق النفط تداولاتها غدا 23/‏‏1/‏‏2017 يتوقع أن يتواصل تذبذب سعر برميل النفط القياسي العالمي “برنت” حول 55 دولارا للبرميل وكان قد أنهى برنت التداولات أمس الأول 20/‏‏1/‏‏2016 مرتفعا 1.33 دولار أو ما يعادل 2.5 % إلى 55.49 دولار للبرميل بينما أنهت عقود الخام الأمريكي للتسليم في فبراير 2017 التعاملات مرتفعة 1.05 دولار أو اثنين بالمائة إلى 52.42 دولار للبرميل.

كانت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” أعلنت أن فائض معروض النفط سيهبط في 2017، مع انخفاض إنتاج المنظمة من مستوى قياسي، وبوادر أولية مشجعة على التزام المنتجين المستقلين بأول اتفاق مشترك مع “أوبك” لخفض الإمدادات منذ العام 2001. وأشارت “رويترز” إلى أن تقرير “أوبك” الشهري يشير ضمناً إلى أن سوق النفط العالمية ستشهد متوسط فائض 985 ألف برميل يوميا في 2017، مقابل 1.24 مليون برميل يوميا كما ورد في التقرير السابق. وبجانب إعلانها عن إنتاج أقل من جانب أعضائها، خفضت “أوبك” توقعاتها لإنتاج المنتجين المستقلين في 2017، بعد تعهدات من روسيا ودول أخرى من خارج المنظمة بالانضمام إلى أعضائها في تقييد الإنتاج. وتتوقع “أوبك” حالياً أن ترتفع الإمدادات من خارج المنظمة بواقع 120 ألف برميل يوميا، هذا العام، انخفاضاً من نمو يبلغ 300 ألف برميل يوميا الشهر الماضي، رغم تعديل توقعات إنتاج النفط الأمريكي بالزيادة.

ومن بين العوامل التي ستؤثر حتما على توجهات أسعار النفط وأسواقه هو رؤية ترامب لإنتاج النفط من الزيت الصخري داخل الولايات المتحدة . فخلال عام 2016 خفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات الحفر، وهو ما يرجح أن يكون توقفا مؤقتا في موجة تعاف من المتوقع أن تستمر حتى 2018 مع تخطيط منتجي النفط الصخري لزيادة الإنفاق في وقت تقبع فيه أسعار الخام قرب أعلى مستوى لها في 18 شهرا. وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، إن شركات الحفر خفضت عدد المنصات النفطية بواقع سبع منصات في الأسبوع المنتهي في 13 يناير 2017 ليتراجع إجمالي عدد منصات الحفر إلى 522 منصة مقارنة مع 515 منصة قبل عام. وأنهى هذا الانخفاض أطول موجة صعود أسبوعي لعدد المنصات منذ أغسطس 2011. وانتهت موجة الصعود الحالية بعد عشرة أسابيع في حين استمرت الزيادة في عدد الحفارات على مدى 19 أسبوعا في موجة 2011. ومن المرجح أن يتخذ ترامب موقفا داعما لزيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط سواء بتأييد مشاريع إنتاج النفط من ألاسكا أو حتى من النفط الصخري، وذلك انسجاما مع سياسته الانعزالية “ أمريك أولا” .

وانخفضت أسعار النفط وأنهت الأسبوع على خسائر نسبتها 3% مع استمرار الشكوك في مدى تخفيضات إنتاج أوبك وتدهور الثقة جراء المخاوف المتعلقة بسلامة اقتصاد الصين ثاني أكبر مستهلك للخام في العالم بعد إعلانها أكبر تراجع في الصادرات منذ 2009. وضغط نمو الإنتاج الأمريكي على السوق أيضا مع وصول إنتاج الخام في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى 8.95 مليون برميل يوميا، وهو الأعلى منذ أبريل 2016 الماضي وفقا لما أظهرته بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وقال محللون إنهم يتوقعون أن تزيد شركات الطاقة الأمريكية إنفاقها على أنشطة الحفر وتضخ المزيد من النفط والغاز الطبيعي الصخري في السنوات المقبلة وسط توقعات باستمرار صعود أسعار الطاقة.

وانخفضت أسعار النفط منهية الأسبوع على خسائر نسبتها ثلاثة بالمائة مع استمرار الشكوك في مدى تخفيضات إنتاج أوبك وتدهور الثقة جراء المخاوف المتعلقة بسلامة اقتصاد الصين، ثاني أكبر مستهلك للخام في العالم بعد إعلانها أكبر تراجع في الصادرات منذ 2009. وعلى صعيد المعروض، وجدت السوق بعض الدعم في تصريحات من السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم قالت فيها إن إنتاجها نزل عن عشرة ملايين برميل يوميا إلى مستويات لم يسجلها منذ فبراير 2015 وأنها تتوقع مزيدا من التخفيضات في الشهر القادم. لكن لم تظهر بعد دلائل قوية على خفض الصادرات بعد مرور أسبوعين على الموعد المفترض أن أعضاء منظمة (أوبك) وكبار المنتجين خارجها مثل روسيا بدأوا فيه خفض الإنتاج. وقال مصدر في أوبك لرويترز “الامتثال لن يكون بنسبة 100 %.. لا يكون كذلك أبدا”. وأضاف أن بلوغ المعدل الإجمالي للالتزام بين 50 و60% سيكون جيدا بما يكفي بناء على مستويات الامتثال السابقة.

المائة يوم الأولى من إدارة “ترامب” ستوضح معالم توجهات ليس أسواق النفط وإنما مجمل متغيرات الاقتصاد العالمي الذي لم يألف حدوث تطورات متطرفة كالتي وعد ترامب بتنفيذها.

mrhamza1010@gmail