صحافة

هل الكهرباء آخر أسلحة الحصار؟

20 يناير 2017
20 يناير 2017

في زاوية آراء كتب الدكتور محمد الآغا مقالاً بعنوان: هل الكهرباء آخر أسلحة الحصار؟،جاء فيه:

منذ «تسونامي» انتخابات 2006 بدأت الماكينتان السياسية والأمنية الدوليتان بوضع مجموعة من الخطط والسيناريوهات التي تهدف إلى إقصاء المقاومة عن لعب دور فاعل في إعادة بناء وإعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني. يومها كشفت مجلة فانيتي فير الأمريكية معلومات لما كان يدور خلف الكواليس من أجل وأد الإرادة الفلسطينية التي تولدت خلال مخاض الانتخابات التي كانت كل مراكز قياس الرأي والاستطلاع تؤكد أن المقاومة لن تفوز فيها بمقاعد تشريعية تتجاوز العشرين. لقد وضع مهندسو السياسة الدولية والإقليمية كل خياراتهم ضمن (النتائج المبرمجة) لمراكز الاستطلاع لكنهم نسوا أو تناسوا سيناريو يغفل عنه كثيرون من خبراء التخطيط الإستراتيجي الدولي وهو سيناريو (المفاجأة). هذا السيناريو الذي أزعجت نتيجته كل من أغفله أو تغافل عنه فكان القرار بضرورة الحصار السياسي والمالي حتى تذوي الشجرة النابتة من بذرة الانتخابات.

تدرجت الخطط والخطط البديلة التي أعدتها الكواليس الدولية في الخفاء أحيانا وفي العلن أحيانا أخرى من الحصار المالي إلى الحصار السياسي إلى إغلاق معابر السفر إلى الحصار الاقتصادي إلى درجة منع دخول أحذية الأطفال ورباطات الأحذية والأقلام والدفاتر والأدوية وغيرها كثير. بلغ الحصار مبلغا لم يتوقعه أحد أن يحدث في القرن الحادي والعشرين وشارك فيه كل من هب ودب منفذين للخطط والسياسات الموضوعة.

لجأ الشعب المحاصر إلى استخدام زيت الطبخ لتحريك سياراته لدرجة أن المواطن صار يشم رائحة الزيت المحروق أو زيت القلي أو الفلافل في الشوارع كأحد أهم مظاهر الحياة في غزة حينها. وصار الشعب يستخدم الطين كبديل لمواد البناء وأنشأ الكسارات التي تطحن حجارة البيوت المقصوفة والمهدومة بطائرات إف 16 وحجارة الشوارع ونفايات البناء وغير ذلك من أجل إيجاد مواد بديلة لمواد منعها المحتل لوقف عجلة الحياة لكنه الشعب الذي لا يعرف المستحيل استطاع ابتكار البدائل المتعددة في ثورة فكرية ودماغية جعلت منه لا ينام الليل ولا النهار وهو يعمل السنين دأبا.

لم يثنه الحصار الجائر عن الحفر في الصخر بأظفاره وأسنانه؛ يقتلع الحديد والشوك من أعماق الأرض؛ يصنع الأنفاق التجارية لينقل حاجياته من مواد غذاء وبناء ودواء وأدوات المدارس واحتياجات أخرى؛ لا ينظر خلفه بل عينه دائما نحو المستقبل؛ الذي يمنعه البعض من ممارسة حقه في بنائه وبناء حياة أجمل لأطفاله ونسائه وشيوخه.

واستمر تشديد الحصار من مجال إلى مجال ومن زاوية إلى زاوية ومن ثقب إلى ثقب؛ حتى طال هذا الحصار كل مسامات الحياة الإنسانية والشعب يبتكر في كل يوم جديدا وفي كل يوم بديلا. وحار المحاصرون حتى تفتقت أدمغة شياطينهم عن الحروب المتوالية من أجل كسر عزيمة هذا الشعب الذي يحتضن المقاومة وتحتضنه المقاومة؛ في عملية تبادلية تكافلية لم يتوقعها المحاصرون ولم تتوقعها الأدمغة التي تعمل ليل نهار لكسر الإرادة الفولاذية؛ المصنوعة في أرحام نساء رضعن المقاومة ويرضعنها لأبنائهن وهم أجنة في البطون؛ أو زهرات جميلات في الأحضان وعلى الصدور حتى الاستواء المعلوم شبابا يافعين مقاومين؛ يحملون على أكفهم أرواحهم ونحو الشهادة يتدافعون ويتسابقون ويتنافسون.

لله دركم يا أبناء هذا الشعب العظيم وأنتم تلقنوننا كل يوم دروسا في الصمود والمقاومة. لله درك أيتها الأم الصابرة المرابطة المحبة الحبيبة الغالية؛ وأنتِ تكتبين بشهد روحك أروع الملاحم وتشيدين من عظمك ولحمك أنفاق العز تحت الأرض أمتارا وأمتارا. سيدتي أيتها الأم العظيمة.. سيدي أيها الأب المتفاني؛ انه ليس ابنك الذي يحفر الصخر في الأعماق إنه أنت؛ أنت من تحفر وأنت من تشيد وأنت من ترسم بنبضك ملامح المرحلة القادمة؛ وخارطة الوطن؛ وتشق وسط الأدغال والأشواك أجمل الطريق وأبهاها سائرا نحو القدس والأقصى؛ ترش الياسمين والرياحين تفرش الأرض حبا وعشقا وعبقا ونصرا ونورا. أنت من تستحق الحياة وأنت الذي تكتب حروفها من عطر عرقك وجهدك وأنت الذي عيناك نحو القدس شاخصتان لا تغمضان ولا ترمشان؛ تملآن الأرض أنوارا. سيدي يا ابن هذه الأرض و ياعاشقها حتى النخاع .. هل الكهرباء التي يمعنون حصارهم بها ستكون عقبة أمامك؛ سيدي لقد تجاوزتهم بإرادتك الصلبة ومعنوياتك المتألقة في كل المراحل السابقة؛ وكسرت بهدوئك وصمتك وقوة عملك ودهائك كل أساطيرهم؛ وجعلتها أحاديث، بل جعلتهم هم أنفسهم أحاديث وذكرى للذاكرين؛ وعبرة للمعتبرين؛ إن أرادوا اعتبارا؛ فتركتهم خلفك يعضون أصابعهم وأعصابهم ندما؛ فأنت المنصور بوعد ربك وموعوده في الأرض المباركة وحولها؛ سر على بركة ربك؛ فوالله لن ينالوا منك إلا أذى.. وإن غدا لناظره قريب بل أقرب.