898279
898279
مرايا

سميرة موسى.. نبوغ منذ الصغر

18 يناير 2017
18 يناير 2017

أول امرأة عربية تحصل على درجة الدكتوراه  -

في وقت كان العلم لدى الكثيرين محض خيال أو هذيان، ظهر نبوغ وتفوق أول عالمة ذرة، المصرية النابغة د. سميرة موسى منذ الصغر.

ولدت سميرة موسى في الثالث من مارس 1917 م، في إحدى قرى محافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، وتعلمت منذ الصغر القراءة والكتابة، وحفظت أجزاءً من القرآن الكريم ، وكانت سميرة تتمتع بذاكرة فوتوغرافية تؤهلها لحفظ الشيء بمجرد قراءته. وكان لهذا النبوغ المبكر أثره في حياتها الدراسية؛ فحققت تفوقًا ملحوظًا في كل مراحل تعليمها، فكانت الأولى في الابتدائية والثانوية في زمن كان تعليم المرأة فيه محدودًا جدًا، إضافة إلى ذلك ألفت كتابًا في علم الجبر لمساعدة الطلبة في الفهم، وقد تكفل والدها بطبعه على نفقته الخاصة تقديرًا منه لجهود ابنته وتشجيعًا لها في مسيرة تفوقها ونبوغها. ثم التحقت بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا) بمصر، وحققت تفوقًا على مدار سنوات الجامعة استكمالًا لمسيرة التفوق الدراسي والعلمي، مما جعلها محط إعجاب واهتمام معلميها حينئذ.

تمتعت سميرة موسى بالعديد من المواهب منذ الصغر، فقد كانت مولعة بالقراءة والكتابة، حيث كانت القارئ الرسمي – إن جاز التعبير- للقرية وقتها، كما أنها كانت تجيد الحياكة، وفن التصوير، وامتازت بتوقد الذهن إلى حد دفع أحد معلميها في المدرسة بتقديم النصح لوالدها بأن يسافر بسميرة للقاهرة لتكمل تعليمها حفاظًا على نبوغها، وبالفعل فكر الأب في الأمر كثيرًا،حتى أخذ قراره وحسم أمره، وعزم على الانتقال إلى القاهرة ليبدأ مشوار ابنته العلمي.

التحقت سميرة بالمدرسة الابتدائية وأثبتت نبوغًا وتفوقًا ملحوظًا؛ مما كان سببًا لموافقة والدها على استكمال تعليمها في وقت كان تعليم المرأة حينئذ محدودًا مقصورًا على طبقة معينة (الطبقة الراقية)، فهذا الأب الريفي لم يقف في وجه نبوغ ابنته ووافق على استكمال دراستها فانتقلت إلى المرحلة الثانوية، وهذه المرحلة كانت بمثابة نقطة تحول في حياتها، ولها أثر كبير في تكوين شخصيتها وإكسابها أهم ملامحها الفكرية، ويرجع الفضل في هذا إلى « نبوية موسى»، التى كانت مديرة المدرسة الثانوية لسميرة وكانت معروفة بمدى اهتمامها بالمرأة وحقوقها في التعليم وفي الحياة الاجتماعية والسياسية؛ ولطالما دافعت عن هذه الحقوق، فتأثرت سميرة بتلك الشخصية قلبًا وقالبًا.

ولكن تطلع سميرة الدائم دفعها لأن تأخذ قرارًا كان بمثابة مفاجأة لمعلمتها نبوية موسى، حين وجدت أمامها طلب انتقال من مدرستها إلى إحدى المدارس الحكومية، وزاد تعجبها حين وجدته أنه من أنجب تلميذة عندها، فاستدعتها فورًا لتعرف السر وراء طلب كهذا، فكان الجواب بمثابة مفاجأة لها حين علمت أن سميرة ترغب في معمل طبيعة تجري به تجاربها، وهو ما وفرته تلك المدرسة الحكومية، فعلى الفور سعت نبوية موسى لتحقيق حلم طالبتها النابغة، وبالفعل توفر لسميرة إجراء تجاربها في معمل الطبيعة بمدرستها، وكان أول مرة يلمس نبوغها أرض الواقع العملي، بل تعدى ذلك حينما قررت أن تتخذ العلم سبيلًا.

وتوج حلمها بالنجاح، فلقد كانت سميرة الأولى على القطر المصري كله في الثانوية العامة لأول مرة في تاريخ التعليم، فاتسعت دائرة المعجبين والملتفين حولها لنبوغها وتفوقها، فصارت حديث الصحف وقتها والأوساط كلها. والتحقت سميرة بالجامعة بالفعل، ولم تقل حياتها الجامعية عن مستوى مشوارها التعليمي السابق، حيث حققت نجاحًا باهرًا بالكلية استكمالًا لمسيرة نجاحاتها المتتالية. فكانت الأولى على كليتها طوال سنوات الجامعة، مما أهّلها لتكون في هيئة التدريس بالرغم من صغر سنها، وهذا التفوق والنبوغ الواضح دفع د.«علي مصطفى مشرفة» - والذي كان عميدًا لكلية العلوم وقتها- يقف بجانبها أمام كثير من الأشخاص والجهات لتعيينها في هيئة تدريس الكلية كمعيدة، ونجح بعد جهود مضنية في أن تكون سميرة موسى أول معيدة تُعين في كلية العلوم في هذه السن الصغيرة بقرار مباشر من رئيس الوزراء حينذاك، وأصبحت سميرة موسى معيدة بعد رحلة شاقة وصراعات مع جهات عدة، ولكنها كانت على قدر المسؤولية ونالت تقدير واحترام هيئة التدريس بل والطلبة لالتزامها وعلمها وبساطتها وحسها الإنسانيّ؛ الذي كان يصبغ كل شيء بشخصيتها بلون الإنسانية.

وكان من الطبيعي أن تفكر سميرة في إكمال دراستها الأكاديمية، وبالفعل اتخذت سميرة موضوع (التواصل الحراري للغازات) موضوعًا لرسالتها، وتم ضمها لبعثة للخارج، ولكن حال دون سفرها نشوب الحرب العالمية الثانية فتأجلت البعثة إلى أجل غير مسمى. وقد تحقق حلم العالمة الجليلة العام 1947 م، حيث أُعطيت منحة دراسية لإنجلترا في موضوع (الأشعة السينية) لمدة ثلاث سنوات. وبالفعل عملت سميرة بجد واجتهدت في دراسة المواد المشعة واستخدامها في العلاج، وساعدها على ذلك المُناخ العلمي المجهز لإيجاد الإبداع وتحقيق التميز، كما أنها حققت سبقا آخر يضاف لحياتها العلمية المميزة، وأخذت الدكتوراه في سبعة عشر شهرًا فقط، لتكون أول امرأة عربية تحصل على درجة الدكتوراه. وهكذا أثبتت للجميع نبوغها وتميزها الذي كان يشهد به أساتذتها هناك ومنهم البروفيسور«ملينت» الذي قال في تقريره عن رسالتها: «تستحق الدكتورة سميرة موسى لقب مدام كوري المصرية».

بعد ذلك بفترة استجابت د. سميرة موسى إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1951م، حيث أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة «سان لويس»، وتلقت عروضاً لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت بقولها: «ينتظرني وطن غالٍ يسمى مصر». وقد غربت شمس حياتها الكريمة العام 1952م في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية في حادث غامض مجهول السبب والنسب حتى يومنا هذا.

رحم الله شهيدة العلم د. سميرة موسى وجزاها كل الخير على ما قدمته للبشرية كلها.