الملف السياسي

تفعيل العلاقة الاقتصادية مع أوروبا

16 يناير 2017
16 يناير 2017

عبدالله العليان -

في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمر بها الوطن العربي، وما يعانيه عالم اليوم من أزمات اقتصادية لأسباب اقتصادية وسياسية وأزمات زيادة السكان في دول كثيرة وبروز ظاهرة الإرهاب الذي أثر على الاقتصاد والسياحة عالميا فإن الضرورة تقتضي تفعيل العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول العربية والاتحاد الأوروبي بحكم العلاقة التاريخية التي تربط الدول العربية مع أوروبا، وأيضا هناك تواصل حضاري وسياسي واقتصادي نشط منذ قرون، وهي تدفع كليهما لتطوير العلاقات العربية/‏‏الأوروبية البينية في مجالات عدة، ويشكل القرب الجغرافي كما أشرنا وهو عامل مهم لتطوير هذه العلاقات بينهما إلى آفاق رحبة بما يعزز العلاقات بين الطرفين وينميها. ولا شك أن عالم اليوم يعتمد مع الزيادة السكانية وقوانين العولمة أن تتوسع العلاقة التجارية بما يسهم في التنمية المستدامة، وتحقيق التفاعل الاقتصادي بين الدول، فمع المشاكل الاقتصادية الراهنة في كل دول العالم التي تسببت في الهجرات فإن تحريك التجارة والمشروعات الاقتصادية سوف تخفف الكثير من الهجرات إلى أوروبا، وتكون عاملا لتخفيف التوترات السياسية، ومنها ظاهرة التطرف والإرهاب الذي أصبح قضية عالمية.

فالتنمية الاقتصادية ستلعب دورا مهما وفاعلا في الاستقرار وإنعاش اقتصاديات الدول؛ ولذلك نرى أهمية إقامة شراكة اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي ومع المملكة المتحدة التي صوت شعبها على الخروج من الاتحاد قبل عدة أشهر، وهي مهتمة بالعلاقة مع دول الخليج العربية والدول العربية بوجه عام بما يحقق نجاحا في تفعيل هذه العلاقة فعليا، وليس عبر اتفاقات لم تطبق على أرض الواقع، وهذا ما حدث من خلال اتفاقات كثيرة في السنوات الماضية.

ونحن للأسف لم نحقق تكاملا اقتصاديا عربيا موحدا يعزز الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي بصورة موحدة مع أننا يمكن أن نحقق التكامل العربي دون مصاعب حتى قبل أن يتم الاتحاد الأوروبي فعليا، وهذا ما جعلنا في الجانب الاقتصادي أقل الكتل الاقتصادية الدولية حراكا وتنمية في كل المجالات، وهذا ما يتطلب مراجعة للسياسات الاقتصادية العربية.

وقد أخفقت تجربتنا في تحقيق النجاح المأمول كما يقول د/‏‏حسن نافعة، حيث «إن التجربة الأوروبية هي وحدها التي استطاعت أن تفرض نفسها وأن تحتل موقعا فريدا ومتميزا بين جميع هذه التجارب. ويعود هذا التميز إلى أسباب كثيرة ربما كان أهمها: حجم الإنجازات التي حققتها التجربة الأوروبية من ناحية، وخصوصية المنهج المستخدم في بناء العملية التكاملية ذاتها من ناحية أخرى. ويجمع كافة الباحثين والمتخصصين على أن تجربة التكامل والوحدة في أوروبا تعد أهم وأنجح تجارب التكامل الإقليمي على الإطلاق وأغناها بالدروس المستفادة.

فقد أكدت هذه التجربة، وبالدليل القاطع المستمد من الممارسة العملية على أن نقل نمط العلاقة بين مجموعة من الدول المتجاورة إقليميا وغير المتجانسة ثقافيا من حالة التشتت والصراع إلى حالة التعاون والتكامل وصولا إلى الوحدة هو أمر ممكن شريطة توافر عوامل دولية وإقليمية ومحلية خاصة. فقد استطاعت هذه التجربة أن تبتكر من الأدوات والتقنيات والآليات ما مكنها من التغلب بالفعل على أوضاع التنافر وعدم التجانس، وهي الأوضاع التي كثيرا ما تسببت في إفشال العديد من محاولات التكامل والاندماج الإقليمي في مناطق أخرى من العالم، سواء تلك التي سبقت التجربة الأوروبية، ومنها المحاولة العربية أو التي جاءت بعدها وهي كثيرة. ويرى د/‏‏نافعة أن التجربة العربية والأوروبية انطلقتا في وقت متزامن تقريبا، فقد توقع الكثيرون أن تحقق التجربة العربية، بسبب تفوق ما تملكه من مقومات وعناصر الوحدة، إنجازات أكبر وأسرع مما حققته التجربة الأوروبية غير أن ما حدث جاء مخالفا لكل الطموحات والتوقعات. فقد حققت التجربة الأوروبية نتائج بدت حينئذ صغيرة أو بطيئة، ولكنها استطاعت بالتراكم أن تحدث نقلة نوعية هائلة في اتجاه تحقيق الهدف الأسمى، وهو الوحدة.

أما التجربة العربية التي حققت في بعض المراحل خطوات وقفزات هائلة ومفاجئة فقد كانت سرعان ما تنتكس وتعود لتدخل من جديد في طريق مسدود. ويبدو أن نجاح التجربة الأوروبية من ناحية وإخفاق التجربة العربية من ناحية أخرى، وعلى عكس ما كان متوقعا، شكلا لغزا حاول الجميع أن يفسره على هواه، كلا وفقا لمعتقداته ومواقفه الأيديولوجية المسبقة. ومع ذلك فإن فرص التكامل لإقامة شراكة مع أوروبا لا تزال قائمة إذا تمت المراجعة الصحية لهذا التكامل العربي، وقد أشرنا في مقالات سابقة وأشار غيرنا إلى أهمية التكامل وضروراته؛ لأن التكامل العربي يحقق مزايا كبيرة للبلاد العربية للشراكات الاقتصادية خصوصا مع الدول الأخرى، بدلا من الشراكة الفردية مع دول عديدة، وهذا يحتاج إلى إزالة العديد من المعوقات إن وجدت من خلال الجامعة العربية الحاضنة الأم لكل البلاد العربية.

ولا شك أن مستقبل علاقة أوروبا مع الوطن العربي نتوقع لها أن تزداد حراكا كبيرا سواء على مستوى دول مجلس التعاون أو على مستوى الدول العربية، فالجميع يتطلع إلى علاقة قوية ومتينة، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي القادم للبيت الأبيض بعد أيام قليلة، وهو الذي يتخوف من سياساته حتى الأوروبيين، ومنها إلغاء بعض الاتفاقيات الاقتصادية، وهذه ربما تكون في صالح الدول العربية، ومنها دول مجلس التعاون، في تعزيز شراكات كثيرة، وتفعيل المشروعات الاقتصادية مع أوروبا، ومع آسيا أيضا، فالوقت الآن وقت الفرص واستغلالها، للاستفادة القصوى من تعزيز التنمية الاقتصادية، وإرساء تنمية مستدامة، تحقق المصالح لهذه الدول، كما أن الأوروبيين يشعرون بالقلق، من الهجرات العربية المتزايدة التي تأتي من دول عربية، لأسباب سياسية واقتصادية، والكثير من الباحثين والسياسيين الغربيين، يطرحوا فكرة، التعاون مع الدول العربية، وأهمية تحقيق الاستقرار السياسي فيها بدعم أوروبي قوي في الفترة المقبلة، ومنها تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الدول العربية، بوجه عام والدول الخليجية بوجه خاص، وقد أعلنت المملكة المتحدة عن أهمية تعزيز الشراكة مع الدول العربية، ومنها دول مجلس التعاون أيضا.