الملف السياسي

محاولة لرفع منسوب التعاون الاستراتيجي

16 يناير 2017
16 يناير 2017

العزب الطيب الطاهر -

,, يعكس التئام وزراء خارجية الدول العربية ونظرائهم الأوربيين بالقاهرة مؤخرا محاولة جادة لبلورة مرتكزات عملية لرفع منسوب التعاون الاستراتيجي بين الجانبين والذي بدأ يأخذ شكلا مؤسسيا منذ عام 2008 ، وإن واجهته العديد من العثرات على الرغم من عقد ثلاثة اجتماعات وزارية مشتركة ,,

ووفقا لما قاله الدكتور عمر الحسن رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية لكاتب هذه السطور، فإن الاجتماع الوزاري الأخير عقد وسط أجواء مشحونة بالتحديات والمخاطر المشتركة بين الجانبين، لا سيما ما يتعلق منها بالهجرة غير الشرعية، واللاجئين والإرهاب وخطر تمدد تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ«داعش»، وغيرها الكثير من القضايا التي ما زالت تفرضها الأحداث والمتغيرات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، والتي بالضرورة كانت محل بحث واهتمام المشاركين في المؤتمر.

وإذا كان للحوار العربي– الأوروبي مبررات قوية، وله أهداف صائبة، فإن نتائجه متواضعة حتى الآن؛ حيث إن هناك الكثير من العوامل الداخلية، «أوروبية وعربية»، هي التي خلقت مناخًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا مثبطًا للحوار، بالإضافة طبعًا إلى انعكاسات السياسات الأمريكية في المنطقة.

ورغم ذلك، يرى عمر الحسن أن ما شهده عام 2015 -لجهة نشوء حالة جديدة من حالات التعاون المشترك بين الجانبين بعد أن أدرك الاتحاد الأوروبي صعوبة وخطورة التحديات التي بدأ في معايشتها على أراضيه، بوقوع عمليات إرهابية نوعية شهدتها باريس وبروكسل وتهديدات مماثلة لبريطانيا وأسبانيا وألمانيا- أنه قد يصل التعاون إلى مرحلة تتسم أكثر بالجدية بعد أن صار ضرورة، وخصوصًا للجانب الأوروبي الذي أيقن أنه يواجه تحديات مختلفة عن تلك التي صاحبت الاجتماعات الثلاثة السابقة،لذلك كان موضوع الإرهاب والأمن من أهم بنود جدول أعمال الاجتماع الوزاري الرابع.. فالإرهاب العابر للحدود واستمرار حالة الحروب الأهلية منذ ما يزيد على خمس سنوات في سوريا والعراق واليمن وليبيا والهجرة غير الشرعية واللاجئين، والتي عانت منها أوروبا، هي قضايا رئيسة تمت مناقشتها لا محالة للتعرف على إمكانية مواجهتها إلى جانب القضية الأهم، وهي قضية التعاون الاقتصادي والتجاري بين المجموعتين؛ حيث إن العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والعرب مترسخة أكثر من العلاقات السياسية، لدرجة أن حركة الاستثمارات مع أوروبا لم تتأثر بالمتغيرات السياسية؛ فحجم التبادل التجاري في العام 2010، بلغ 138.55 مليار دولار، وفي العام 2014 بلغ 156.78 مليار دولار، وهو ما يرغب الاتحاد في تطويره وزيادة حجمه.

وبعيدًا عن هذا وذاك، فمع أن الحوار لا شك ضروري ومطلوب؛ فإن هناك عقبة رئيسة تقيده وهي أن الاتحاد الأوروبي يوصف بأنه عملاق اقتصادي لكنه قزم سياسيًّا، ولعل ذلك يعود إلى غياب وعدم وضوح سياسته الخارجية، وكذلك الحال أيضًا فيما يتعلق بالدول العربية فليس لديها سياسة واستراتيجية مشتركة تجاه أوروبا، بالإضافة إلى عدم التكافؤ بين الدول، فهناك دول ديمقراطية، وأخرى في معظمها أوتوقراطية، كما لا نستطيع أن نغيب تأثير النزاعات الإقليمية، والسياسات الأمريكية عن المشهد.

ومن ثم فإنه لكي يصبح الحوار والتعاون مثمرًا ينبغي أن يستقل موقف أوروبا عن أجندة الولايات المتحدة، وأيضًا ينبغي ألا ينصب الحوار معها فقط على التجارة والأمن، غير مكترثين بمسألة التنمية المشتركة، والتكامل الإقليمي؛ لذا فهناك حاجة أكثر توازنًا بين الأوروبيين والعرب تقر بالواقع الجديد الذي يُشكل، وهو بروز قوى اقتصادية صاعدة أو سياسية أو قوى إقليمية مثل تركيا وإيران. ويمكن القول بأن نتائج الاجتماع الرابع عكست قدرا من حلحلة الأمور باتجاه توسيع نطاق التعاون الاستراتيجي العربي الأوروبي، وهو ما تجلى - وفقا لما أكده خميس الجهيناوي وزير خارجية تونس ورئيس الجانب العربي في الاجتماع بحكم ترؤس بلاده للدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية في لقاء خاص مع كاتب هذه السطور- في ترحيب الجانب الأوربي بمقترح عقد قمة عربية أوروبية لتكون انطلاقة جديدة ونقلة نوعية في العمل المشترك، كما أنه ركز على ضرورة التعاون في مكافحة آفة الارهاب التي تضرب بلدانا عربية وأوروبية وتم الاتفاق في هذا الشأن على استراتيجية موحدة وخطة عمل مشتركة لمكافحة هذه الآفة بالإضافة الى استعراض قضية الهجرة من وجهة نظر الجانبين، وتم اعتماد خطة عمل مشتركة للعامين 2016 - 2018 التي تتناول المسائل الخاصة بالتعاون بكل دقة, والتي تتضمن مشاريع في مجالات مثل الانذار المبكر والمساعدات الإنسانية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وتمكين المرأة ، كما تم اقرار اعلان وزاري مشترك حول مستقبل العلاقات العربية الاوروبية ويتضمن قضايا التعاون والحوار الاستراتيجي الذي انطلق العام الماضي .

وطبقا لأحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فإن الاجتماع شكل تحولا رئيسيا في العلاقات العربية الأوروبية وشهد استشعارا من قبل الجانبين بخطورة التحديات الراهنة وعكس الرغبة في التعاون والتنسيق ووضع الخطط المشتركة لتمتد أيضا الى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومع ذلك فإنه يتطلع الى تنفيذ تلك الخطط بالشكل على نحو يجعل من أن يشكل الاجتماع الخامس المقرر عقده في إحدى الدول الأوروبية عام 2018 دفعة قوية ليكون إضافة وعصرا جديدا للتعاون بين الجانبين وللاتفاق الاستراتيجي الموقع في 2015 .

ولم تخرج «فيدريكا موجريني» الممثل الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي رئيس الجانب الأوروبي فى الاجتماع عن دائرة التأكيد على أهمية العمل العربي الأوروبي لمواجهة الإرهاب والهجرة غير الشرعية استنادا الى النهج المتبع أوروبيا والذي يقوم على الشراكة والعمل على إنقاذ حياة المدنيين وحماية حقوق المهاجرين ، والتصدي لشبكات الاتجار بالبشر والعمل على وقف الهجرة غير الشرعية واتاحة مستويات معيشية للمهاجرين الذين يواجهون الاستعباد عبر شبكات الاتجار بالبشر والتي تعد ظاهرة معقدة تتطلب قدرا من المسؤولية المشتركة في مواجهتها وتتوقع في هذا السياق أن تشهد المرحلة المقبلة حوارا استراتيجيا فاعلا بين الجانبين العربي والأوروبي وبالذات فيما يتصل بعقد قمة عربية أوروبية وهو ما سينطوي على دلالة على التعاون السياسي والقطاعي في مجالات بعينها ، وسيكون هذا التعاون عبر قنوات الاتحاد والجامعة العربية للتصدي للأزمات التي تواجهها المنطقة، وقد اتفق الجانبان بالفعل على اتخاذ اجراءات منسقة على أن تتضمن اجندة التعاون مع الجامعة العربية خلال الفترة المقبلة مجالات عديدة وجديدة كالاستثمار والتعاون بقطاعات النقل والهجرة لاسيما أن المنطقتين تواجهان نفس التحديات والتهديدات في إشارة الى ما شهدته مصر والأردن من عمليات إرهابية واغتيال سفير روسيا في أنقرة والعملية الإرهابية في برلين،وهي ترى في هذا السياق أن الحل الناجع لمواجهة هذه التهديدات الإرهابية هو التعاون وأن تشمل أجندة هذا التعاون الاهتمام بالشباب وتطوير التعليم وتحقيق المساواة.

وبدا واضحا من الإعلان الختامي للاجتماع الرابع أن ثمة نزوعا من الجانبين لتطوير العلاقات العربية الأوروبية من خلال اقتراح آليات مختلفة للتعاون فى كافة المجالات وعلى جميع المستويات بما في ذلك اقتراح عقد اجتماعات رباعية وزارية أخرى، واجتماعات الخبرات والمشاريع المشتركة الى جانب الموافقة من حيث المبدأ على الاقتراح الذي قدمه الجانب العربي لتنظيم قمة عربية/‏‏‏أوروبية بشكل دوري للتأكيد مجدداً على رغبة الجانبين في تعزيز العلاقات فيما بينهما، وإعطاء التوجيه الإستراتيجي للتعاون بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق فقد دعا الإعلان الى إطلاق للحوار الإستراتيجي بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بما يساهم في تسيير عمليات تبادل للآراء حول القضايا السياسية والأمنية، ويشمل التعاون مجالات عديدة مثل الإنذار المبكر ومنع الصراعات والاستجابة للأزمات والمساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة المنظمة وحظر أسلحة الدمار الشامل متضمنا الإشارة الى تشكيل فرق عمل لكل من هذه المجالات بغية تيسير العمل المشترك من أجل الوقوف على نحو أفضل أمام التهديدات الأمنية الحالية والمستقبلية مجددا التأكيد على المبادئ السامية لسيادة القانون والحكم الرشيد والأمن واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية كما أدان الأعمال الإرهابية وممارستها بكافة أشكالها ومظاهرها والاتفاق على التعاون من أجل تحديد الوسائل اللازمة لمعالجة التهديدات المشتركة.