humada
humada
أعمدة

بدانة

15 يناير 2017
15 يناير 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

لاحظت بأن مشيته تغيرت كثيرا، وهو يتقدم مني بثقة لم أعدها فيه، وقد أبرز قوامه الرشيق ببدلة رياضية أنيقة زادته وسامة وثقة، الابتسامة غدت لا تفارق محياه خاصة بعد عملية تبييض الأسنان التي يبدو أنه أجراها مؤخرًا، مدفوعًا بنتيجة خسارة وزنه التي جعلته يتجرأ لخوض تجارب جديدة، أمر توقعته شخصيًا فطعم النجاح لذيذ يجعلك تطمح للمزيد منه، وهو ما أراه يحدث مع هذا الشاب الذي تخلص أيضًا من النظارة التي لازمته طوال فترة طفولته، وخضع لعملية تصحيح نظر لم يتجرأ حتى التفكير فيها قبل ذلك، جلس أمامي القرفصاء مشيرًا إلى فخذيه الرشيقين قائلا بجذل طفولي: أنظري إليّ أستطيع الآن ثنيهما والجلوس القرفصاء مثلكم تمامًا، نظرت إليه بدهشه، وهل كان ذلك صعبًا عليك؟ نظر إليّ مستغربا: صعبا؟ بل كان مستحيلا، إن هذه الجلسة كانت (حلما) بالنسبة لي، سقطت دمعة لا إرادية مني وأنا أتلمس قدماي، ناقلة بصري بينهما وساقي هذا الفتى الفخور، وكأنني لم أتخيل يوما أن أمرا أمارسه يوميا بدون وعي يمكن أن يكون (حلماً) بالنسبة لغيري..

سرد لي قائمة (مستحيلات) طويلة و(أحلام) أطول كانت من الأمور التي أمارس، وغيري بدون وعي ولا إدراك لها، جعلتني أدرك بأن تصنيف الولايات المتحدة للبدناء ضمن فئة ذوي الإعاقة لم يكن قرارًا مبالغا فيه، فالسمنة تعيق الحركة وتمنع الفرد من ممارسة حياته بشكل طبيعي، هو بالكاد يستطيع الحركة، ويعجز عن النوم إلا في وضعيه واحدة، حتى التنفس الذي يأتينا دون وعي، يجاهد هو ليحصل على النفس الذي يبقيه على قيد الحياة، أما الأناقة، ولبس ما يشتهي من الثياب فهذه رفاهية لا يحلم بها حتى..

المؤلم أن البدانة أصبحت متفشية بشكل كبير في مجتمعنا الخليجي بالذات، التي لم تجد شعوبه على ما يبدو غير الطعام تصرف فيه الدخل العالي الذي جاء من النفط، الهبة الربانية التي من بها علينا الخالق في هذا العصر، وهو ما ظهرت نتائجه على فاتورة الخدمات الصحية أيضًا في دولنا والتي باتت تبلع أكثر مما يصرف على تعليم الأجيال أو تساويه، يضاعف منها انعدام الحركة بسبب طبيعة الأعمال المكتبية التي يمارسها الغالبية منا، والتي ننتقل لها في سيارات خصصنا لها مواقف داخل حدود البيت لنختصر مسافة المشي بين الباب والسيارة، وأيد عاملة منزلية رخيصة تؤدي عنا الأعمال البدنية البسيطة المتبقية، لنعود للبيت ونجدها قد أعدت أصنافا من الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، نلتهمها على عجل ونسرع بإلقاء جثثنا التي أرهقها الجلوس الطويل على كنبة مريحة أو سرير بارد لا يعطي أجسامًا فرصة لحرق السعرات الحرارية التي استهلكنها، والتي لا تجد أجسادنا سبيلاً سوى تحويلها إلى شحوم تتراكم يوما بعد يوم مشكلة كتلا تضغط على مفاصلنا وقلوبنا المسكينة التي تجد نفسها تعمل فوق طاقتها لتغذية كتل الشحوم هذه.

سعدت مؤخرًا بقراءة خبر صحفي حول حملة إعلامية لتعزيز النشاط البدني في السلطنة ضمن خطة مكافحة الأمراض المزمنة غير المعدية، لكن إلى أي حد يمكن أن تساهم الحملة في زيادة النشاط البدني في ظل بيئة أساسية غير مهيئة للمشي، وغياب شبه تام لأماكن ممارسة المشي في الأحياء السكنية، لأن هذه هي الخطوة الأولى كما أراها شخصيًا..