أفكار وآراء

سي آي أيه وتعطيل نشر الكتب والديمقراطية

13 يناير 2017
13 يناير 2017

ندا باكوس وجون نيكسون -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

نحن محللان سابقان بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه.) كنا خلال فترة خدمتنا، التي بلغت في مجموعها 23 سنة، مُطَّلِعَين على أسرار من شأنها أن تذهلك. ولن تسمعها منا أبدا. كما حصلنا على معلومات أخرى حسّاسة ولكنها ليست محظورة حول التعامل مع الإرهابيين والدكتاتوريين. لقد أردنا أن نعرضها على الناس ولكن الحكومة نصبت حواجز غير ضرورية في طريقنا. في العادة، يلتزم موظفو الوكالة طيلة ما تبقى من حياتهم بعرض مخطوطات كتبهم للوكالة قبل نشرها لضمان عدم الكشف دون قصد عن أي شيء محظور أو مصنف كجزء من أسرارها. نحن مع هذا الالتزام تماما. ولكننا كِلَيْنَا ندفع ثمنا يتجاوز كثيرا روح هذه الاتفاقية (يقصد الكاتبان اتفاقية السرية التي تتضمن هذا الالتزام. وهي الاتفاقية التي يوقعها كل ضباط الوكالة كشرط من شروط التوظيف عند بداية التحاقهم بالخدمة. ويتولى مجلس مراجعة المطبوعات بالوكالة بموجب هذه الاتفاقية الاطلاع مسبقا على المواد التي ينتجها أفراد الوكالة أو المتعاقدون معها سواء كانوا في الخدمة أو خارجها لتحديد ما إذا كانت تحتوي على معلومات محظورة يمكن أن تضر بالأمن القومي للولايات المتحدة، بحسب الموقع الإلكتروني للوكالة- المترجم.) لقد كتب كل منا كتابا لا ينتمي إلى جنس الأدب القصصي. ولكن مخطوطتي الكتابين ظلتا أسيرتين لبيروقراطية الوكالة لمدة 11 شهرا (كتاب جون نيكسون) وما يزيد عن 14 شهرا (كتاب ندا باكوس). لقد قررت المحاكم أن هذه الاتفاقية الموقعة (بين الوكالة وموظفيها) عقدٌ نافذ مدى الحياة شريطة أن تقتصر المراجعة على حذف المعلومات المحظورة وأن يسلم رد الوكالة للمؤلف المعني خلال 30 يوما من تقديم مخطوطة الكتاب (تقرر قيد الثلاثين يوما بواسطة المحكمة في قضية الولايات المتحدة ضد مارشيتي عام 1972). من شأن كتب مثل كتابينا أن تساعد في تعزيز المحاسبة التي تشكل عنصرا جوهريا في أي نظام ديمقراطي. ولكن نظام المراجعة معطوب. ومن المحزن أن تجربتنا تشكل نموذجا متكررا. فحتى الموظفون السابقون في الوكالة الذين يكتبون روايات أو قصصا قصيرة يقال لهم أن عليهم توقع مرور سنة أو أكثر قبل أن يسمعوا شيئا (يتعلق بالإفراج عن مخطوطاتهم.) كما أن ذلك لا يقتصر فقط على الموظفين الصغار. ففي عام 2014 كان مدير الوكالة ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا قد بلغ به الإحباط مبلغه تجاه عملية المراجعة المفرطة في تشددها لمذكراته إلى حد أنه أرسلها إلى الناشر قبل أن يحصل على الإذن بنشرها. وكان روبرت باير، وهو ضابط سابق بالوكالة ومعلق بالسي إن إن، يفكر في خوض انتخابات الكونجرس وتم إبلاغه دون لف أو دوران بواسطة مجلس مراجعة المطبوعات بالوكالة أنه سيراجع مسبقا كل بياناته المتعلقة بالحملة الانتخابية الأمر الذي جعل ترشحه شبه مستحيل. وقال لنا مايكل هايدن وهو جنرال حائز على أربعة نجوم وعمل مديرا للوكالة ووكالة الأمن القومي: «من المهم لمجتمع الاستخبارات الأمريكي أن يخرج إلى العلن بدقة ما يفعله. وليست هنالك طريقة أفضل لذلك من السماح للممتهنين بالتحدث بألفاظهم هم أنفسهم. باختصار إذا كانت الوكالة بحاجة إلى تخصيص المزيد من الموارد لإجراءات مجلس مراجعة المطبوعات فيجب أن تفعل. إنها مدينة بذلك للشعب الأمريكي وللضباط الذين يريدون الحصول على فرصة عادلة ليحكوا حكايتهم.» وحين يتلقى المؤلفون حقا ردا من المجلس فغالبا ما يكون المطلوب إجراء تعديلات مضحكة (في مخطوطة الكتاب.) وكان أحد مخضرمي الوكالة قد أُجْبِرَ بعد انتظار مديد على إجراء تعديلات كبرى في روايته (الأدبية) عن مصاصي دماء. وَوُجِّهَ آخر بعدم الكشف عن جنس ضابط مجهول قاد عملية ناجحة. فباستخدامه للضمير (المذكر هو أو المؤنث هي) في وصف الضابط المعني يكون قد قلص مجال تعقُّبه لنصف سكان كوكب الأرض. إن أولئك الذين يقدمون مخطوطات للموافقة على نشرها هم عموما ليسوا مبلّغين عن مخالفات أو رؤساء مشجعين للوكالة. إنهم ببساطة يعرضون تجربتهم كمساهمة للتوثيق التاريخي ومن أجل مساعدة الجمهور على فهم قضايا الأمن القومي الهامة. فبدون أصواتهم سيكون لزاما على القراء الاعتماد على روايات من مؤلفين يفتقرون إلى الاستبصارات التي يتيحها العمل في مجال الاستخبارات أو على المغرضين الذين لديهم أهداف سياسية (أيضا تشعر ندا كامرأة بالحاجة إلى تأليف كتاب عن الأمن القومي من منظور نسائي.) ولكن لماذا هي معطوبة عملية المراجعة؟ نعتقد أن ذلك يعود إلى ضعف الاهتمام بالتعامل مع المخطوطات وضآلة الموارد المخصصة لذلك. ولكننا نشك أيضا في أن هنالك مبالغة في ردود الأفعال تجاه وقائع مثل نكبة إدوارد سنودن. والحل ليس شيئا عويصا. فهو يشمل الاستفادة من ميزة التقنية الجديدة للمساعدة في مراجعة الكتابات القصيرة أو تقديم تحليل خاطف للوثائق الأكثر طولا إلى جانب تدبير التمويل لتعيين المزيد من الموظفين في المجلس. أيضا مطلوب معايير شاملة ومرنة من مدير الاستخبارات القومية واتفاقيات مبسطة بين الوكالات تحدد الوقت الذي تَرُدُّ فيه كل واحدة منها للوكالة التي تتقدم بطلب المراجعة وكذلك معايير واقعية حول ما يعتبر محظورا أو مؤذيا. لقد قال مستشار الأمن القومي السابق زيجنيو بريزنسكي مرة: «نحن بلد ديمقراطي. ولا يمكن أن تكون لنا سياسة خارجية جيدة إلا بمقدار ما يفهم الناس شؤون العالم.» إن الوكالة بتأجيلها الذي لا لزوم له لنشر الكتب كما في حالتنا تخسر فرصةً لتنوير الجمهور وصانعي السياسات على السواء حول ما يمكن وما لا يمكن أن تحققه الاستخبارات. كما أن دافعي الضرائب الأمريكيين الذي يمولون مجتمع الاستخبارات يفقدون الفرصة لمعرفة ما تفعله حكومتهم (وما لا تفعله) لحمايتهم من المهددات في الخارج.

•ندا باكوس محللة سابقة بوكالة الاستخبارات المركزية من المقرر نشر كتابها في يونيو تحت عنوان «محللة الأهداف: حياتي بوكالة السي آي أيه في مطاردة الأب الروحي لداعش». وجون نيكسون أيضا محلل سابق بوكالة السي آي أيه له كتاب بعنوان «استخلاص المعلومات من الرئيس: استجواب صدام حسين» من المقرر أن ينشر هذا الشهر. اطلع مجلس مراجعة المطبوعات بالوكالة على هذا المقال.