11
11
المنوعات

6: موجز تاريخ الزمن ـ ستيفن هاوكنجز

13 يناير 2017
13 يناير 2017

أعظم مائة كتاب غير أدبي:-

روبرت مكروم -

إعداد وترجمة: أحمد شافعي -

الفضول من أكثر سمات الإنسان جوهرية. وهناك سؤالان يبقيان معبرين عن فضول لا يرتوي ولا يكف عن تشكيل الوعي الإنساني، هما: من أين جئنا، وكيف وصلنا إلى هنا؟ واليوم حينما نتأمل موقعنا في الكون، يبقى الفضاء هو الحد الأقصى لنزوع البشرية إلى تأمل منشأها.في الشهر الماضي [وقد نشرت المقالة أصلا في مارس 2016]، وقع حدث في ركن قصي من كوننا، فذكَّرنا مرة أخرى بهذا الفضول اللازمني، وتصدَّر العناوين العالمية مؤكدا بصورة دراماتيكية على مفهوم كان أول من تنبأ به هو أينشتاين سنة 1915، ذلك هو مفهوم موجات الجاذبية.

هي ـ على حد تعبير نيويورك تايمز ـ «اهتزازة ضئيلة اكتشفتها تجربة فيزيائية غريبة» أجراها فريقان من العلماء الأمريكيين والألمان والبريطانيين، تغلبوا على عقبات لا تذلل فاتحين بتجربتهم «نافذة جديدة على الكون». فقد أعلن مرصد موجات الجاذبية (ليجو) عن اكتشاف إشارة إلى وجود موجات جاذبية ناجمة عن اصطدام واندماج ثقبين أسودين هائلين (هما نجمان منهاران) على بعد بليون سنة ضوئية.

ولعلنا لا نستوعب النطاق المدوخ لهذه البيانات إلا عندما نتذكر أن السنة الضوئية الواحدة تبلغ 5.88 ترليون ميل. فأهلا بكم إلى عالم ستيفن هاوكنجز.

حدث قبل فترة أقل قليلا، في سنة 1988 على وجه التحديد، أن رسَّخ هاوكنج مكانته بوصفه أحد أفضل العقول العلمية البريطانية في جيله بإصداره كتابه «موجز تاريخ الزمن»، وهو عبارة عن سرد بليغ مسلٍّ واضح لعلاقتنا بالكون. فضلا عن استعراضه جميع النظريات الكبرى للكون، من جاليليو إلى نيوتن إلى أينشتاين، كما انتهز هاوكنج الفرصة ـ وهو الذي كان معروفا بالفعل بأبحاثه المتعلقة بالثقوب السوداء ـ لاستكشاف وترويج بعض الأفكار والتكهنات المعاصرة المتعلقة بالفضاء والزمان. كما خصَّص الكاتب الفصول الأخيرة من كتابه «موجز تاريخ الزمن» لـ»الثقوب الدودية» و»المجرات اللولبية» وربما الأكثر إثارة للجدل وهو «نظرية الأوتار»، في سردية معقدة كانت أيضا بمثابة تخطيط سريع لهدف هاوكنج المتمثل في نظرية فيزيائية «كاملة متسقة موحدة».

كتب هاوكنج أن طموحه هو تيسير «النقاش للسؤال عن السبب في أننا والكون موجودون. لو عثرنا على جواب لهذا السؤال، سيكون النصر النهائي للعقل الإنساني، وحينئذ سوف نعرف عقل الإله».

ولعلكم تتساءلون ما النفع من هذا؟ ما المبرر حقا لوجود قسم من العلم على هذا القدر المغالي في التنظير، قسم مثل الفيزياء الفلكية لا يسهم في تحسين العالم المادي (فلا يثمر عن طائرات أكثر أمنا، أو سيارات أشد سرعة، أو غسالات أفضل أداء»؟ لكن علينا أن نعترف هنا بالأهمية الثقافية الهائلة ـ وإن تكن غير الملموسة ـ للبحث العلمي، لا سيما في مقدرته على تغيير نظرة البشرية لمكانها من الكون.

من يدري ما الذي قد تحققه تجربة الليجو أو «موجز تاريخ الزمن»؟ لكن لو أن لنا في التاريخ هدى، فبوسعنا القول إن التأثير سوف يكون عميقا على وعينا. ولعل أول التأثيرات المبدئية هو ذلك الذي يشير إليه زميلي في أوبزرفر روبين ماكاي في قوله إنه من «الواضح الآن أن علماء الفلك قد اخترعوا علم فلك جديدا: هو علم مراقبة موجات الجاذبية». فتجربة الليجو ـ وهي أقرب إلى الفتح العلمي ـ تنضم إلى تراث استثنائي من المساعي العلمية، إذ قال أحد العلماء المشاركين في التجربة إنها «تؤكد وجود نطاق من الثقوب السوداء الوسيطة التي كان لدينا شكوك نظرية حيالها. والآن تبددت تلك الشكوك. ونحن واقفون فعلا على أرض صلبة».

على مدار القرون، استطاع أرسطو وكوبرنيكوس وجاليليو ونيوتن وأينشتاين وكثير غيرهم ـ بتكلفة شخصية باهظة في الغالب ـ أن يغيروا من فهمنا للكون. ووفقا لحسابات هاوكنج المتباهية لمبيعات كتابه، نستنتج بسهولة أن هذا الكتاب أثَّر على عقول جيل كامل تأثيرا لم يحققه كثير من الكتب المعاصرة. فقد ترجم الكتاب إلى أربعين لغة، حسبما يكتب هاوكنج في مقدمة أحدث طبعات الكتاب الشعبية، وباع الكتاب «قرابة نسخة لكل 750 رجلا وامرأة وطفلا في العالم»، وليس هذا سيئا بالنسبة لكتاب يعترف هاوكنج نفسه بأريحية أنه لم يتوقع قط «أن يفعل شيئا من كل ما فعل».

من صفحته الأولى التي يكرر فيها الحكاية المزعومة عن العجوز التي قالت لبرتراند راسل إن «العالم مسطح ومحمول على ظهر سلحفاة عملاقة»، ينتوي هاوكنج أن يعلم وأن يمتع. يحكي ما يتردد عن سؤال عن برتراند راسل للعجوز بابتسامة ملتوية: «وعلام تقف السلحفاة»؟ وعن قول العجوز له «أنت شاطر أيها الفتى، شاطر فعلا، ولكنها سلاحف تحت بعضها حتى الأسفل».

والحق أن ما يلي ذلك ليس خيالا بل سرد شامل موجه للقارئ العام، يتناول فهم هاوكنج للمكان والزمان، والكون المتمدد، والفيزياء الجزيئية ونشأة الكون. وبعد قرابة ثلاثين عاما على صدور الكتاب، تراجع هاوكنج عن بعض أفكاره. وفي عام 1988، يبدو أنه وقع في غواية شبه روحية وفي 2011، تكلم بصراحة مؤيدا الفهم الإلحادي لنشأة الإنسان.

تتضافر حياة هاوكنج الشخصية وكفاحه البطولي مع المرض مع الاستقبال العالمي لكتابه موجز تاريخ الزمن وكثير من تكهناته التالية، وكأنما معاناته على نحو ما قد أرهفت إدراكه للكون وألغازه. أما بالنسبة للإعلام، فالطبيعة الإلهامية لأقواله، والشجاعة اللافتة التي يتحدى بها التنبؤات بوشوك موته، أضفت على بعض نظرياته وأفكاره طبيعة شبه صوفية. ولكن أبسط قراءة لـموجز تاريخ الزمن كفيلة بأن تكشف للقارئ أنه ما من شيء غريب أو غير مختبر في ما وراء هذا العمل الكلاسيكي المعاصر من ذكاء.

«هدفنا ليس أقل من أن نقدم وصفا كاملا للكون الذي نعيش فيه».