yesra
yesra
أعمدة

ربما : تعبت الأحزان !

11 يناير 2017
11 يناير 2017

د. يسرية آل جميل -

«احضنوا قلوبكم، وأيامَكم، وسلِّموا أمركُم لله و تخيَّلوا لو أني تغيرتُ قليلاً وأعتقتُ حُروفي من زنزانةِ الحُزنِ لوجهِ الله، فلم أحمّلها – كعادتي - ما لا طاقةَ لها به ولم أجرح بها قلوبكم الطاهرة، الحريصة على قراءتها كُل أسبوع. قلوبُكم التي تشبهني بعضها في بعض الشيء، تلك القلوب، التي أحبتْ بصدق، فخُذلَت بمنُتهى الصدق، فأعود بذاكرتها إلى الوراءِ قليلاً إلى حيثُ نسجَ العنكبوت خيوطه حولَ قصة، لعبَ الفراق فيها دور البطولة، بجدارة، فيبكي من يبكي، ويصمتُ - من شدةِ الألم - من يصمت، قررتُ أن أتجرَّد من أنانيتي، وأنحرُ على عتبة هذا المقال مُعاناتي، وأبرئ نفسي من جريمةِ وجعِ القلوب كل أسبوع، فهَل أستطيع ؟

دَعُوني أجرِّب، وإن نجحت، صفقوا لي كثيراً، فدونَ شكٍ التجربةٌ تتطلب استماتة مني، وهذه مُعادلة صعبة بالنسبةِ لي، فكيفَ لمجروحٍ، يتمزَّق، يتجمَّل، ويَضحك لمجُرد المُحاولة، وكأن الألم الذي يسكُنني، والأمر الذي يَهمُّني، لا يُعنيني، علماً بأنَّ ذكرى الألم، لا تُنسى أبداً، ولو جربت كُل المُستحيلات كي تنسى، لن تنسى، ومع ذلك، سأحاوِل .

سأحاول أن آوي إلى فِراشي مُبكراً جداً، أشربُ من يدِ أمي كأسَ الحليب، أقبِّل يدها، وتقبِّل رأسي ثمَّ أنام في حُضنِ (عروستي) كالصِغار، مُتناسيةً الأحداث، والناس، والشوق، والتفكير، طقوس الحُزن، وأوجاع الحنينْ، وأمنح نفسي فُرصة، لإغماضةٍ هانئةٍ هادئة قد تكون في حياتي، الأخيرة، أتحايلُ فيها على أحلامي، فأتخيل نفسي بثوبٍ أبيضٍ، يعتلي عرش قلبي أمير، لن يكون إلا لي وحدي!

سأجرِّب أن أستيقظَ باكراً، وأقنع نفسي حينَ أردد كُل الصباح، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم ، أن الخيرَ آتٍ فعلاً هذا اليوم، فلا أنباءَ تأتيني بفاجعةٍ مُرعبة، ولا رنين هاتفٍ يحمل لقلبيِ مُفاجئة تعصفُ به، ولا جريدةٍ تُكسبني أخبارها عادة البُكاء على أشلاءِ دمنا المسفوك في سوريا، بغداد، كُل أرجاء فلسطين. سأدَّعي أمامكم أني أسعدُ فتاةٍ في عُمان، في دُول الخليج، بل في الكُونِ كُلِّه، فلا آثار لبُكاء الأمس فوقِ خدي، ولا كُحلا يُلوِّن مَخدتي، ولا خناجر مغروسةٍ في ظهري، ولا ألسنة أسمعها: تقذفني، تشوهني، تُسيء إليَّ، سأحاول، لدرجةِ إقناعِ نفسي بأن الناس من حولي كُلهم مَلائكة، أنقياء، صادقينَ، بَررة، سأرسمُ ابتسامةً عريضةً فوقَ شفتي، ونظرةً مُتفائلة بالغد القادم، الذي لن يكون فيه مكان إلا للشرفاء، الذين لا يُمارسون فِعل الخيانة بحقِ قلب، أو عرضٍ ، أو وطنٍ بأكمله.

وأعدكم بشراء نظارةٍ جديدة، ترى الوجود من حولي جميلا، تميِّز بين الألوان، فالوردُ أحمر، والشجرُ أخضر وكُل ما تقعُ عيني عليه أبيض، كالسحاب، سأنتقي نظارة، تُضيء دربي، فأمشي، لا أتعثَّر، لا أسقط، لا أفسح لقطاع العمر مجالا، فتكثر سكاكينهم حولي، ويشمتُ بي الحاسدون. سأجرِّب أن أُشعِرَ قلبي بالأمان، أضمُّه إلى صدري، أحميه من ضعفي، انكساري، أحررهُ من ثوبِ الحُزن، أهمس له ولو كذباً بأن ( الدُنيا حُلوة )، وأن الحكاية إذا انتهت بفشل، بعدها حكاية جديدة، قد يكونُ ختامها مسك كالأفلامْ القديمة، فتتزوج البطَلة من (عُمر الشريف) وتعيشُ معه عزيزةً في قلبه عزيزةً بين قومه.

صدقوني سأحاول بكُلِ جديةٍ، وصدق، سآمرُ قلبي أن يفرح، وسأخترعُ لنفسي أبجديةً حروفها، تتراقصُ طرباً، رغم مرارة التجربة، وقساوةِ العذاب الذي ينتظر في آخر الطريق، سأنسلخُ من جِلدي، وأغطي ذاكرتي برداء النسيان، وأصارعُ نوبات الحنينْ، لكني لا أعدكُم بالنجاح، أو قدرة الإنسانة التي بداخلي على الاستمرار، لا أعلمُ الغيب، لكن الذي أعلمه حقَّ اليقين أن أشياءه مُلتصقة بي، برحمِ ذاكرتي، وبطنِ قلبي و عقلي وعيني، لا تُغادرني، عطره، مرآته، مِشطه، فُرشاة أسنانه، قميصهُ الذي ألقيتُه آلاف المرات على وجهي، فلمْ تأتيني البُشرى بعد. ومع ذلك، سأحاول، فلا شيء في الحياة يستحق، أن تموتَ فوق رصيفِ المَحطة، تنتظر شخصاً يأتي، وأنت تعلمْ أنه لن يأتي!

- إليه حيثما غاب:

حبيبي هيثم

احتفلنا أنا وإخوتك ليلة أمس بيوم ميلادك، كعادتنا في الاحتفال بصغير العائلة، آخر العنقود

أوجعنا مكانك الخالي، دعونا الله أن تكون في الفردوس الأعلى، مع شباب الجنة

من سيعوِّضنا غيابك، من لنا حينَ يختلي بنا الحُزن، ونبكيك، بدُونك؟