ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ : يقينا.. لن يكونوا على الرصيف!

10 يناير 2017
10 يناير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

مقطع صوتي وصلني من أحد الإخوة عبر خدمة الـ«واتس آب» أرخيت له السمع، فانقبض له القلب، وتصدعت بعده القناعات، فقناعاتنا –حول أشياء كثيرة– معرضة للتصدع في بعض المواقف، عندما تصدم بشيء يوازي قوة الحدث، فبقاؤها مرهون ببقاء الثوابت التي نؤمن بها، ونرى في بقائها بقاء الثوابت التي نؤمن بها، ونقيس عليها بعض المتغيرات، وفي كل هذه المواقف نحن مرهونون، أو مرتهنون على مادة شديدة الحساسية، وهي الشعور أو المشاعر، فمتى انتفضت هذه المشاعر، أو تضاربت فيما بينها، كما هي أمواج البحر، تؤثر يقينا على كثير من تصرفاتنا، وعلى كثير من قناعاتنا، وعلى كثير من مواقفنا بعد ذلك.

المقطع الصوتي فيه حوار قصير بين امرأة مسنة تعيش اليوم في دار للعجزة مخصص لمن قست عليهم مشاعر أبنائهم أو من يفترض أن يعزونهم، أو من كان الرصيف آخر محطاتهم في هذه الحياة القاسية بقساوة البعض ممن يعيشون فيها، وأجزم أن لا قساوة أكبر من أن يودع إنسان كبير في السن في دار عجزة حيث يتخلى عنه أقرب الناس إليه، ربما لا يدرك حجم هذه القسوة على النفس أكثر ممن يعيشونها وهم كثر، وأعدادهم تزداد مع التطور المادي؛ حيث يتوغل مفهوم الـ«رأس مالي» في النفوس بصورة مباشرة وغير مباشرة، وبصورة مقصودة أو غير مقصودة، فبعض مفاهيم الحياة الحديثة اليوم تأخذ طريقها إلى النفوس هكذا بصورة غير مباشرة لعوامل كثيرة، نحن نتعلل بها لأعذار أقبح من الذنب نفسه.

منذ فترة قرأت تحقيقًا في إحدى الصحف الصادرة من خارج السلطنة، وحمل التحقيق لقاء مع مسؤول دار عجزة في تلك الدولة، ومن ضمن ما قاله: أنه عندما يفتح الحارس بوابة الدار في الصباح الباكر، في أحيان عدة؛ يجد عجزة من الجنسين موضوعين بجانب بوابة الدار لا يعرفون أنفسهم، ولا من أتى بهم، ولماذا هم الآن هنا؟! في تلك الفترة التي قرأت فيها هذا التحقيق، كنت مع نفسي أحمد الله تعالى أننا في منأى عن الوصول إلى هذه المرحلة، لاعتبارات كثيرة، يأتي في مقدمتها اللحمة الاجتماعية التي نقيس عليها القدرة على صد أي تنازل قيمي من شأنه أن يحدث تصدعًا في هذه اللحمة، ولكن على ما يبدو أن المقاييس الإنسانية من الصعب الاحتكام إليها لفترة طويلة من الزمن؛ لأنها مرتبطة بفهم معنوي، أكثر منه مادي، ومعروف أن المفاهيم المعنوية غير قابلة للخلود، حيث تعتريها عوامل كثيرة تحدث فيها انشقاقات جوهرية بحكم القناعات التي يكون عليها الناس في لحظة زمنية ما؛ لا تلبث أن تتغير عندما تتأثر بعامل أقوى يغير من هذه القناعات، ومن هنا أتصور أن يأتي نظام التوثيق المادي لمختلف الأنشطة الإنسانية، وعدم الاتكال على الاتفاقات الشفوية التي يتوصل إليها الناس، أو القناعات التي يؤمنون بها في لحظة زمنية ما.

ولذلك ففي حالتنا هذه التي نتحدث عنها تبقى الرعاية الاجتماعية التي توفرها الدولة هي الملاذ الآمن والمستمر، «والحمولة الإنسانية» التي يروج لها وتسقط قيم المجتمع في داخلها يبدو أنها ليست عملية بالصورة التي يمكن الاتكاء عليها وجعلها قاعدة للحكم على ما سوف تؤول إليه هذه الحمولة مع مرور الأيام، فشكرا للجهة المعنية التي سخرت هذه الدار لكي تأوي إليها أفئدة المسنين الذين يقسوا عليهم أبناؤهم، وأقرباؤهم، وأرحامهم، وكان الله في عونهم، فاللهم أكرمنا برد الإحسان لمن أحسن إلينا من آبائنا، وأمهاتنا، وكل من له فضل علينا.