أفكار وآراء

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في موازنة 2017

10 يناير 2017
10 يناير 2017

جمال إمام -

الاستمرار في مراجعة وتخفيض الإنفاق العام وخاصة الإنفاق الاستهلاكي وغير الضروري ورفع كفاءة الإنفاق العام وضمان استدامته..

تنشيط الإيرادات غير النفطية والعمل على رفع مساهمتها في جملة الإيرادات الحكومية..

مع صدور الميزانية العامة للدولة في كل سنة مالية جديدة تتجه أنظار المحللين الاقتصاديين للأرقام التي تتضمنها هذه الميزانية وأوجه صرفها والفائض وتوقعات العجز ومستوياته وكيفية التمويل وغيرها من الجوانب المتعلقة بإعداد تقديرات الإيرادات والنفقات..

وهي نقاط جديرة بالاهتمام من جانب المحللين المالين وإن كانت ليست بالضرورة ضمن أولويات التحليل لدى المراقب المهتم بالأبعاد السياسية والاجتماعية وعلاقاتها أيضًا بنمو الاقتصاد الوطني والمتغيرات التي تؤثر في أن تكون الميزانية على النحو الذي تصدر به..

والواقع أن هذه المقدمة ضرورية لفهم هذه المتغيرات التي أثرت بقوة في الميزانية العامة للسلطنة لعام 2017 وأيضا الإشارات المهمة التي حملتها على نحو يجعلها تتسم بالواقعية والتوازن المالي بما يمثلانه كنقطة تحول نحو النزول بالعجز في الميزانية وتخفيضه، وهي خطوة تحسب في اتجاه إدارة تراجع العائدات النفطية..

وهي إشارة مهمة تعكس تطلعات قوية ومهمة نحو استمرار نجاح السلطنة في مواجهة تحديات أزمة تراجع أسعار النفط والمضي قدمًا في خطط التنموية والحفاظ على حقوق المواطن الاجتماعية وعدم المساس بدخله المادي.. والنقطة الأخيرة كانت واضحة ومباشرة وصريحة في أن الميزانية تضمنت استحقاق العلاوة الدورية بما يؤكد التزام الدولة بثمار التحولات الاجتماعية وضمان رفاهية المواطن، وهي مؤشرات مهمة أيضا على ترسيخ مفهوم أن التنمية هدفها المواطن، وهو أداتها وغايتها، حيث انحازت الميزانية تماما إلى صف المواطن ولم تمس رواتبه وصدرت متضمنة علاواته الدورية...

ما الذي ينبغي علينا الاهتمام به فيما يتصل بالمتغيرات والمناخ الذي صدرت فيه الميزانية العامة للسنة المالية الجيدة..

بالإضافة إلى ما سبق من إشارات عكست الميزانية الجديدة قدرة السلطنة على الإمساك بخيوط أزمة تراجع أسعار النفط وتقليل تداعياتها على التنمية وعلى المواطن على نحو أوجزته في نقاط بالغة الدقة والأهمية في مقدمتها..

• تأثر الميزانية العامة للدولة بشكل كبير بالانخفاض الحاد لأسعار النفط التي بدأ انخفاضها منذ منتصف عام 2014م وما زالت مستمرة وهي تدخل عامها الثالث..

حيث فقدت الخزينة العامة للدولة خلال عام 2016م ما يزيد عن (67%) من الإيرادات النفطية الذي شهد أدنى سعر متداول للنفط العُماني (وصل خلال شهر يناير إلى ما دون (24) دولارًا للبرميل) مقارنة بمستواها في عام 2014م وذلك على الرغم من ارتفاع الإنتاج

• انعكاس ذلك على الأداء الاقتصادي للسلطنة حيث انخفض الناتج المحلي بالأسعار الجارية خلال عام 2015م بنسبة (14%) مقارنة بمستواه في عام 2014م (من (31.2) إلى (26.8) مليار ريال عُماني)

ونظرًا لاستمرار انخفاض أسعار النفط فقد انخفض الناتج المحلي بالأسعار الجارية وفقًا للبيانات المعلنة حتى النصف الأول لعام 2016م بحوالي (11%) أيضًا..

ما الذي يستوقف المراقب عند هذه الإشارات التي أثرت بقوة في أرقام الميزانية العامة..

الإجابة الأهم عن هذا السؤال تكمن في السياسات المالية والاقتصادية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطنة فيما يتصل بالأدوات الضرورية لإدارة الأزمة وتطوير الاقتصاد وفتح آفاق جديدة للتنمية في ظل التحديات التي يفرضها تراجع الأسعار من خلال..

• ترشيد الإنفاق ورفع كفاءته والعودة به إلى مستويات قابلة للاستدامة والاستمرار في مراجعة الإيرادات غير النفطية بهدف زيادتها ورفع مساهمتها إلى إجمالي الإيرادات وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية والاستفادة من أية زيادة تتحقق في الإيرادات النفطية خلال العام لتغطية العجز المالي للميزانية وتعزيز الاحتياطيات، وهو نهج متبع خلال العامين الماضيين..

• توفير التمويل اللازم للإنفاق وتحقيق نتائج جيدة وذلك من خلال تطبيق حزمة من الإجراءات والسياسات التي كان لها أثر جيد أيضا في تقليل آثار انخفاض أسعار النفط على الأداء المالي والاقتصادي للدولة..

والواقع أن الاستثمار يمثل على المدى البعيد أهم الأدوات السحرية التي تتبناها السلطنة كخيار استراتيجي وليس لمجرد أن هناك تراجعًا في أسعار النفط وذلك في ضوء الجهود المبذولة لقيام مشاريع كبرى تعتمد على التقنية والحداثة فضلا عن توافر عوامل الأمن والاستقرار في البلاد.

• كما أن الخطط والسياسات المتنوعة المشار إليها وأبرزها ترشيد الإنفاق والتي تنفذها الحكومة علاوة على البرامج التي تشرف عليها الحكومة ومن بينها: برنامج «تنفيذ».. تعتبر جزءًا من إدارتها للأزمة وتخفيف تداعياتها..

كما أنه من الأهمية بمكان أيضًا النظر إلى المرونة في السياسات الخارجية التي اتجهت إلى دعم قرار الأوبك (والسلطنة ليست عضوًا في المنظمة) لإعادة التوازن للأسعار عامة في السوق النفطية مما كان له أكبر الأثر على معاودة الأسعار للارتفاع ومن ثم الأخذ في الاعتبار الزيادة المطردة في أسعاره حتى الآن..

بقيت نقطة مهمة تعكسها الميزانية العامة للدولة تتمثل في الأهداف البعيدة التي تستهدفها الدولة من خلال رؤية مستقبلية تتصل بالسياسات المالية والنقدية لذلك جاء إعداد تقديرات الإيرادات والنفقات وتوقعات العجز في ميزانية 2017م لتهدف لتحقيق أهداف الميزانية المباشرة وضمان الاستدامة المالية للدولة وتقليص المخاطر الاحتمالية، وهي من أهم من أهم الأهداف التي تسعى الميزانية إلى تحقيقها حتى لا تؤدى التصرفات المالية إلى توليد ضغوط على الموارد السيادية، وفي هذا السياق فإن المستويات المالية لموازنة 2017م فيما يتعلق بجانبي الإنفاق والإيرادات قد تم تقديرها بما يحقق..

تقليل عجز الموازنة العامة للدولة واحتواؤه ضمن المستويات الآمنة.

الاستمرار في مراجعة وتخفيض الإنفاق العام وخاصة الإنفاق الاستهلاكي وغير الضروري ورفع كفاءة الإنفاق العام وضمان استدامته..

تنشيط الإيرادات غير النفطية والعمل على رفع مساهمتها في جملة الإيرادات الحكومية..

تحفيز استثمارات القطاع الخاص لتحقيق معدلات النمو المستهدفة..

الحد من تنامي الدين العام والعمل على تخفيضه خلال السنوات القادمة..

وهي -كما نرى- جزء من استراتيجية بعيدة المدى تعمل بها السلطنة على محاور مختلفة ومتعددة وتراعي أيضًا المتغيرات التي تؤثر في إيراداتها وتعمل على تأمين مصادر بديلة لها .