المنوعات

هاشم الشامسي .. يغتسل بسرمد الرحيل

09 يناير 2017
09 يناير 2017

في إصدار جديد عن بيت الغشام -

عن مؤسسة بيت الغشام وبدعم من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء صدرت للشاعر هاشم الشامسي مجموعته الشعرية الثالثة «مغتسلا بسرمد الرحيل» حمل هذا الإصدار بين دفتيه عشرين قصيدة تنوعت ثيماتها بين حب الوطن والوصف والرثاء والعاطفة وتركزت في ثيمة الرحيل، حيث أصدر سابقا مجموعتين شعريتين «صمت القافلة والعابرون إلى الوهج البعيد»، كما أن له دراسة بحثية بعنوان سفر في وردة الغياب، التجليات الجمالية في شعر سماء عيسى.

تأتي مجموعته الشعرية «مغتسلا بسرمد الرحيل» استمرارا لثيمة الرحيل التي بدأها بمجموعتيه الشعريتين السابقتين، وتمثلت ذروة الرحيل في قصيدته التي جاءت بعنوان المجموعة راحلا بجسده وروحه مغتسلا بالغياب والحب متلمسا دربه وهو يرافق غيومه مستظلا بها كي تضيء طريقه و تمنحه بريقا من رعدها، ذلك الرحيل الذي ارتبط بوجود الإنسان في هذا الكون، المرتبط بالفرح والألم بالحزن والسعادة في الزمان والمكان والنفس والروح، تلك الثيمات التي تدلل على أن الوجود هو رحلة دائمة وأبدية يكون فيها الإنسان في حالة من التيه الوجودي وينعكس ذلك على سلوكه وتفكيره ومشاعره، ولذلك يعبر الإنسان عن هذا الرحيل بخياله الخصب من خلال القصص والأشعار والملاحم الأدبية مثل ملحمة أبو زيد الهلالي، جلجامش البابلية، أوديسا الإغريقية وقصة ابن طفيل عن حي بن يقظان، رسالة الغفران لأبي العلاء المعري.

ويظل الإنسان راحلا وهو يحمل تشظيات حياته التي يعبر عنها من خلال قلبه وروحه التي ستحدد مسار حياته وتضيء دربه.

تلك هي ثيمات الرحيل التي عبر عنها الشاعر هاشم الشامسي وهو يقول في قصيدته الافتتاحية «لي دربٌ»

أسيرُ وكأني في لُجّةِ البحر

تتلاطمُ أمواجُهُ أمامي

أتلمسُ دربي لعلّ الغيم

يمنحني بريقا من رعده

يرحل الشاعر وهو يعبر إلى الآفاق الأكثر رحابة ودفئا ومحبة وحنينا يحمل ثيمة الرحيل التي تتضح في كثير من مفردات أشعاره التي تصل ذروتها في قصيدته التي تحمل عنوان الكتاب وهي «مغتسلا بسرمد الرحيل» التي يقول في بعض أبياتها:

جئتُ مغتسلا بمياهِ الألمِ

حاملا رغيف أمي

وياسمين عشق طفولتي

وحكايات الأجدادِ

لم يكن ألمي

سوى نافذةِ عشقٍ

من ذُرى الروح

**

كانت الريح تعبر بي

دروب اليتم والألم

كانت الشمس تشرق

في قلبي

كما في قلوب العاشقين.

هكذا رسم الشاعر طريقه التي شكلت لونه وصوته الخاص وهويته التي حملها في أعماقه وبعده الإنساني والوطني ذلك ما يتضح في عدد من قصائده في حب الوطن التي جاءت في سياق هذه المجموعة الشعرية مثل قصيدته «وطن» وقصيدته «هبة الفجر في حب مدينة السيب» وقصيدته «الأم الرؤوم في حب عُمان» التي يقول في إحدى مقاطعها:

هل لي أن أعبرَ سديم سمائكِ ؟

من عتباتك العالية

نظرتِ لهم

من عهد سومر ومالك

وابن سعيد

عُمان غيمةٌ على صخرة الفؤاد تهطلُ

**

من إشرقة نُبلك

أو إشراقة شمسِكِ

أعانقُ جلال حُلمِك

خذيني إلى غيم اللبان الراقص

منذ سمهرم

يا قيثارة على القلوب تعزف

عُمان زنبقة الشوقِ الراجفة

في الفؤاد.

هذا الألق الشعري الذي يحملنا إليه الشاعر هاشم الشامسي بشعريته التي تتسم بجمال لغوي يحمل شحناتها الشعرية ودفقه الشعوري المنبعث من أعماق روحه وثقافته ومعارفه الشعرية.

تلك هي هويته الضاربة في أعماق طفولته وحساسيته الشعورية وروحه المتوهجة بما رسمته طفولته التي كان للبيئة دورها التي لم ينفصل عنها الشاعر هاشم الشامسي حيث يرحل بذكرياته إلى شجرة الطفولة التي لا زالت عالقة في أذهانه حيث يقول في قصيدته عن «الشجرة العتيقة».

آه يا ساحرتي الجميلة

اليوم وأنت شاحبةٌ وحزينةٌ

كشمسٍ غاربةٍ

هل كنت تدركين خيانة الريح

وهي تخطف الغيومَ

الماطرةَ من فوقكِ ؟

**

ها أنا في عقدي الخامس

أعود إليك يافرح طفولتي

لعلي أفوزُ برائحة حنين بعيدةٍ

وشقاوةِ طفولةٍ زهريةٍ.

في قصيدته «سفائن ابن ماجدٍ» يقف الشاعر وهو يرحل بجسده وروحه متأملا انكسار الموج وهي تلقي برضاب زهرها وتسكب بكاءها وتذرف دموعها بزفرات الأسى ذاهبة بها الريح وتقودها إلى حتفها الأخير وهي تغتسل بروحها لعل في انكسارها انعتاقا من آلامها الأبدية، يقول الشاعر وهو يخاطب البحر:

آه يا بحر قلبي

أموجُ الليلِ

تلفعني بشدة

ورياحُ الصمتِ تُعريني

*

في غسق الليل

تغسلني مياهُ العمر

بنشيج أزهارها الذاهبةِ للموتِ

*

لكن ابنُ ماجدٍ

مازال مشرعا سفائنهُ

في كل صباح

تفر من قلبه

أسرابٌ من طيور النوارس

فنار قلبه منارةٌ

تضيءُ عتمة البحارةِ.