المنوعات

مشروع كلمة يصدر «وجهتنا ... الأنظمة الدينامية مع هنري بوانكاري»

09 يناير 2017
09 يناير 2017

ضمن سلسلة «رحلات في الرياضيات»، أصدر مشروع «كلمة» للترجمة كتابا جديدا بعنوان: «وجهتنا ... الأنظمة الدينامية مع هنري بوانكاري» لمجموعة من المؤلفين تحت إشراف باحث الرياضيات أوريليان ألفاريز، تخليدا للذكرى المئوية لوفاة هنري بوانكاري الذي يعده البعض أعظم عالم رياضي في القرن التاسع عشر. وهو يدخل ضمن سلسلة مؤلفات خصصها مشروع «كلمة» لتقريب القارئ من تاريخ العلوم ومحطاته الأساسية. ومن خلالها يتابع مشروع كلمة استراتيجيته في ترجمة مؤلفات لا تكتفي بتبسيط النظريات العلمية وقضاياها الحساسة والمعاصرة، وإنما أيضا تضع القراء في صورة المحطات الاستكشافية الحاسمة في تطور الفكر العلمي.

يتناول الكتاب في الوقت نفسه جوانب من شخصية هنري بوانكاري وأعماله فيما يمكن أن نطلق عليه مصطلح البيوغرافيا العلمية التي تقرب القارئ في الآن ذاته من شخصية العالم وحياته، كما من تصوراته ونظرياته. إنه احتفاء بتاريخ العلم وتطوراته، وبعالم فرنسي وعالمي مميز كان إسهامه حاسما في تطور الأنظمة الدينامية.

يكشف الكتاب عن جانبين من حياة بوانكاري لم يتم التوقف عندهما في ما سبق، وهما جانب المثقف المنافح عن قضية آمن بها وطيدة الصلة بتصوره عن العلم وعلاقته بقضايا المجتمع، والمقصود هنا الدور الهام والحاسم الذي اضطلع به في قضية الضابط دريفوس، في فترة يخبرنا الكتاب أنها شهدت ولادة مفهوم المثقف بوصفه فاعلا جديدا في المجالين الاجتماعي والسياسي، وهو ما يطرح سؤال التقاطع بين العلم والمجتمع، والعلاقات بين الممارسات العلمية والوعي المواطن، وحول مكانة العلم داخل البلدان الديمقراطية، وميل العلماء إلى التدخل في القضايا الاجتماعية، وأيضا حول أخلاقيات العالم واستقلالية العلم. إنه جانب مهم يوضح بالملموس كيف يكون العالم منفتحا على محيطه الاجتماعي والثقافي والسياسي، وكيف يمارس تدخله بشكل حاسم إزاء القضايا العادلة التي تخترق مجتمعه.

وإلى جانب صورة هنري بوانكاري المثقف يجعلنا الكتاب نستمع إلى بوانكاري وهو مستلق على أريكة أحد علماء النفس المرموقين في تلك الفترة، في نوع من الرحلة الداخلية الاستبطانية بهدف تبين الحدود الفاصلة والواصلة بين العصاب والعبقرية، في عملية أماطت اللثام من منظور مبتكر عن جوانب هامة من شخصية بوانكاري وشهرته في مطلع القرن العشرين، وخاصة عدم تردده في قبول الخضوع لمشرحة علماء النفس وأدواتهم التحليلية.

ومن علم النفس وقضايا السياسة والمجتمع ننتقل إلى لعبة لم نكن نتوقع أن تجد لها مكانا في كتب الفيزياء وعلم الرياضيات، وهي لعبة البلياردو التي يفرد لها الكتاب حيزا هاما انطلاقا من سؤال يطالعنا في أحد فصوله: «هل تعرفون سر السحر الخاص الذي تمارسه لعبة البلياردو على علماء الرياضيات؟». والجواب الذي نعثر عليه في ثنايا فصلين مخصصين لهذه اللعبة في علاقتها بالنظام الدينامي وطريقة اشتغاله في مختلف الأبعاد يتمثل في كون هذه اللعبة مثالا غنيا للأنظمة الدينامية التي تدرس أيضا مسائل من الميكانيكا السماوية، ومنها خاصة مسألة الأجسام الثلاثة، انطلاقا من سؤال يجمع بين النظامين: هل يمكن توقع موقع ارتدادات كرة للعبة البلياردو، وأيضا موقع الأرض بعد مئات الآلاف من السنين؟ ليس عالم الرياضيات شخصا يزعم القدرة على التنبؤ بالغيب، ولكنه يطرح الأسئلة ويصوغ الفرضيات والمبرهنات، وهو ما سنكتشفه في رحلتنا داخل الرياضيات برفقة هنري بوانكاري.