الملف السياسي

تحقيق الأهداف بين الواقع و الطموح

09 يناير 2017
09 يناير 2017

د. محمد رياض حمزة -

استعرض بيان وزارة المالية الصادر في 1/‏1/‏2017م موازنة السلطنة للسنة المالية 2017، وحدد الأهداف العامة للموازنة بالاستدامة المالية للدولة وتقليص المخاطر الاحتمالية.

وهما من أهم الأهداف التي تسعى الموازنة إلى تحقيقها حتى لا تؤدي التصرفات المالية إلى توليد ضغوط على الموارد السيادية، وفي هذا السياق فإن المستويات المالية لموازنة 2017م فيما يتعلق بجانبي الإنفاق والإيرادات قد تم تقديرها بما يحقق تقليل عجز الموازنة العامة للدولة واحتواءه ضمن المستويات الآمنة والاستمرار في مراجعة وتخفيض الإنفاق العام وخاصة الإنفاق الاستهلاكي وغير الضروري ورفع كفاءة الإنفاق العام وضمان استدامته وتنشيط الإيرادات غير النفطية والعمل على رفع مساهمتها في جملة الإيرادات الحكومية وتحفيز استثمارات القطاع الخاص لتحقيق معدلات النمو المستهدفة والحد من تنامي الدين العام والعمل على تخفيضه خلال السنوات المقبلة والتركيز على الاقتراض الخارجي لتمويل المشروعات الإنمائية وتمويل متطلبات الموازنة.

ويأتي البرنامج العُماني «تنفيذ» كآلية عمل لتحقيق أهداف (خطة التنمية الخمسية التاسعة 2016 - 2020) وذلك من خلال تصحيح أبرز أوجه القصور في بيئة الاقتصاد، والتغلب على العوائق التي تحول دون تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي، ونمو حجم الاقتصاد العماني، بما في ذلك إجراء التعديلات اللازمة على القوانين واللوائح، وتحديد الأولويات، وتوفير التمويل اللازم للمشاريع، والاتفاق على المهام والمسؤوليات ومواعيد الإنجاز، وصولاً إلى زيادة الناتج الإجمالي المحلي، وتعزيز استثمارات رؤوس الأموال، وتوفير فرص وظيفية للمواطنين، وجعل القطاعات المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة بديلاً فاعلاً عن الاعتماد شبه الكلي على النفط. ويعمل برنامج «تنفيذ» على صياغة آلية عمل واضحة المعالم ووفق جدول زمني محدد، ومؤشرات لقياس الأداء، يبدأ تطبيقها مع مطلع 2017.

برنامج «تنفيذ» سيتناول في مرحلته الأولى ثلاثة من القطاعات الخمسة الواعدة المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة، وهي (قطاع الصناعات التحويلية، وقطاع اللوجستيات، وقطاع السياحة)، بالإضافة للقطاعات الداعمة وهي (المالية والتمويل المبتكر، وسوق العمل والتشغيل). وفي مرحلة لاحقة سيتم تناول ( قطاعي التعدين، والثروة السمكية)، وذلك من أجل الوصول إلى الهدف الوطني من برنامج «تنفيذ» والذي يتلخص بزيادة إجـمــالي الناتـج المـحلي مـن القــطاعات الخمسة المستهدفة بنهاية الخطة الخمسية التاسعة (2020-2016)، وزيادة الاستثمارات الخاصة وتوفير فرص عمل جديدة وجاذبة للعمانيين.

تعكس تفاصل برنامج «تنفيذ» المنهجية العلمية في التخطيط والجدية في العمل على استدامة تنمية الاقتصاد الوطني الذي بقي رهنا لعوائد صادرات النفط خلال ثماني خطط تنموية مضت. وتنفيذ مشاريع كبرى في قطاعات حيوية. وإن من المؤكد أن الجهات العمانية التي ستناط بها مسؤولية التنفيذ والمتابعة والتقييم على بيّنة مما يأتي:

ـــــ إن من المسلمات الاقتصادية أن أيا من المشاريع الإنتاجية والخدمية يجب أن يسبق تنفيذها دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية للتحقق من توفر المستلزمات المالية والمادية والبشرية في مراحل التنفيذ، ثم المرحلة الأهم التسويق، أي ضمان الطلب المحلي والخارجي على منتجات المشروع الصناعي أو الخدمي اللوجستي.

وبما أن سوق السلطنة المحلي محدود فيتطلب الترويج لمنتجات مشاريع الصناعات التحويلية أو اللوجستية في أسواق خارج السلطنة. فنجاح اقتصادات الدول الناشئة تتحقق إما بسوق محلي واسع مُكونه عدد كبير من السكان بقوة شرائية فعالة وفي ذلك ضمانة لقوة الطلب المحلي المستدام على منتجات تلك المشاريع. أو بوجود منافذ تسويق خارجية تُصدَّر لها منتجات تلك المشاريع. فإن أخذنا نجاح ماليزيا مثلا فإن انطلاقة الاقتصاد الماليزي قوامها سوق محلي من 30 مليون نسمة في ثمانينات القرن الماضي وما يقرب من 40 مليون نسمة الآن. كما أن عددا من الشركات اليابانية والأوروبية الكبرى نقلت العديد من مشاريعها الصناعية إلى ماليزيا وساهمت في تسويق منتجاتها محليا وعالميا.

البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» بمراحله كافة يطرح عدد من التساؤلات:

ــــ من الذي سينفذ المشاريع الواعدة الكبيرة في (الصناعات التحويلية، واللوجستيات، والسياحة)، ثم (التعدين، والثروة السمكية) هل القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أم كلا القطاعين من خلال شركة حقيقية؟

جدير بالذكر أن معظم المشاريع الكبرى القائمة الآن هي مشاريع بتمويل وإدارة القطاع الحكومي مثل مشاريع الدقم وصحار والمطارات. أما القطاع الخاص العماني فظل ينشط في التجارة والإنشاءات وبعض الصناعات، وأن مساهماته محدودة في تنفيذ المشاريع الكبرى. وسواء كان المنفذ القطاع الحكومي أو الخاص.

ـــــ يعتبر التمويل العامل الأهم في تنفيذ مشاريع التنويع الإستراتيجية. وفي ضوء موارد السلطنة من صادرات النفط والغاز فإن تلك المشاريع العملاقة المخطط لتنفيذها سيحتاج تنفيذها لرؤوس أموال تقدر بالمليارات. فإن وُضِعت الاستثمارات الخارجية كممول محتمل لتلك المشاريع، فلابد من تشريع قوانين للاستثمارات الأجنبية.

ـــــ يعتبر توَفّر الموارد البشرية الوطنية ذات التأهيل والخبرة على جانب كبير من الأهمية لتولي إدارة تنفيذ تلك المشاريع سواء من قبل شركات وطنية أو أجنبية.

ـــــ التمويل يعتبر العامل الأهم في تنفيذ مشاريع التنويع الاستراتيجية. وفي ضوء متغيرات أسواق النفط العالمية واستنادا إلى معظم التوقعات فإن أسعار النفط ربما ستبقى تناور بين 55 إلى 60 دولارا للبرميل خلال عام 2017.

فإن تنفيذ مشاريع برنامج التنويع الاقتصادي يحتاج إلى جذب الاستثمارات الخارجية لتمويل تلك المشاريع. إذ إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتطلع إلى التشريعات الضامنة لرؤوس أموالها.

ووضع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) -الذي يقوم على إعداد تقرير سنوي عن حالة الاستثمار في العالم- حدا أدنى للحصة الواجب تملكها في رأس مال الشركات الأجنبية (10% أو أكثر)، من أجل التمييز بين الاستثمارات التي تعد أجنبية مباشرة وما يعرف بالاستثمارات الحافظة (أقل من 10%).

وتوجد العديد من المحددات التي تؤطر قرارات المستثمرين، وتدفع بهم إلى اختيار وجهة دون غيرها لاستثماراتهم. ومن هذه المحددات يأتي الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والسلم الأهلي، والتحكم في معدل التضخم، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية حول حماية الاستثمارات الأجنبية والالتزام بمقرراتها، واستقلالية الجهاز القضائي عن السلطة التنفيذية، وجودة مناخ الأعمال والبيئة المؤسسية، ومدى تطور القوانين المتعلقة بالشركات والضرائب وسوق العمل وملاءمتها، ووضوح السياسات الاقتصادية المتبعة في مجالات التجارة الخارجية، والنقد، والائتمان، وسعر الصرف، والحوافز الحكومية من أجل تشجيع الاستثمار بشكل عام والاستثمار الأجنبي المباشر على وجه خاص، وجودة وتكامل البنية الأساسية (شبكة الطرق والاتصالات، الموانئ والمطارات، الربط بشبكة الكهرباء، المناطق الصناعية...) وحجم السوق الداخلية، ومستوى الدخل الفردي، ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي،وتوفر الموارد الطبيعية والسلع الأولية أو الوسيطة ومصادر الطاقة، وبتكلفة تنافسية، إلى جانب توفر الموارد البشرية الماهرة واليد العاملة الرخيصة، وحجم سوق الأوراق المالية وعدد الشركات المدرجة، إضافة إلى وجود برامج خصخصة للشركات العمومية.