abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش .. ومـتون : رحلة عظيمة

07 يناير 2017
07 يناير 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

خلال حضوري عرض الليلة الأخيرة من عام2016م الذي قدّمته دار الأوبرا السلطانية مسقط، «حفل برودواي مع سيمون كينليسايد» لاحظت تحويرات واسعة بباحة الميدان المفتوحة، تضمّنت نصب مقاعد، ومنصّات، ومدّ أسلاك توصيل كهربائيّة، وعلمت أن العرض القادم سيقام في تلك الساحة، بمناسبة مرور خمس سنوات على افتتاح الدار، التي أنشئت لتكون حاضنة لثقافات العالم، وساحة للتقارب الإنساني، والعرض من إنتاجها، ويقام بالتعاون مع مجموعة «ناماستي « بقيادة المخرج الإيطالي الشهير «باولو دالا سيغا»، وتحت عنوان «احتفالات عمان: الرحلة العظيمة»، لذا وضعت حضوره من ضمن برامجي، فكان لي ذلك.

و تجنّبا للزحمة في المنطقة المحيطة بالدار، كنت قبل الموعد المحدّد للعرض الأوّل بأكثر من ساعة هناك، وكما توقّع الكثيرون، امتلأت المقاعد قبل بدء العرض الذي استغرق تسعين دقيقة متواصلة، من المتعة، والجمال، إذ تداخل، خلاله، الابهار البصري، من خلال مشاهد الرقص في الفضاء على الحبال، وعلى الأرض إذ قدّمت ثلاث فرق عدّة فقرات، في الرقص، والألعاب البهلوانية، ورسمت الإضاءة أشكالا مختلفة على الجدران، أما الإبهار السمعي، فقد تجسّد في العزف الحيّ لفرقة التخت من جمعيّة هواة العود، وفرقة نجوم جعلان التي قدّمت عددا من الأغاني الشعبيّة، وقدم الفنان أيمن الناصر أغنية منفردة، وكان الراوي« عصام الزدجالي، والراوية«رشا بنت شنون البلوشية» يسردان الحكاية التي تألّفت من ثماني لوحات كتبها شعرا الدكتور صالح الفهدي:

هذا كتابك سفر المجد للسير

وآية الدهر للإكبار والأثر

يتلوك سورة إجلال ومفخرة

وضّاحة بصحاف الفضل كالغرر

في مشرق الدهر حيث القوم قد وردوا

ينبوعك العذب بعد النأي والكدر

ألفوك روضة عز طاب قائلها

فتوّجوك كخيل السبق بالظفر

وتحدّثت اللوحة الأولى عن تاريخ وجغرافية عمان، فيما صوّرت اللوحة الثانية التي حملت عنوان «بخور اللبان» أهميّة شجرة اللبان في العصور القديمة، واستخدامات اللبان المتعدّدة، وحين أحرق البخور فاحت رائحته في المكان، وفي اللوحة الثالثة حلّقت السفن العمانيّة في الفضاء لتمخر عباب البحار، لتروي العديد من المغامرات البحرية من خلال مشاهد دراميّة عُزّزت بالموسيقى، والرقصات، والمبارزات، والصور، أما الرابعة، فقد نقلتنا عبر طريق الحرير في رحلة تحدثت عن الطريق الذي كان بمثابة همزة وصل حضاريّة بين الشرق الأقصى والأوسط، وغرب البحر الأبيض المتوسط، فاستعرضت اللوحة عبر الموسيقى والرقصات مختلف الثقافات التي كان يمر بها طريق الحرير، ورقص السيف في اللوحة الخامسة، وقبل بدء رقصته ظهر قطيع من المها تتناطح مع بعضها، قبل أن تلمع نصال السيوف، ويسبح الراقصون في الهواء، ونصل في السادسة إلى زمن النهضة ومسيرة النهضة المباركة، وأطل شعار عمان، من السماء، بسيفيه المتقاطعين والتاج، لترفرف الأعلام، وتنطلق الرحلة إلى المستقبل الوضّاء الذي جسّدته مسيرة الأطفال، وكانت فوق رؤوسهم تحلّق كرة طائرة في إشارة رمزيّة إلى السلام الذي أصبحت عمان واحته، وفي اللوحة الختاميّة كانت الكلمة الأخيرة للفنون التي تقرّب بين شعوب العالم، وتوّجت اللوحة بأغنية من أوبرا «توراندوت» لبوتشيني هي «لا أحد ينام» غنّاها التينور جانكارلو مونسالفي، من فوق سطح الدار، لتختتم بالألعاب الناريّة، فيما انتشر المشاركون بالعرض في الساحة ليتعالى تصفيق الجمهور.

ومما يحسب للعرض الذي شارك به أكثر من مائة شخص، و أربعين طفلاً، وأكثر من ثلاثين عازفاً وموسيقياً عمانياً، وثلاثة من إبل الهجانة السلطانية، إنّ المخرج استثمر المكان، باحة الميدان المفتوحة، بشكل جيّد، وشمل محيطها بكلّ مكوّناته: الفضاء، الجدران، الجوانب، السطح، ورغم أنّ الراوي والراوية كانا في مكان ثابت إلّا أنّ المخرج حرّك المجاميع بأكثر من اتّجاه، ليوزّع أنظار الجمهور، ولا يجعله ثابتا عند نقطة معيّنة، فأوجد حالة من التفاعل، والحيويّة، وطرد الملل، رغم تكرار بعض الرقصات على الحبال، وكانت حركة رأس المتلقي تنتقل مع المشهد المتحرّك، الذي يسلّم النظر إلى مشهد آخر في زاوية أخرى في عرض جعلنا نشعر أنّ دار الأوبرا ليست فقط الحيّز المبني في الداخل، حيث تقدّم العروض على مسرحها، بل أنّ الأوبرا، إلى جانب موجودات الداخل، هي المحيط، الذي يشكّل ذراعا جماليّا لها، يمكن الاستفادة منه ليس فقط في المناسبات الوطنيّة، كما تابعنا، بل بتقديم عروض دراميّة، وموسيقيّة، وأوبريتات كما رأينا في «الرحلة العظيمة».