أفكار وآراء

قراءة في موازنة 2017

07 يناير 2017
07 يناير 2017

سالم بن سيف العبدلي -

استطاعت السلطنة أن تجتاز مرحلة عصيبة وصعبة للغاية خلال العام المنصرم وقد عبرت تلك المرحلة بسلام ولله الحمد ونستطيع القول إن عام 2016 كان من أصعب الأعوام من الناحية المالية والاقتصادية حيث إن أسعار النفط انخفضت الى دون المستوى ووصل سعر البرميل الى أقل من 30 دولارا، وقد خابت كل التحليلات والتنبؤات التي كانت تتوقع أن السلطنة وبعض دول المنطقة لن تستطيع حتى دفع رواتب موظفيها بل إن بعض التقارير المتشائمة قد أشارت الى أكثر من ذلك، وان كانت هذه الأزمة والتي لا زلنا نعيشها هي في حد ذاتها ضرورية أحيانا من اجل التنبيه وإضاءة شارة الخطر لمتخذي القرار وواضعي السياسات.

الأزمة المالية الحالية هي بمثابة اختبار ودرس للجميع ينبغي التعلم منها والاستفادة من تبعاتها خلال الفترة القادمة وان كنا لم نتعلم من دروس الماضي ومن الأزمات الاقتصادية السابقة التي ظهرت أواخر الثمانينات وتكررت في أواخر التسعينات من القرن الماضي إلا أن هذه الأزمة كفيلة بأن نأخذ منها العبر والدروس فاعتمادنا على مصدر وحيد للدخل جعل اقتصادنا الوطني في وضع حرج.

صدر المرسوم السلطاني رقم (1/‏‏‏‏2017) بشأن التصديق على الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2017 في موعده وبدون تأخير كما هي العادة في كل عام وحسب بيان وزارة المالية فإن جملة الإيرادات المقدرة للموازنة العامة للدولة لعام 2017 بلغت نحو 8 مليارات و700 مليون ريال عماني، وقد تم احتسابها على أساس سعر النفط 45 دولارًا أمريكيًا للبرميل بزيادة تبلغ 18 بالمائة عن الإيرادات الفعلية المتوقعة لعام 2016م.

قدر إجمالي الإنفاق العام بنحو 11 مليارًا و(700) مليون ريال عماني بانخفاض قدره (200) مليون ريال عماني عن الإنفاق المقدر لعام 2016م وهنا ينبغي أن نتوقف قليلا عند هذه المعادلة والتي توازن بين الإيرادات والمصروفات حيث نجد أن كفة الميزان تميل نحو الإنفاق مما يعني أن هذا العام أيضا سوف يكون صعبا فمن المتوقع أن يستمر ويتراكم العجز والذي يقدر بنحو 3 مليارات ريال عماني في الموازنة أي ما نسبته (35) بالمائة من الإيرادات العامة و(12) بالمائة من الناتج المحلي.

البيان أشار الى إنه سيتم تمويل نسبة 84 بالمائة من العجز المقدر في موازنة عام 2017م أي بمبلغ 2.5 مليار ريال عُماني من خلال الاقتراض الخارجي والمحلي بينما سيتم تمويل باقي العجز والمقدر بنحو 500 مليون ريال عُماني من خلال السحب من الاحتياطيات وطبعا كلا الأداتين ستؤثران على الاقتصاد الوطني خاصة على المدى الطويل فخدمة الدَين العام تنهكك الموازنات، فالدول التي اعتمدت على القروض أصبحت تحت رحمة المؤسسات والهيئات الدائنة كذلك السحب من الاحتياطي العام للدولة فيه مخاطر كثيرة خاصة إذا ما تجاوز الحد المعين ونحن نعلم أن استثمارات صندوق الاحتياطي للدولة محدودة مقارنة بالصناديق السيادية في دول الجوار.

هناك وسائل وإجراءات أخرى اعتمدتها الموازنة الجديدة من اجل معادلة الإيرادات بالمصروفات من أهمها تعديل قانون ضريبة الدخل والمتوقع صدوره هذا العام وتطبيق الضريبة الانتقائية على بعض السلع كالتبغ والكحول وغيرها من السلع غير الأساسية ونعتقد أن هذه خطوة جيدة، كما تم تعديل رسوم بعض التراخيص وتطبيق الضريبة المعدلة لكبار مستهلكي الكهرباء للاستخدامات الصناعية والتجارية ونقول رغم أهمية هذه الإجراءات إلا أنها تظل غير كافية ما لم يتبعها إجراءات أخرى، كما ينبغي فرض ضريبة محددة على تحويلات الأجانب والتي تتجاوز 3 مليارات ريال سنويا.

وأخيرا لا بد من البحث عن أوعية استثمارية أخرى وإعادة النظر في التخطيط للمستقبل وهذا لن يتم كما ذكرنا في مقالات سابقة إلا من خلال إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وضخ دماء جديدة شابة تستطيع أن تتكيف مع هذا الوضع وتستشرف المستقبل برؤية واضحة، كما أن الارتفاع المتوقع لأسعار النفط هذا العام ينبغي أن لا يثنينا عن المطالبة بالتعديل والإصلاح.

لا بد من تطبيق الرقابة المالية والإدارية على الجميع، بحيث تتم محاسبة كل من يحاول المساس بالمال العام واستخدامه للأغراض الشخصية، وكما ينبغي التدقيق ومراجعة بعض المناقصات التي يتم طرحها بين الفترة والأخرى والتي أحيانا تكون أرقامها فلكية وتثير تساؤلات الشارع، وفيما يخص الصرف على التعليم والصحة والتي لا زالت تشكل نسبة كبيرة فلا بد من دراسة تخصيص هذه القطاعات مع مراعاة أن لا يكون ذلك على حساب المواطن البسيط، والخطوة التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم لدراسة تخصيص بعض المدارس خطوة جيدة إلا أنها ينبغي أن تدرس جميع النواحي قبل اتخاذ القرار وقد سبق وان كتبنا حول تخصيص التعليم من أجل تجويده.