أفكار وآراء

توقعات الطلب على النفط

07 يناير 2017
07 يناير 2017

حيدر بن عبد الرضا اللواتي -

بدأت شركات الطاقة الأمريكية بزيادة عدد منصات الحفر النفطية للأسبوع العاشر على التوالي في إطار التعافي الذي بدأ يصيب أسعار النفط منذ الاتفاق الأخير لمنظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) بجنيف في نوفمبر 2016. وعلى أساس ذلك التزمت الدول المصدرة للنفط داخل وخارج المنظمة لهذا الاتفاق الذي يرمي إلى تحسين أسعار النفط التي تراجعت بصورة كبيرة منذ منتصف عام 2014. وتشير الأنباء الواردة من شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة أن شركات الحفر زادت عدد المنصات النفطية بواقع 4 منصات في الأسبوع الأول من الشهر الحالي ليرتفع إجمالي عدد منصات الحفر إلى 529 منصة وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2015.

وقد أدى تحسن أسعار النفط إلى بعض التحسن في ميزانيات الدول المنتجة والمصدرة للنفط في المنطقة، والتي ترمي إلى السير قدما في الالتزامات التي تقع عليها تجاه البنود المالية التي سجلت عجوزات كبيرة في الموازنات المالية خلال السنتين الماضيتين، الأمر الذي تطلب الاستعانة بالاحتياطيات المالية التي تملكها هذه الدول لمواجهة المتطلبات تجاه مختلف الالتزامات المالية. كما اتخذت عددا من الإجراءات لدعم البنود المالية لها، بالإضافة إلى تخصيص موازنات مالية أخرى لتجديد وإنتاج واستخراج مزيد من النفط والغاز بتقنيات جديدة خلال السنوات المقبلة نتيجة للطلب المتوقع على هذه الطاقة التقليدية.

وفي هذا الصدد يتوقع بعض خبراء النفط أن يتجاوز سعر برميل النفط ٦٠ دولاراً في النصف الثاني من العام الجاري 2017 مدعوماً بتوقعات صندوق النقد الدولي وعدد من البنوك العالمية الكبرى بارتفاع نمو الاقتصاد العالمي بين 2.5% و3% خلال هذا العام، في الوقت الذي يتوقع بأن يحقق الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب وعوده التي أطلقها في حملته الانتخابية بتخصيص 500 مليار دولار لتجديد وصيانة البنية التحتية للولايات المتحدة، والذي سيرفع الطلب الأمريكي على النفط ومشتقاته بالتوازي مع نمو الاقتصاد الأمريكي. كما أن كلا من الاقتصاد الهندي والصيني مستمران في الطلب على النفط، وهما على وشك انطلاقة نمو أخرى خلال السنتين القادمتين، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط، وترجيح ارتفاع أسعاره تدريجيا. ويرى الخبراء أنه كلما كان خفض إنتاج النفط من الدول المعروفة داخل وخارج اوبك كبيرا، فإن ذلك سوف يحدث فرقاً في العرض العالمي خاصة من قبل دول كالسعودية وروسيا والعراق والإمارات ونيجيريا وإيران، باعتبار أن بعض الدول خارج أوبك لا توثر كثيرا في عملية الخفض المطلوبة، ولكن لها تأثير معنوي على الالتزام بالتخفيض، ودعم أسعار النفط بتحسنها على مدى الفترات المقبلة. وقد رأينا مؤخرا أن أسعار النفط ارتفعت مدعومة بأنباء بأن السعودية خفضت إنتاجها النفطي للوفاء باتفاق أوبك لخفض الإنتاج بعد أن كانت هبطت بفعل بيانات أظهرت زيادة ضخمة مفاجئة في مخزونات الوقود ونواتج التقطير الأمريكية. وكانت السعودية قد أعلنت عن خفض إنتاجها النفطي في يناير الحالي بما لا يقل عن 486 ألف برميل أي إلى 10.058 مليون برميل يوميا منفذة بشكل كامل اتفاق منظمة أوبك لخفض الإنتاج. كما أظهر مسح أجرته لرويترز يوم الخميس الماضي أن إنتاج دول أوبك هبط 200 ألف برميل يوميا في ديسمبر 2016 بقيادة نيجيريا والسعودية.

وقالت مصادر إن أرامكو السعودية بدأت محادثات مع الزبائن في أرجاء العالم حول تخفيضات محتملة تتراوح من 3 إلى 7% في شحنات الخام لشهر فبراير 2017 في إطار سعيها لتنفيذ الاتفاق لكبح الإنتاج العالمي من النفط. كما أكدت الكويت من جانبها أيضا بأنها قلصت إنتاج النفط في يناير الحالي إلى نحو 2.707 ملايين برميل يوميا لتصل إلى المستوى المستهدف لإنتاجها في إطار اتفاق المنظمة على خفض الإمدادات، حيث إنه وفق الاتفاق فان تقليص الإنتاج الكويتي سيكون بواقع 131 ألف برميل يوميا اعتبارا من الأول من يناير بعدما بلغ 2.838 مليون برميل يوميا. وبذلك انضمت الكويت للسعودية في تقليص الإنتاج في الوقت من المقرر أن تجتمع لجنة مخولة بمراقبة تنفيذ الاتفاق العالمي الخاص بتقليص الإنتاج في فيينا يومي 21 و22 من الشهر الحالي لمناقشة آلية مراقبة الالتزام بالاتفاق حيث لم تتوافر بيانات مؤكدة للإنتاج بعد. كما بدأ العراق أيضا بتنفيذ إجراءات لتقليص إنتاج النفط التزاما بقرار المنظمة الذي نص على تطبيق خفض الإنتاج اعتبارا من الأول من يناير 2017 وتقليصه إلى 3.250 مليون برميل يوميا، وهي يعتبر أول اتفاق من نوعه منذ عام 2008.

ولا شك أن تصاعد إنتاج النفط الصخري هو الذي يؤدي إلى تحرك أسعار النفط ببطء او أن تبقى على ما هي عليه الآن وفق رأي الخبراء، حيث إن مئات المنصات على أهبة الاستعداد لبدء الحفر مع ابتكار معالجة المستخرج بكلفة أقل باستخدام تقنيات مبتكرة. كما يعود ذلك إلى استثمار وزارة الطاقة الأمريكية بمبلغ يتجاوز المليار دولار في موازنة الأبحاث المختصة بالوقود الأحفوري. وهذا الأمر أنتج وفرة في التقنيات النفطية في مكامن النفط الصخري وسبب انخفاضاً ملحوظاً من كلفة البرميل النفطي من ٦٠ دولارا للبرميل إلى ٤٠ دولارا للبرميل، ولا يزال التطور مستمرا بوتيرة سريعة جداً، وسوف ينعكس إلى منافسة محتدمة بين النفط التقليدي القادم من أسواق أوبئك والنفط غير التقليدي القادم من أسواق أمريكا الشمالية في العرض والطلب. ويؤكد بعض المحللين أن التحدي الكبير على المدى الطويل في هذه الصناعة هو تطور صناعة النفط الصخري في أمريكا الشمالية وبوتيرة سريعة تفوق حقبة التسعينيات وبداية الألفية خصوصاً في مجال كفاءة الحفر بوساطة تقنيات جديدة، وبدعم من وزارة الطاقة الأمريكية، الأمر الذي يؤثر في العرض والطلب على الطاقة.

ومن هذا المنطلق بدأت الشركات الأمريكية بزيادة عدد منصات الحفر وللمرة الأولى عن العدد الذي سجلته قبل عام مضى إذ بلغ عدد المنصات العاملة قبل عام 516 منصة. كما أن موجة زيادة عدد المنصات هذه هي الأطول على أساس أسبوعي منذ أغسطس 2011، منذ أن تعافت أسعار الخام من أدنى مستوياتها في 13 عاما إلى نحو 50 دولارا، بحيث أضافت الشركات 213 منصة حفر نفطية في 29 أسبوعا، وهي أكبر موجة تعاف منذ أن أدت تخمة في المعروض في الأسواق العالمية من الخام إلى تضرر السوق على مدار عامين ماضين. وقد أدى التراجع في أسعار النفط خلال الفترة الماضية إلى تراجع عدد منصات الحفر النفطية من مستوى قياسي بلغ 1609 منصات في أكتوبر 2014 إلى أدنى مستوياته في 6 سنوات عند 316 منصة في مايو مع هبوط أسعار الخام الأمريكي من فوق 107 دولارات للبرميل في يونيو 2014 إلى قرب 26 دولارا في فبرار 2016. وخلال اليومين الماضيين جرى تداول الخام الأمريكي في العقود الآجلة عند 54 دولارا للبرميل حيث بدأ بعض منتجي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في تقليص إنتاجهم التزاما باتفاق جرى التوصل إليه في نوفمبر من العام الماضي. ويقول محللون إنهم يتوقعون أن تزيد شركات الطاقة الأمريكية إنفاقها على أنشطة الحفر وتضخ المزيد من النفط والغاز الطبيعي في السنوات المقبلة وسط توقعات باستمرار صعود أسعار الطاقة.

السلطنة وفق الاتفاق الاخير لمنظمة اوبك أعلنت عن خفض إنتاجها بواقع ٤٥ ألف برميل يومياً وهو ما يشكّل قرابة ٤٪ من حجم الإنتاج اليومي للبلاد. كما تعمل الشركات النفطية في السلطنة على استخدام التقنيات التي تساعد على خفض تكلفة استخراج النفط وتشغيل المزيد من العمالة الوطنية بالاضافة إلى التزامها تجاه المسؤولية الاجتماعية لتوفير التدريب للعمانيين في مختلف المجالات ليكونوا مؤهلين للعمل في القطاعات المتاحة العمل بها. وفي جميع الاحوال فان الفترة القادمة ستشهد مزيدا من التطورات النفطية وزيادة في أسعار النفط إذا التزمت جميع الدول ما نص عليه الاتفاق الاخير.