أفكار وآراء

أهمـية تفعيل دور التشريعــات والقوانين المـرورية

07 يناير 2017
07 يناير 2017

عبد الله بن محمد المسن  -

في ظل المخاطر المستمرة للحوادث المرورية، وأهمية وضرورة توعية أبنائنا وبناتنا بكل الجوانب المتعلقة بالحفاظ على سلامتهم، وبالضوابط القانونية ذات الصلة بالمرور فانه من الضــــروري أن نعلم أن الأصـــل في الترخيص بقيادة مركـــبة- أيا كان نوعها - أنها نـوع من التعاقد بين الجهة المسؤولـــــة عن منح هـــذا الترخيص وهي الإدارة العامـة للمرور وبين الفرد (طـــالب الترخيص) بهـــــدف استخــــدام المركـــبة على الطريق العـام والذي هـو منفعـة عامـــــة تقدمها الدولة لخدمـة أفــــراد المجتمـــــع.

وإذا كان العقد هو شريعة المتعاقدين فإن حصول الفـــرد على الترخيص بقيادة المركـــبة يعني أنه أصبح طرفـــاً مسؤولاً عن تنفيذ بنود قانون المـــرور ولوائحه بوصفـــه القانون أو الآلية التي تنظم العلاقة بين عناصر الحركة المرورية (الفرد- المركبة- الطريق) وهذه الآلية تحدد واجبات كل طرف ومسؤولياته، وترتب ماله من حقوق . فقائد المركبة ملتزم بقواعــد الســــير السليم على الطريق (صلاحية المركبة فنياً- حدود السرعـــة وقواعد التجــاوز الصحيح- حمــاية الأرواح والممتلكــات العامــة والخاصـــة... الخ) وبالمقابل يتوفر لـــه الطريق، سواء كان مرصوفاً أو ممهــداً وبما يضمن له السير الآمـــن وسلامـــة المركبة ووجود الخدمات المساندة (إرشادية وتحذيرية- هواتف نجـدة- نقاط إسعاف)، وأفــراد المشاة عليهم الالتزام بقواعد السير والعـــبور الصحيح من الأماكـــن المــحــددة ومراعاة حركـة مرور المركبات والحـــذر في اجتياز التقاطعات واتباع تعليمـــات رجــــال المرور، وبالمقابل سيتوفر لهم ممرات السير المرصوفــة أو الممهـــدة البعيدة عن حركـــة مرور المركبــات وتحـــديد نقــــاط العبـــور بخطـــوط واضحــــة أو لوحــــات إرشـــــادية أو إشـــارات ضوئية بمختلف أنواع الطــــرق العامـــة أو السريعـة والطـــرق الداخلــــية.

أما الطرف الثالث وهو الجهة المسؤولة عن المرور (شرطـة المرور) فمقابل ما تحصــــل عليه من رسوم مقابل الخدمات التي تقدمها لأفراد المجتمع (إصـــدار تراخيص السياقــــة وتجديدها وفحص المركبات ... إلخ) تتولى الإشراف على إدارة الطــــرق من ناحية تأمين السلامة للجميع (قادة المركبات والمشاة) وتوفير الخدمات المساندة(لوحـات إرشادية – إشارات ضوئية – دوريات ثابتة أو متحركة على الطرق العامة والداخلية).

ولكي يكتمل التعاون المطلوب والتفاعل الكامل بين عناصر الحركــــة المرورية وتصــــبح التشريعات والقوانين المنظـــمة لها جزءاً من سلوكيات الفـــــرد ومكوناته لابد من العناية بالجانب التوعــــوي لزيادة معرفـــة الفرد بأن هذه التشريعـــات المرورية ليست قيداً على حــريـــته ، بقـــــدر ما هـــي ســــياج يحمـــيه ويحمـــــي الآخــرين وينظـــم وتيرة الحـــياة اليومــــية على الطريق حتى لا تتحــــول إلى فوضــــى وحـــوادث؟! من هنا فإن الإدارة العامة للمرور تنهض بهذه الرسالة التوعوية إيماناً منها بدور أفـــراد المجتمع وضــــرورة بمشـاركتهم الإيجابية في تطوير الحركــة المرورية نحـــو الأفضــــل والأمـــن دائماً.

وهـــذه المسؤولية تتولاها الإدارة المذكـــورة إمـــا مباشرة بإصـدار الكتيبات والنشـــرات واللوحـــات الإرشـادية والتحذيرية أو بالتعاون مع وسائل الإعــلام المرئية والمسموعـــة والمقروءة من خلال البرامج التنموية والمسابقات والمقـالات غيرها التي تتناول مختلف الجوانب والقضايا المرورية، كما يتم استثمــار إمكانات النشاط التعليـــمي والاجتـــماعي أو المؤســـسات التربوية والرياضـــية والاجتماعية (المدارس- المعاهد- الجامعة الأندية- مؤسسات رعاية الشباب الأمومـــة والطفولة والجمعيات...الخ) ولا يمكن في هذا السياق إغفال دور القطاع الخاص بشركاته ومؤسساته لمســــاندة ودعم المناشـــط المتصـــلة بتنمية وتطوير السلوكــــيات المرورية المثالـــية.

على صعيد آخر فإن الإدارة العامة للمرور تحرص على زيادة مجالات التعـــاون والعمـــل المشترك وتبادل الخبرات على المستويين الإقليمي والدولي وبخاصة ان منطقــة الخلـــيج معنية بدراسة أبعاد مشكلة المرور المتزايدة في المنطقة العربية بوجه عام والذي يفـــسر مبادرة دول مجلس التعاون لـدول الخليج العربية بتنظيم أســــبوع للمـــرور في كل عــــام وتشكيل لجان للسلامة المرورية وتبادل الخبرات الفنية والإدارية في مجـــال المـــــرور.

في ضوء ما تقدم يمكننا القول بأن النوعية المرورية هي السبيل لإيجاد جيل مــروري واع في الحاضر والمستقبل وان هذه التوعية ينبغي ان تركــــز على جملة من الموضوعــــات المتصلة بتأمين سلامة الحركة المرورية وإيجاد الجيل الواعي بأهميتها:

أولاً: مفهوم المخالفة المرورية

المخالفة المرورية ليست مجرد دفع غرامة مالية بل هي في حقيقــة الأمر انتهاك للقانون وإخلال بشروط الترخيص الذي يسمح بقيادة مركبة وأن الهــدف من المخالفة هو تحذير مالك المركبة أو سائقها من تكرارها وهو ما يفسر أن هناك عــــددا من النقاط التي تسجل عن هذه المخالفات تبلغ في القانون المرور العماني (12) نقطة تسـحب بناء عليها رخصة القيادة خلال سنتين، من ناحية أخرى هناك غرامـة مالية تحصـــل من مرتكب أي حادث مروري هي حق الطريق العام مما يعني ان هناك واجبات والتزامــــــات على مستخدم الطريق ينبغي الوفاء بها وأولها الالتزام بالســــرعة المحددة وترك مســافة الأمان والتجـــاوز الصحيح في الوقت المناسب واليقظــــة والانتباه عند دخــــول المناطق السكينة ونقاط عبور المشاة وهي بهذا المعنى- أي الغرامة- هي إنذار مرتكب الحــادث بأن الطريق هو منفعة عامة للمجتمع تقيمه الدولــة والمطلـــوب من كل فـــرد احترام ذلك والالتزام بقواعــد استخدامــه.

ثانياً : سلامــــة المركـــبة

ينبغي أيضا العناية بسلامة المركبة الفنية من قبل قائدهـا فكثير من الحــوادث المـــرورية القاتلة تكون بسبب الإهمال في صيانة المركبة بصفة دورية وكم من أعطال فنية بسيـــطة نجمت عنها خسائر فادحة للمـركبة وراكبيـــها.

ويقول خبراء المرور بأن الإهمال في صيانة المركبة أو عدم التعرف على أعطالها يعـــود إلى جهل الكثيرين (بميكانيكا السيارات) وليس المطلوب هنا سوى معرفة المبادئ الأولـية لمكونات السـيارة الميكانيكية والكهربائية بدلاً من الوقوف مكتـــوفي الأيدي كلمـــا تعطلت السيارة انتظــاراً لمعـونة احـــد من العارفين أو الملمين بفنياتها وغـــالبا ما تكـــون أيضاً معلوماتهم بسيطـــة وربما مغلوطة؟! وفي هذه الحالــــة ينبغي الالتزام من قبل السـائقين بإجــراء الفحص الدوري لسياراتهم داخل الكراجات والورش الفنية المتخصصـة ويا حبذا لو نظمت دورات لتعليم مبادئ ميكانيكا السيارات نظير رســـوم زهيدة تحصل من مالكـــي المركـــبات الخاصة أو تكون بالمجان لسـائقي سيارات الأجرة ومركبات النقل بما يساعــد الجميع على كيفية التصرف عند حـــدوث عطـــل بالمركبة أو اتخاذ الاحتياطات اللازمــــة لمنعـها حيث تشتـد الحاجة لمثل هـذه المعلومات في السفر لمسافـات طويلة على الطـــرق السريعة التي تفتـقر لمثل هــــذه الخدمـــــات الفنـــية.

ثالثًا: تجـــاوز الســـــرعة المحـــــددة، واستخدام الهاتف أثناء القيادة تعتبر مثل هذه المخالفات من أهم الظاهر السلبية، ومما يؤسف له ينتج عنها الكثير مــــــن الحوادث المـــرورية ويروح ضحيتها الكثير من الأرواح والمعوقين والممتلكــات ودائمــــاً تتصدر التقارير الإحصائية لمخالفات وحــوادث المرورية سنوياً، فذلك مؤشــــر خطير ينبغي التصدي لها بشكـــــل جذري وحــــاسم ولابد أن يواكب العناية بالجانب التوعــــوي والإرشادي ودراسة تشديد العقوبات على مرتبكي مثل هذه المخالفات، وخاصــــة العقوبة المعنوية كحـرمانه من القيادة لفترة زمنية، وحجز المركبة وبصــورة تصاعدية في حالــــة التكرار، مع تكثيف شبكات الرصــــد الراداري على الطــرق والإشــــارة إلى ذلك صراحـــة باللوحات الإرشادية والتحذيرية.

رابعاً: تفعـــيل دور القطــــاع الخــــاص

تملك شركات ومؤسسات القطاع الخاص وبخاصة شركات تجارة استيراد وبيع الســيارات بمختلف أنواعها من الإمكانيات المادية والفنية والتسويقية ما يمكنها من أداء دور مساند في مجال التوعية المرورية وتأمين السلامة على الطريق فيمكنها إلى جانب دعم الأنشطة التوعوية من خلال نشرات ومطبوعـــــات وتنظيم ورش عمل لمالكي سياراتها يتم خلالها تزويدهم بالمـــبادئ الأولية والمعلومـــــات الكافية عن النواحي الفنية المتعلـــقة بصيانة الأنواع المختلفة من المركبات التي يقومون بتسويقها فمالك السيـــارة يهمه الـحفاظ على سيارته وكلما كان واعيا بما يمكـن ان تتعرض له من مشاكل على المدى القريب والبــعيد يكون أكثر حرصـــاً على أداء الفحـص الدوري لمركبته وملاحظة إي إشارة تدل على خلل ما وقد أثبتت تجارب كبرى شركات السيارات العالمية في أنحـــاء كثيرة من العالم أهمية ذلك. من ناحية أخرى ينبغي على شركات التأمين الإسهام في هذه الجهــود خاصة بعد أن إلى تســـرب فكــــر البعض أنه لا شيء يهم ما دامت شركــات التأمين تتولى تحمل الخســائر ، وهم لا يعلمــــون كم يؤدي هذا التفكير الى خســــائر مادية فادحـة لهذه الشركات وهو ما يؤثر بالقطــع على الاقتصـــاد الوطـني.

بقى أن نقول ان تفعيل دور القوانين والتشريعات المرورية وترسيخ الوعــــي بها وإدراك أهدافـــها سيظــل العامل الحاسم في توفير السلامـــة على الطريق وإيجــاد الجيل الواعـي مرورياً وهناك من العوامـــل التي ينبغي الإشـــارة إليها في هذا السياق ومنها :

تنمية الوعـي المروري لكافة أفراد المجتمع سائقين أو مشــــاة، كباراً أو صغاراً، رجــالاً أو نساء، بمسانده كافــــة قطاعــــات المجتمع وهيئاته ومؤسســـاته فـــذلك واجب وطني وإنساني وحضاري معا، ويمكن أيضاً إعــادة النظر في إجراءات منح رخصة القـــيادة والتأكد من أهلية طالبها بإدخــال نظـــم الاختبارات النفسية الحديثة التي تكشــــف عن مدى نضج الشخصية واتزانها فليست معرفة مبادئ السياقـــة وإدارة المركبة والتحرك بها هي نهاية المطاف في مـــنح الفرد رخصة القيادة. كما ان المصلحة العامــــة تقتضي العناية والاهتمام بضرورة تعميم نظام الإسعـــاف السريع على الطـــــرق الرئيسية المزدحــمة وتكثيــف الــدوريات الأمنية الســـريعة على هـــذه الطــــرق ونأمـــل بعـــــد العمل بمثل هذه الإجراءات التوعوية يدرك الفـــــرد للتكاليف المروعة لكل حـــادث مروري وربما يكــــون ذلك خطـــوة أخرى على طريق بناء جيل واعٍ يضمن لنا جميــعاً الأمن والسلامــــة على الطريق.