أفكار وآراء

ترامب وفريق سياسته الخارجية

06 يناير 2017
06 يناير 2017

جيمس مان - ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

مع إعلان الرئيس المنتخب دونالد ترامب أنه رشح ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل، وزيرا للخارجية يكون قد فرغ من تشكيل فريق السياسة الخارجية. وهو فريق، إذا ترفَّقنَا في وصفه، سنقول إنه يختلف اختلافا شاسعا عن أي فريق شكَّله أيٌّ من الرؤساء الجمهوريين الستة الذين سبقوا ترامب في اعتلاء سدة الحكم منذ الحرب العالمية الثانية. كما انه من المستبعد أن يدوم هذا الفريق، خصوصا لفترة طويلة. بالتأكيد فريق ترامب مختلف عن فريق حكومة جورج دبليو بوش الذي جاء مدججا بشخصيات من مؤسسة السياسة الخارجية التابعة للجمهوريين. وهو اختلاف لا شك أن ترامب سيفخر به معتبرا إياه مزيَّة. في الحق، لقد أثبت فريق بوش وقتها أن تعيين مسؤولين لهم خبرة طويلة في واشنطن لا يضمن في حد ذاته سياسة خارجية ناجحة، خصوصا عندما تكون هنالك خلافات حادة داخل المجموعة التي تديرها. ولكن فريق ترامب يختلف ليس فقط عن فريق جورج دبليو بوش بل أيضا عن فرق الرؤساء جورج إتش دبليو بوش (الأب) ورونالد ريجان وجيرالد فورد وريتشارد نيكسون ودوايت آيزنهَاور. لقد ضمت تلك الفرق أشخاصا ذوي خبرة ومن الصف الأول أو الثاني في مجموعة مستشاري الرئيس وجهاز الأمن القومي في إدارات سابقة. أما فريق إدارة ترامب فلا يوجد به أي أحد من هؤلاء. وحين يعقد مجلس الأمن القومي اجتماعاته سيكون بجانب ترامب، الذي ليست لديه هو نفسه خبرة في السياسة الخارجية، نائبٌ للرئيس ومديرٌ لوكالة الاستخبارات المركزية من الكونجرس ووزيرٌ للخارجية من مجتمع الأعمال ووزيرٌ للدفاع ومستشارُ للأمن قومي من الجيش. وسيقال أن أولئك القادمين من الجيش لديهم حقا خبرة في السياسة الخارجية. ولكن تلك الخبرة بالضرورة متعلقة أكثر بالعمليات (العسكرية) منها بأسئلة السياسة الخارجية النظرية والأكثر تجريدا. لقد جاءت الإدارات الجمهورية في السابق إلى الحكم وهي تركز على القضايا الإستراتيجية. فقد كانت الحربُ الباردة القضيةَ المهيمنة على مدى أعوام. وبعد أن انتهت، تحول الجدل إلى هل؟ ومتى؟ وكيف يجب أن تستخدم أمريكا القوة العسكرية حول العالم؟ وهو جدل بلغ ذروته مع غزو جورج دبليو بوش الكارثي للعراق. وإذا أمكننا القول بوجود شيء يشغل اهتمام الفريق الجديد سنقول إنه ، كما يبدو، يتجه ببصره أساسا نحو هزيمة تنظيم داعش. كما سنقول إنه بجانب ذلك ربما يركز اهتمامه على المجيء بمقاربة جديدة تجاه إيران. وبالنظر إلى تصريحات ترامب التصالحية وكذلك إلى العلاقات بين الكرملين وكل من ترامب وتيلرسون، يبدو من الراجح أن البيت الأبيض سيسعى إلى تحسين العلاقات مع روسيا على الرغم من أن الجانبين لم يطرحا أية فكرة حول شكل تلك العلاقة والأهداف الإستراتيجية التي ستضطلع بها. وفيما وراء ذلك، فإن فريق ترامب ليست لديه، في مجموعه، خبرة تنفيذية أو دبلوماسية في التعامل مع مناطق العالم الأخرى أو مع العديد من قواها الرئيسية مثل الصين والهند واليابان وألمانيا وفرنسا أو بريطانيا. وسيتضح أن خبرات ترامب وتيلرسون في مجال الأعمال ستكون لها قيمة محدودة في المهمة الجديدة لإدارة شؤون دولتهم. ولن يقتصر سبب ترنح سفينة السياسة الخارجية فقط على افتقارهما للخبرة. فترامب، ربما عن عمد، اختار أناسا لا يعرفون بعضهم البعض ويبدو أنهم يختلفون في شخصياتهم ونظرتهم إلى العالم. وقياسا على اهتمامات وطبع مايكل فلين في السابق، يبدو أن هذا الجنرال المتقاعد (فريق أول) الذي اختاره ترامب لتولي منصب مستشار الأمن القومي في إدارته سيرغب في مجلسٍ للأمن القومي يميل إلى الأفعال. ولكن في آخر مرة تبنى فيها المجلسُ سياسةَ العمليات العسكرية في أثناء إدارة ريجان كانت النتيجة فضيحة «إيران كونترا» التي أوشكت أن تسقط الحكومة. ثمة سؤال هو: من الذي سيتولى إدارة الوظائف التنسيقية لمجلس الأمن القومي، مثلا على نحو ما فعل برينت سكوكروفت للرئيسين فورد وبوش الأب؟ قد تكون تلك مهمة مكفارلاند الذي اختير نائبا لمستشار الأمن القومي والذي كان يوما ما مساعدا صغيرا نسبيا لهنري كيسنجر. (يقال عنه الآن أنه يرتِّب زيارات كيسنجر إلى برج ترامب). ويبدو أن الخلاف الشديد جزء من تركيبة الفريق. لقد عبر جيمس ماتيس، جنرال البحرية الذي اختاره ترامب لحقيبة وزارة الدفاع، عن تأييده لاتفاق أوباما النووي مع إيران. ذلك في حين أن فلين ومايك بومْبِيَو في وكالة الاستخبارات المركزية وترامب نفسه هاجموه. إن بومبيو يتخذ موقفا متشددا تجاه روسيا، وذلك في تباين مع العديدين من زملائه. لقد كان ريجان آخر رئيس جمهوري يصل إلى واشنطن وهو يتحدى مؤسسة السياسة الخارجية في حزبه. واشتُهِر عن فريق سياسته الخارجية في أيامه الأولى عدم الاستقرار. فقد بدَّل وزير خارجيته بعد أقل من 18 شهرا. وبنهاية سنته الثالثة كان يعمل مع ثالث مستشار للأمن القومي في إدارته. أما أطول أعضاء مجموعة مستشاري ريجان عمرا في منصبيهما، وهما وزيرا الخارجية جورج شولتز والدفاع كاسبار واينبيرجر، فكثيرا ما اشتبكا في مشاحنات سيئة. ورغما عن ذلك، فقد ترك ريجان الحكم بعد أن حقق نجاحا تاريخيا. تمثل ذلك النجاح في التعاطي الدبلوماسي مع الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف الذي ساعد على إنهاء الحرب الباردة. لقد كان ريجان زعيما يضع أهداف السياسة الخارجية ويستخدم التوتر الخلاق لمستشاريه من أجل دفع أمريكا باتجاه تلك الأهداف. ولكن ترامب استخدم أسلوبا مختلفا، وفقا لمعظم التقديرات. إذ يبدو أنه يفضل ترك أعضاء دائرته الداخلية (أعوانه) يتناطحون حتى النهاية ثم بعد ذلك يختار الفائز ويناصره. قد ينجح هذا الأسلوب في عالم الأعمال حيث تكون مقاييس النجاح واضحة قليلا أو كثيرا. ولكن في السياسة الخارجية لا تنتقل قائمتا المرمي من مكانها (لا تتغير قواعد اللعبة). بل حين تبدأ إدارة ما عملها، لا تكون تلك القواعد موجودة أصلا. وسيكون الرئيس هو من يقرر أين وكيف يجب أن يتقدم فريقه. وإذا لم يفعل ترامب ذلك فإن فريقه المشكل من المتنافسين والأغراب (عن مؤسسة السياسة الخارجية) سينحدر بسرعة إلى نزاع حامي الوطيس.

• الكاتب زميل مقيم بمدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومؤلف «صعود الفولكانيين: تاريخ مستشاري حرب بوش» وأيضا «تمرد رونالد ريجان»