أفكار وآراء

ميركل ولوبان والتنافس على زعامة أوروبا

06 يناير 2017
06 يناير 2017

سمير عواد -

امرأتان مختلفتان تماما عن بعضهما وليس هناك شيء يجمع بينهما. أنها معركة أوروبا حسب قول أحد المعلقين المرموقين في برلين، وسوف يتم حسمها في الربيع المقبل، بين مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي توصف بالزعيمة الخفية للاتحاد الأوروبي.  

وليس هناك أكبر من الخطر الذي يهدد المحور الألماني- الفرنسي، الذي أسسه الرئيس الفرنسي شارل ديجول والمستشار الألماني كونراد أديناور، وسار على طريقه رؤساء فرنسا السابقون والمستشارون الألمان، أكثر من فوز لوبان بمنصب الرئيس الفرنسي في الجولتين الانتخابيتين في أبريل/‏‏ ومايو 2017. لكن الخطر أكبر، إذ تريد لوبان «فريكست» بعد «بريكست»، أي إجراء استفتاء شعبي في فرنسا، حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، على غرار قرار البريطانيين الذي أثار مخاوف في بروكسل مقر المفوضية الأوروبية، من أن يتبع بريطانيا أعضاء آخرون، ولكن «إلا فرنسا» التي بعد انسحاب بريطانيا، تشكل مع ألمانيا القاعدة التي يستند عليها الاتحاد الأوروبي في أصعب محنة تواجهه في تاريخه.

في هذا العام، سوف يتحدد مستقبل ميركل، فهي تشغل منصب المستشارة الألمانية منذ عام 2005، وهدفها في الانتخابات العامة في سبتمبر القادم، الحصول على فترة ولاية رابعة. وفي المقابل، هناك مارين لوبان، التي تحلم الحلم الذي كان يراود والدها الزعيم السابق لحزب الجبهة الوطنية اليمينية ، بالفوز بمنصب الرئيس الفرنسي، الذي يقول المعلقون إنه سيشكل «تسونامي» في أوروبا والغرب. وتجد لوبان فرصتها في ضعف الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا أولاند، وعدم ثقة الناخبين بالمرشحين الطامحين لخلافته، لاسيما وأن الضربات المؤلمة التي وجهها الإرهاب إلى فرنسا، ساعدت الشعبويين ليس في فرنسا فحسب، وإنما في العالم الغربي ككل بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

وينهج حزب لوبان اليميني سياسة معادية للإسلام، ويريد أن يجعل فرنسا دولة قومية، ومن الصعب ملاحظة أحد المرشحين، يستطيع الرد على طروحاتها المدوية التي تنشر التعصب والكراهية في نفوس مؤيدي حزب الجبهة الوطنية.

وإن لم يكن المعارض المناسب لمارين لوبان موجودا في فرنسا، يمكن العثور عليه في شخص ميركل التي أشاد إيمانويل ماركون، وزير الاقتصاد الفرنسي الذي تخلى عن منصبه ليدخل معركة الرئاسة أملا بخلافة أولاند بها بصورة غير معتادة، عندما قال إنها أنقذت شرف أوروبا من خلال سياستها فتح الأبواب أمام اللاجئين، علماً أن ميركل تُعتبر أكبر خصم للشعبويين في الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والذين يحملونها مسؤولية وقوع اعتداءات إرهابية في الغرب لأنها بقرارها في سبتمبر 2015 سهلت لإرهابيين دخول الأراضي الأوروبية.

وعند الحديث عن المرأتين، هناك من يقول إن لوبان تكره ميركل، بينما الأخيرة تتحاشى لوبان وتعتبرها خطرا على وحدة أوروبا. وإن لم تلتقيا إلا في العام الماضي عندما جلستا على مقربة من بعض في البرلمان الأوروبي وتعمدت ميركل عدم النظر إلى لوبان، لكن الأخيرة انتهزت الفرصة وانتقدت أولاند بشدة بعد أن أدان الشعبوية في أوروبا في كلمته أمام البرلمان الأوروبي ووصفته بنائب المستشارة الألمانية، ومن ثم فانهما تتصارعان على زعامة أوروبا في عام سيشهد انتخابات حاسمة في بلديهما في الربيع والخريف القادمين.

وإذا فازت لوبان ضد كافة التوقعات بمنصب الرئيس الفرنسي، فإن ذلك سيشكل خطرا على طموحات ميركل بالفوز بولاية رابعة، لأن للوبان حلفاء في ألمانيا، مثل فراوكه بيتري، زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، والتي قامت بخطوة غير مسبوقة في احتفالات رأس السنة، فبعدما عرض التلفزيون الألماني الكلمة التقليدية لميركل بهذه المناسبة، نشرت بيتري على موقعها الإلكتروني كلمة بهذه المناسبة، الأمر الذي اعتبره المراقبون تحديا لميركل وبروفة في حال حقق حزب البديل انتصارا كبيرا في سبتمبر القادم وسيكون ذلك بمثابة «تسونامي» يهز ألمانيا وأوروبا، خاصة وأن عمليات استقراء الرأي تشير إلى أنه في الوقت الراهن يعتبر ثالث أكبر حزب في ألمانيا.

وتدافع ميركل ولوبان عن مواقفهما السياسية وكل منهما سيتقرر مستقبلها السياسي هذا العام. فقد ارتبط اسم ميركل بأزمة اللاجئين، وترى أن الترحيب باللاجئين كان خطوة إنسانية صحيحة لا تستحق الانتقاد، بينما لوبان متمسكة بشعارها المعادي للإسلام أملا في الحصول على أصوات الناخبين الذين تنطلي عليهم المواقف المتطرفة لحزبها. وتريد ميركل انتهاز السنوات الأربع القادمة في حال فوزها، في إنقاذ الاتحاد الأوروبي من الانهيار، كما تريد دفع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى تصحيح مواقفه السياسية لأن تصريحاته خلال الحملة الانتخابية أثارت قلق الحلفاء في أوروبا. كما تريد إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحل الأزمة الأوكرانية. أما لوبان فإنها مثل سائر القادة الشعبويين في الغرب، يعتبرون بوتين زعيما جيدا وأوباما زعيما سيئا.

ويهدد الصراع بين ميركل ولوبان مستقبل المحور الألماني- الفرنسي، والذي ضعف في العامين الماضيين بسبب ضعف الاقتصاد الفرنسي. وفي مايو 2016 وعلى غير عادتها، تطرقت ميركل إلى حزب لوبان في كلمة ألقتها في المركز الثقافي الفرنسي في برلين، وقالت إنها ستحاول دعم القوى السياسية المناهضة لحزب الجبهة الوطنية. وعلى الفور اتهم مؤيدو لوبان ميركل بالتدخل في شؤون فرنسا الداخلية والتأثير على الانتخابات. لكن صراع ميركل ضد لوبان ليس الهدف منه مساعدة معسكر الاشتراكيين أو المحافظين الفرنسيين بقدر ما يعبر عن قلقها من انتشار الشعبوية في أوروبا ولاسيما في ألمانيا وبالتالي ما يسببه من خطر على مستقبلها السياسي.