25
25
صحافة

 الصحف العبرية في أسبوع 

04 يناير 2017
04 يناير 2017

يديعوت - تأشيرة إلى القدس .. سفارة في حقل ألغام -

عوديد شالوم واليئور ليفي -

(المضمون: تعقيدات نقل السفارة الأمريكية الى القدس، على كل المستويات).

التقينا بالمقيمة فريدة زبرتسكي قرب منصة الاستقبال في مدخل فندق «دبلومانت». لم تسحب معها حقيبة سفر. فهذا كان ذات مرة فندقا مقدسيا ويستخدم اليوم منزلا عاما للمهاجرين كبار السن من دول رابطة الشعوب. وهو يقع في جنوب شرق المدينة، في هوامش حي ارنونا، في طرف شارع دافيد بلوسر، بمحاذاة القنصلية الامريكية العامة.

اعيد توزيع الغرف الـ 600 في الفندق لتصبح 510 غرف، بمساحة 16 مترا مربعا في معظمها. ويسكن فيها اكثر من 500 شيخ من الناطقين بالروسية معظمهم يعيشون على مخصصات التأمين الوطني ووزارة الاستيعاب.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية اشترت الفندق في حزيران 2014 من دوف شيف. فالأمريكيون فكروا لسنوات إلى الأمام. فمبنى الفندق والأرض الذي يقام عليها يسمحان بتوسيع القنصلية، التي تقدم الخدمات لسكان غرب وشرق القدس، لتصبح نطاقا واسعا يمكنه أن يكون سفارة. وهذا لا يعني أن الأمريكيين تحت إدارة اوباما كانوا يفكرون بنقل السفارة من تل ابيب الى القدس. فأوباما لم يعتزم عمل ما لم يعمله أي رئيس قبله. ولكن ما قد يكون خطط له كرؤيا للأخرة يبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى. إذ سيدخل إلى البيت الأبيض دونالد ترامب الذي وعد في اثناء حملة الانتخابات بنقل السفارة، والأشخاص الذين يحيطونه يوضحون بأنه مصمم على أن يفي بوعده. فقد قالت الاسبوع الماضي كليان كونوي، مديرة حملة انتخابات ترامب ان «نقل السفارة هي خطوة توجد في أولوية عليا جدا من ناحية ترامب.

ترامب لا يتلعثم

في منظومة العلاقات بين الدولتين يعتبر نقل السفارة من تل أبيب الى القدس مسألة حساسة. ففي عام 1995 بادر الجمهوري نيوت غرينغريتش الى قانون لنقل السفارة الى القدس. وقد اجيز القانون مع نجمة تحذير في شكل مادة تمنح الرئيس الصلاحية بتأجيل تطبيق القانون لاعتبارات «مصلحة الأمن القومي». ومنذئذ وعد بيل كلينتون وجورج بوش الابن في حملتيهما للانتخابات بتطبيق القانون، ولكن ما أن دخلا الى البيت الأبيض حتى وقعا على امر رئاسي في كل نصف سنة يؤجل تنفيذه.

ولم يكن الامريكيون وحدهم هم الذين اخذوا جانب الحذر في تنفيذ هذه الخطوة. فمحافل في الحكم الاسرائيلي ايضا حذرت على مدى السنين من أن نقل السفارة الى القدس من شأنه باحتمالية عالية أن يثير موجة عنف حادة من الفلسطينيين تنتشر من شرقي المدينة الى ارجاء الضفة الغربية. وينبع التخوف من مكانة القدس الخاصة حسب القانون الدولي. ففي قرار الامم المتحدة 181 في 29 نوفمبر 1947 تقرر أن تكون القدس جسما منفصلا (corpus separatum) لا يكون تحت سيطرة يهودية أو عربية. وتأكد هذا الموقف مرة اخرى في قرار 194 بعد حرب الاستقلال. ومنذئذ وصفت مكانة القدس بانها «غير محلولة». وهكذا نتج بانه باستثناء إسرائيل لا توجد أي دولة في العالم تعترف بالقدس كعاصمة إسرائيل، ولا توجد في المدينة حتى ولا سفارة واحدة. والسفارتان الأقرب إلى القدس هما سفارتا ارغواي وبوليفيا وكلتاهما توجدان في مفسيرت تسيون، التي لا تعتبر جزءا من المدينة. هذا الأسبوع تجولنا بين المواقع المختلفة في القدس التي يوجد فيها نشاط لممثليات أمريكية وفي مواقع بملكية وزارة الخارجية الأمريكية - القنصلة في شارع أغرون، القنصلية في حي ارنونا ونطاق فندق دبلومانت والمبنى في شارع نابلس والذي اغلق مؤخرا والأرض المفتوحة في نطاق اللنبي بين غرب وشرق المدينة ولم يبنَ بعد.

كل واحد من هذه المواقع يمكنه أن يشكل مكانا ممكنا للسفارة الجديدة، وكل واحد منها يحمل معان محملة بالمصائر، ومتفجر. هل سيكون ترامب الرئيس الأول في التاريخ وفي العالم الذي يعترف بالقدس كعاصمة إسرائيل؟ وبأي قدس سيعترف: تلك التي قبل 1967 أم القدس الكبرى، بالأحياء والقرى والسكان الفلسطينيين الذين ضموا اليها. مبدئيا، يتطلب الانتقال الكثير من التفكير والحذر. من ناحية لوجستية، لا يحتاج تقريبا الى أي شيء. فمركز النشاط الحالي، السفارة في تل أبيب هو هدف محصن، ولكن القنصليات في القدس هي الاخرى محمية بأعلى مستوى. اذا تقرر نقل كل مركز الثقل الى القدس فان الامر قابل للتنفيذ. من ناحية أخرى يحتمل أن يبقى معظم النشاط في تل أبيب فيما ينتقل مكتب السفير فقط الى العاصمة موضع الخلاف. ويقول رئيس بلدية القدس نير بركات انه «في المدى الفوري يمكن أن يتقرر صباح غد نقل مقر السفارة الى مكان يرفرف فيه منذ الآن علم الولايات المتحدة. هذا لا يحتاج الا الى يافطة جديدة ونقل كرسي وطاولة».

«مسألة القدس انتهت»

عملت الممثلية الامريكية الاولى في القدس من حارة النصارى في البلدة القديمة ابتداء من العام 1844. في نهاية القرن التاسع عشر انتقلت القنصلية الى مبنى عثماني في شارع القنصليات، الذي اصبح لاحقا شارع الانبياء. في 1912 دعت القنصلية مرة اخرى شركة نقليات وانتقلت الى منزل سكني كبير بجوار مقبرة ماميلا. هذا المبنى، في شارع اغرون رقم 18، يعمل حتى اليوم كقنصلية أمريكية ويمكنه أن يشكل مكانا للسفارة اذا ما تقرر ذلك.مئير ترجمان، نائب رئيس البلدية والقائم بأعماله ورئيس اللجنة المحلية للتخطيط والبناء يقول انه على مدى السنين يشكو جيران القنصلية من المشاكل التي تنشأ جراء نشاطها. في 1952 تحت الحكم الاردني، بدأت تعمل في شارع نابلس في شرقي المدينة قنصلية امريكية خدمت الفلسطينيين سكان القدس والضفة، بينما واصلت القنصلية في شارع أغرون خدمة سكان غربي المدينة. وبعد حرب الايام الستة انقسم العمل بين الممثليتين: القنصلية في شارع نابلس قدمت الخدمات القنصلية فيما عملت القنصية في شارع أغرون في المواضيع السياسية.

في 2003 بدأت اقامة القنصلية الجديدة في حي ارنونا. وهذا نطاق هائل من نحو 19 الف متر مربع خطط مسبقا لان يكون أيضا كخيار للسفارة مع التكييفات اللازمة. وأدى افتتاح القنصلية مع حلول العام 2009 الى اغلاق الممثلية في شرقي المدينة. وعندما سرنا هذا الاسبوع حول السور العالي للقنصلية في شارع نابلس، حيث كانت على مسافة غير بعيدة منه بوابة مندلبوم وجدناها مكفرة ولكنه لا تزال محروسة جيدا. وتوقف نشاطها قبل ست سنوات وتعمل اليوم كمركز ثقافي امريكي، وفرع للقنصلية العامة في القدس.

تملك وزارة الخارجية الامريكية عقارا آخر في المدينة. بعد نحو ثلاث سنوات من سن قانون نقل السفارة الى القدس في الكونغرس الامريكي، اتخذت الحكومة الاسرائيلية خطوة بهدف تشجيع الامريكيين على تنفيذ الانتقال. ومن خلال مديرية أراضي اسرائيل استأجرت وزارة الخارجية الامريكية قطعة أرض بمساحة 31 دونم في زاوية شارعي الخليل ويانوفسكي. وهذه قسيمة بور مسيجة مع قليل جدا من الاشجار ومعروفة باسم «نطاق اللنبي» كانت حتى 1967 على خط التماس بين غرب وشرق المدينة. وقد استأجرت الولايات المتحدة الارض لمدة 99 سنة مقابل دولار امريكي واحد في السنة.

في عقد الاستئجار كتب أن في الارض سيقام مبنى دبلوماسي، ولكنه لم يتحدد أي نوع من الممثلية سيكونه المبنى. وبعد وقت قصير من ذلك ادعى الفلسطينيون بان النطاق في معظمه كان بملكية فلسطينية حتى العام 1948، وان اسرائيل صادرته من مالكيه. اما الامريكيون فادعوا بانه قبل التوقيع على العقد لم يكن اي دليل أو شهادة على ملكية عربية على الارض، ولكن كان واضحا بانهم يفضلوا الا يدخلوا انفسهم في مشكلة قانونية - سياسية. ورغم الحذر الامريكي، يقول ترجمان من البلدية ان اللجنة المحلية للتخطيط والبناء تعاملت مع مكانة الارض وفقا للرؤيا المستقبلية: فمخطط البناء في المنطقة ومنذ عقد التأجير لا يسمح بالبناء حول هذه الارض عاليا بنصف قطر 300 متر. واذا ما بنيت هناك في المستقبل سفارة، فان هذا سيكون جزءا من الترتيبات الامنية التي يطالب بها الامريكيون».

كما أن خيار فندق دبلومانت لا يبدو واقعيا في المدى الزمني الفوري. فقد نحو سنتين تم تمديد عقد الايجار لوزارة الاستيعاب هناك حتى 20 يونيو 2020. واضح أن طبيعة السكان، حالتهم الاقتصادية المتردية واعمارهم الكبيرة لا تسمح بإخلاء فوري. وحتى بعد مغادرة الشيوخ للمكان يحتاج المبنى الى اعادة ترميم جذرية. وكما يبدو المبنى هذا الاسبوع، لعله من الضروري هدمه واقامة مبنى جديد مكانه. ومثل هذا المشروع كفيل بان يستغرق سنوات طويلة.

قنصل اسرائيل السابق في نيويورك آسي شريب، يعتقد بان بركات يبالغ قليلا في تفاؤله، ومن جهة اخرى ليس مستعدا لان يقدر بيقين بان ترامب سيتراجع عن وعده. ويقول: «هذه خطوة ستشكل تغييرا ذا معنى هائل في السياسة الامريكية في المنطقة. فمن اللحظة التي تنقل فيها السفارة الى القدس فإنك تطلق للفلسطينيين رسالة بان مسألة القدس انتهت. هذه خطوة بعيدة الاثر. قول يقضي بانه يمكن الحديث في كل المواضيع باستثناء القدس. لو كان ترامب سياسيا عاديا لقلت ان ليس أمل لهذا. ولكن ترامب ليس مجرد سياسي آخر. فقد انتخب كي يهز المسلمات القديمة».

حمامة السلام اختفت

الفلسطينيون من جهتهم متحفزون لدخول الرئيس المنتخب الى البيت الابيض. فانتصار ترامب في الانتخابات فاجأ القيادة الفلسطينية جدا. وفي ذروة الحملة لم يحافظوا على ضبط دبلوماسي للنفس كلما اطلق ترامب تصريحات تروق لآذان اليمين في اسرائيل. في سبتمبر، بعد لقاء مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، حين قال ترامب انه اذا انتخب رئيسا فستعترف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة إسرائيل غير قابلة للتقسيم، نشر امين سر اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف صائب عريقات بيانا غاضبا قال فيه ان «هذا التصريح يمثل استخفافا بالقانون الدولي. تصريحات سابقة لمستشاره في الشؤون الإسرائيلية، ديفيد فريدمان، تشير الى هجر تام لحل الدولتين، القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

لم يتصور عريقات بان بعد ثلاثة اشهر من ذلك سيكون ترامب هو الرئيس المنتخب وفريدمان هو سفيره المرشح لاسرائيل. وحين ظهرت التقارير عن إمكانية نقل السفارة الأمريكية الى القدس قال عريقات ان هذه خطوة ستؤدي الى هدم المسيرة السلمية وستجر المنطقة الى مسار الفوضى. وعندما تحدثنا اليه هذا الأسبوع بدا قلقا جدا. إذ قال ان «هذه ستكون نقطة انعطاف ليس فقط للفلسطينيين بل ولباقي العالم العربي ايضا. اذا اعتزمت الولايات المتحدة الاعتراف بضم شرقي القدس فان السلطة الفلسطينية لن يكون لديها ما يجعلها تعتقد بان الولايات المتحدة ستكون شريكة للسلام، وسنكون ملزمين باتخاذ نهج جديد واعادة التفكير بفكرة المسيرة السلمية. وكما قلت سابقا لن تكون حاجة للاعتراف بإسرائيل».

وعاد عريقات من زيارة الى الولايات المتحدة لخوض حوار وصف بانه «استراتيجي». ولم تولد الزيارة أملا كبيرا للفلسطينيين لا بالنسبة للمستقبل القريب ولا للبعيد.

ومع ذلك فقد قال عريقات الذي وصف الحوار بانه ممتاز «اعرف أن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات ولهذا فاني اؤمن بان السفارة ستبقى حيث هي اليوم».

وبعد حديثنا مع عريقات توجهنا للقاء زياد الحموري الذي يدير مركز القدس لحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لسكان شرقي المدينة. وعند لقائنا الحموري كان على طاولته عدد أمس الأول من صحيفة «القدس» وفيها كاريكاتير لصورة ترامب يمسك قفصا مليئا بحمامات السلام البيضاء التي نجحت في كسر شبك القفص والاختفاء في الأفق. الرسالة واضحة. انتخاب ترامب يدفع الفلسطينيين الى فقدان الأمل، الهزيل على اي حال بتسوية سياسية.

ويقول الحموري ان «الفلسطينيين في شرقي المدينة يعتبرون وجود اسرائيل هنا احتلالا. أنا اؤيد اتفاقات اوسلو وكذا قسم كبير من الجمهور الفلسطيني، وأريد أن اذكر الأمريكيين بان هذه الاتفاقات وقعت في ساحة البيت الأبيض. وفي الاتفاقات تعتبر القدس واحدة من المسائل التي يجب البحث فيها. «اذا فتحت الولايات المتحدة سفارة في القدس فسيكون هذا اعترافا بالسيادة الإسرائيلية على شرقي المدينة وأن شرقي المدينة هو جزء من عاصمة اسرائيل. الجمهور الفلسطيني لن يترك هذا يمر بصمت. فهذا شيء لا يمكن لنا أن نتوقع كيف يتطور ولكني بالتأكيد اعتقد بانه سيكون رد حاد. هذه ليست فقط نهاية مسألة القدس. فبدون شرقي القدس لا دولة فلسطينية. وهكذا فان هذه خطوة معناها انهاء المسألة الفلسطينية. بأنه لم تعد قصة فلسطينية. فهل حقا ترون هذا يحصل؟».