أفكار وآراء

ترجمات :قــوة وتأثـير الأغلبيـة

03 يناير 2017
03 يناير 2017

هيو كورتازي - ترجمة قاسم مكي -

اليابان تايمز -

مؤخرا أدلى جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني في الفترة من 1990 إلى 1997، بحديث قال فيه إن «استبداد الأغلبية لم يمارس أبدا في بلد ديمقراطي ويجب ألا يحدث ذلك في هذا البلد الديمقراطي (بريطانيا) خصوصا.» فهو ما كان بمقدوره قبول ألا يكون لأولئك الذين صوتوا «للبقاء» في الاتحاد الأوروبي صوتٌ في تقرير شروط مغادرة بريطانيا للاتحاد. وبحسب التعداد الرسمي الذي سجلته لجنة الانتخابات، اقترع ما يزيد قليلا عن 17.4 مليون ناخب فقط (51.9% من إجمالي من أدلوا بأصواتهم) لصالح ترك الاتحاد في مقابل 16.13 مليون ناخب (48.1%) قالوا نعم للبقاء.

وبلغ إجمالي الناخبين المسجلين 46.5 مليون ومن اقترعوا فعلا 72% منهم. وبذلك فإن حوالي 37.4% فقط من الناخبين هم من أيدوا «ترك» الاتحاد في استفتاء 23 يونيو الذي كان يوصف دائما بأنه «استشاري.» وبعد أن نجح قادة حملة تخلي بريطانيا عن الاتحاد ( البِرِيكْسِت) في كسب أغلبية صغيرة لمسعاهم ها هم الآن يطالبون ليس فقط بما صرحت به رئيسة الوزراء تيريزا ماي مرارا بأن «البريسكت يعني البريكست» بل بأن يكون تفسيرهم لهذا «البريكست» هو السياسة التي تعتمدها الحكومة. إنهم يطالبون بخروج بريطانيا من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي ويرفضون القبول بأن ذلك في الغالب سيؤذي الاقتصاد البريطاني.

وتحذيرات علماء الاقتصاد ببساطة تُرفَض وتوصف بأنها «إشاعة للخوف». ويتم تجاهل التوقعات الاقتصادية ويعتبر القائلون بها « خبراء غير مفيدين.» لقد تزايد باطراد تشدد كبار أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد في مطالبهم. بل أطلق بعضهم صفة «الخونة» على قضاةٍ في المحكمة العليا في انجلترا حكموا مؤخرا بأن الحكومة البريطانية لا يمكنها تفعيل بند معاهدة لشبونة التي تغطي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ( البند 50) بدون موافقة البرلمان. لقد استأنفت الحكومة هذا الحكم القضائي لدى المحكمة العليا في المملكة المتحدة (محكمة النقض.)

وقد يعتمد قرار المحكمة في هذا الاستئناف على حق أو عدم حق الدولة التي تقوم بتفعيل البند 50 من المعاهدة المذكورة في التراجع عن تفعيله في حال عدم إمكان الموافقة على شروطٍ مرضية للانسحاب. وظلت أحزاب المعارضة ومجموعة من أعضاء حزب المحافظين تضغط على الحكومة لتوضيح أهدافها في المفاوضات بتفصيل أكثر وكيفية تصورها لتحقيقها. ولكن ماي ووزراؤها يرفضون حتى الآن كشف أية تفاصيل لخططهم في المفاوضات خشية من إضعاف قدرتهم على الحصول على أفضل شروط (انسحاب) لبريطانيا. ويشكك بعض المراقبين في قيمة هذا الموقف قائلين إن المفاوضات ليست لعبة بوكر. ومن المؤكد تقريبا ان الحكومة البريطانية لم تصل بعد إلى نتيجة حول التنازلات التي قد تُجبر على تقديمها حين تجد ألا مناص لها من الإقرار بأنها لن تتمكن من بلوغ مساومة بموجبها « تأكل بريطانيا الكيكة وتحتفظ بها في نفس الوقت.» لقد قالت ماي إن السيطرة على الحدود البريطانية، وهو ما يعني وضع قيود على الهجرة، خط أحمر بالنسبة لها. ولكن قادة الاتحاد الأوروبي أوضحوا أن حرية الحركة غير قابلة للتفاوض. إلى ذلك، فإن شركات ومنظمات بريطانية عديدة في حاجة إلى توظيف عمالة من بلدان الاتحاد الأوروبي.

لقد وعدت الحكومة البريطانية شركة نيسان للسيارات بأنها لن تخسر امتيازاتها نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد. وهذا يعني ضمنا على الأقل أن بريطانيا تتوقع أن يكون بمستطاعها تحقيق ليس فقط هدف النفاذ إلى السوق الموحدة في السيارات وقطع الغيار ولكنها أيضا ستتقيد بضوابط الاتحاد الأوروبي حول المقاييس. يرتكز النظام الديمقراطي البريطاني على مبدأ « الفائز يأخذ كل شيء». فالدوائر الانتخابية البريطانية كلها تنتخب عضوا وحيدا. والمرشح الذي يحصل على معظم الأصوات، حتى إذا حصل على أقل من نصف أوراق الاقتراع، يفوز بالمقعد ولا يمكن خلعه إلا في الانتخابات التالية. وكان دائما ما يتم طرح الاقتراحات التي تدعو إلى إدخال بعض عناصر التمثيل النسبي. يتسم النظام التمثيلي الحالي بخصيصة إيجابية أو سلبية (بحسب وجهة النظر) وهي أنه يساعد على المجيء بحكومة فعَّالة ويقلل من احتمال تشكيل الحكومات الائتلافية. وعلى خلاف الأنظمة البرلمانية الأخرى حيث يجلس الأعضاء في شبه دائرة نجد في «أم البرلمانات»، وهو اللقب الذي يطلقه البريطانيون على مجلس العموم، إن أعضاء الحزب الحاكم يجلسون على جانب والمعارضة على الجانب الآخر فيما يجلس أعضاء الأحزاب الأخرى والأعضاء غير الملتزمين على ما يسمى بالمقاعد المتعارضة. وتتولَّد عن الشكل الذي يتخذه مجلس العموم والتقليد البريطاني مواجهات صدامية. فأسئلة رئيس الوزراء، التي تشكل ملمحا طقسيا في كل يوم أربعاء حين يكون البرلمان منعقدا، تتحول إلى مبارزة (متلفزة الآن) بين رئيس الوزراء وزعيم المعارضة. وهي مبارزة أسلحتها المفضلة التعليقات البارعة والسخرية وليس الذم والتقريع. ويفخر البريطانيون بتمسكهم باللعب النظيف والتسامح. كما أنهم أيضا يحافظون على مبدأ عدم التفرقة والمساواة في الفرص. ولكن لسوء الحظ لا يؤدي هذا دائما إلى إيلاء الوزن المستحق لآراء الأقلية في تشكيل السياسات. فمحاولات التوصل إلى إجماع كثيرا ما تُرفض. وتُلزَم الأقلية بقبول رأي الأغلبية حتى إذا كانت «الأغلبية» تمثل في الواقع أقلية الناخبين (المسجَّلين.) إن الأسباب الرئيسية لتصويت الأغلبية الصغيرة « بالخروج» من الاتحاد أبعد من أن تكون واضحة. والرأي المقبول عموما في هذا الصدد هو أن التصويت كان أساسا احتجاجيا. فالمقترعون لم يكونوا سعيدين بالوضع القائم الذي تزدهر فيه حظوظ نخبة ثرية صغيرة. لقد أرادوا التغيير على الرغم من أنهم لم يكونوا يعرفون أي نوع من التغيير يريدونه. لم تعجبهم البيروقراطية واعترضوا على ذهاب الأموال البريطانية إلى بروكسل.

ولم يكونوا سعيدين بازدياد أعداد المهاجرين الذين تعج بهم الوظائف والمنازل والمدارس والمستشفيات البريطانية. ولم يتعامل لا دعاة خروج بريطانيا من الاتحاد أو دعاة بقائها بطريقة سليمة مع هذه المخاوف في حملة الاستفتاء. فدعاة الخروج قطعوا وعودا من الممكن ألا يتم الوفاء بها إطلاقا. وهي وعود يضحكون منها الآن. ذلك في حين تحدث دعاة البقاء عن توقعات اقتصادية متشائمة ومبالغ فيها، على الأقل في الأجل القصير. إن تيريزا ماي واعية بأشواق التغيير والأمل بمجتمع أكثر عدالة ومساواة. غير أن حزبها منقسم في حين أن المعارضة أضعفها الاقتتال الداخلي. والآن ومع المهددات المتزايدة للسلم والأمن والازدهار يجب أن يكون الوقت قد حان لبناء الإجماع. ولكن ذلك يبدو مستبعدا.

• الكاتب سفير بريطانيا لدى اليابان في الفترة 1980-1984