أفكار وآراء

في نقد إدراكاتنا للسياسة الأمريكية

01 يناير 2017
01 يناير 2017

ماجد كيالي  -

كاتب فلسطيني -

للأسف مازال البعض في عالمنا العربي يفكّر في السياسة في النظم الديمقراطية، في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، مثلاً، وفقاً لإدراكاته عن مجريات السياسة، أو بالأحرى اللاسياسة، في عالمنا العربي ، رغم معرفته بالفارق الكبير بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي لمواطني تلك البلدان، والتأخّر، أو الفوات التاريخي، في مجتمعاتنا، التي تفتقر أحيانا للدولة بمعناها كدولة مؤسسات وقانون، كما تفتقد للمواطنة ومفهوم دولة المواطنين في أحيان أخرى .

هكذا راجت وجهة نظر في بعض صحافتنا وبعض صفحات التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، مفادها أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات، لرئاسة الولايات المتحدة، سيفضي حتماً إلى تغيير وجه هذا البلد، ومعها السياسة الأمريكية الخارجية، كأن الولايات المتحدة بمثابة مزرعة للرئيس، يفلحها بما يشاء وكيفما يشاء! وطبعا هذا كلام يخالف الحقيقة، دون أن يعني ذلك أن هذه جمهورية أفلاطون أو «المدينة الفاضلة»، أي مع معرفتنا بكل نواقص الديمقراطية، وضمنها الديمقراطية الأمريكية.

القصد أنه في البلدان الديمقراطية، حيث ثمة دولة مؤسسات وقانون وفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ومجتمع مدني قوي ومواطنين أحرار وحرية أحزاب وصحافة قوية، فإن تغيير الرئيس لا يعني تغييراً تلقائياً، أو ميكانيكياً، للسياسات الأساسية والاستراتيجية لهذا البلد. هكذا شهدنا، مثلاً، أن الرئيس أوباما الذي كان يريد تمرير مشروع الرعاية الصحية لمواطنيه واجه صعوبات جمة، بسبب المعارضة في الكونجرس، بحيث لم يستطع تمريره إلا بصعوبة بالغة، وبعد إدخال تعديلات كبيرة عليه. وفي موضوع الملف النووي الإيراني رضخ أوباما لشروط الكونجرس في وضع شروط على الاتفاق مع إيران، وفي إبقاء العقوبات المفروضة عليها. وحتى في قانون «جاستا» (العدالة ضد داعمي الإرهاب) فقد أخفق أوباما في وقف القانون الذي سنّه الكونجرس، رغم أنه استخدم حقه في «الفيتو». هذا يحدث على نحو أكبر في القضايا المتعلقة بالسياسات الخارجية، إذ على الرئيس حين يقرر في إحدى القضايا المهمة أن ينال موافقة ما يسمى «المؤسسة»، أو الدولة العميقة في العالم العربي ، وهي هنا تشمل البنتاجون والخارجية والكونجرس وجماعات الضغط، وضمنها تأتي الشركات والنخب، التي تؤلف جميعا مراكز صنع القرار، أو مراكز صياغة القرار، وهذا يشمل مكانة إسرائيل، وكيفية التعامل مع روسيا والصين وأوروبا، وهكذا.

على هذا الإساس يمكن القول إن سياسة الولايات المتحدة أو غيرها من البلدان «الديمقراطية» لا تتغير في عهد رئيس جديد، لأن السياسة في ذلك البلد لا تتأسس على فرد، ولا تتغير بتغير الرئيس، لأنها دولة مؤسسات، وتشتغل وفقا للتوازن وللمصالح وللتوافق، بغض النظر عمن يحكم، هذا اولاً. ثانياً، هذا لا يعني أنه لن يكون هناك تغيير إذ إن ما تقدم يسري على موقف الولايات المتحدة من إسرائيل، مثلاً، حيث هذا الموقف لم يتغير رغم كل الخلاف بين إدارة أوباما ونتانياهو، ولنلاحظ، أيضا، أنه ولا رئيس أمريكي استطاع، مثلا، وقف الاستيطان ولو جزئياً، لا كارتر ولا بوش الأب ولا كلينتون ولا أوباما، رغم خلافاتهم مع حكومات إسرائيل وتأييد بعض مطالب الفلسطينيين. والآن، هذا يشمل السياسة المتعلقة بالوضع السوري القائمة على استدراج وتوريط القوى الأخرى، التي تناكف الولايات المتحدة، للتصارع مع بعضها واستنزافها (روسيا وإيران وتركيا وغيرها ..) في معمعان الصراع السوري، وتالياً إيجاد بيئة آمنة لإسرائيل، لذا إذا حصل تغير فسيكون بعد استنفاذ هذه السياسة، مع ترامب أو مع غيره. ثالثا، سيكون هناك تغير أو محاولة تغير في الولايات المتحدة، مثلا، في قوانين الإجهاض وتراخيص السلاح والحسومات الضريبية واتفاقات البيئة والتأمين الصحي ومراقبة التسلح النووي. خامسا، التغيرات في ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط حصلت قبل ذلك منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، وفي عهود كلينتون وبوش واوباما، حيث تراجعت الإدارات الأمريكية، بعد ان باتت الولايات المتحدة القطب الأوحد (مطلع التسعينات) عن فكرة منع أي دولة من الهيمنة في المنطقة إذ باتت تتصرف مع القوى الأخرى باعتبارها بمثابة وكلاء لها، أو شركاء صغار، كونها تهيمن بالقوة الناعمة والخشنة على العالم، بالتكنولوجيا والاقتصاد والمال والعسكرة. كما تراجعت عن فكرة حماية الأنظمة الصديقة بعد 11 سبتمبر 2001، وطرحها مشاريع «نشر الديمقراطية» والإصلاح السياسي في العالم العربي، كما باتت متحررة من موضوع الهيمنة على النفط بحكم تحولها الى دولة منتجة بل ومصدرة للنفط، وهذا ينطبق على إسرائيل التي باتت موضع خلاف في السياسة الأمريكية،

على ذلك فإن الرئيس الأمريكي الجديد سيواجه في سياسته الخارجية العديد من الملفات، ما يهمنا منها الموقف من القضية الفلسطينية والصراع السوري، والتدخل الروسي العسكري في سوريا، وطبيعة العلاقة مع الدول الخليجية أو النفطية.

في هذا الإطار، وبغض النظر عن الشعارات او الخطابات التي تشدق بها الرئيس الفائز إبان حملته الانتخابية، إلا أنه من المرجّح ان يستمر في السياسة المتّبعة من عهد سلفه في البيت الأبيض، في الملفات المذكورة، لأن تصميم هذه السياسات لم يأت من الرئيس أوباما وحده، وإنما من «المؤسسة» (الدولة العميقة)، وفقط في حينه فقد كان موقف الرئيس ينسجم مع موقف تلك المؤسسة ولا يتعارض معه، بما يعنيه ذلك من أن اتخاذ الرئيس الجديد أية سياسة مغايرة سيجعله في مواجهة المؤسسة، وهذا لن يكون في مقدوره، سيما مع وجود سلطة الكونجرس، وجماعات الضغط.