abdallah
abdallah
أعمدة

هوامش .. ومـتون : الآن.. نبدأ من جديد

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

تردّدتُ طويلا، واستمرّ تردّدي أيّاما، وأنا أراجع نفسي قبل أن أبدأ بتدوين خلاصة لما مرّ بي خلال العام المنصرم، بدفتر الملاحظات على شكل جدولين: الأوّل يضمّ النقاط المضيئة، والثاني المعتمة، كما اعتدت أن أفعل في الأيام الأخيرة من كلّ عام، ودأبت على ذلك سنوات عديدة، وسبب تردّدي أنّني لم أرغب بتقليب مواجع النفس، ظنّا منّي أنّ النتيجة ستكون محبطة!

وطال تردّدي، ولكنّني صباح أمس، اليوم الأخير من العام 2016، صمّمت أن أكتب المدوّنة في كلّ الأحوال، لكي لا أنكث بعهد اتخذته على نفسي، وسنّة اعتدت عليها منذ سنوات، ومّما شجّعني على ذلك فكرة خطرت ببالي، تتلخّص في اختصار النقاط المعتمة من العام بكلمة واحدة هي «معروفة»، ومن ثمّ انطلقت إلى جدول النقاط المضيئة، التي بدأتها بتثاقل، ثمّ تابعتُ بحماس، عندما انفتح لي أفق من النقاط الإيجابية التي تدافعت مع أخواتها بالمناكب، لتأخذ مكانها في جدول الضوء، وازداد حماسي أكثر، كلما نظرتُ إلى الجدول، ورأيتُ أنّه زهى بنقاط عديدة، تشرح النفس، وفي النهاية فوجئت حين فحصتُ الجدول، ورأيتُ قد اصطفّت عشرون نقطة مضيئة تحسب لصالح 2016م، بدأتها بالمهمّة جدّا، التي من النوع الذي يغيّر مسار الحياة، انتقالا إلى الأقلّ أهميّة، إلى الأقل، وقد تنوّعت تلك النقاط بين الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، ولم أغفل جانبا، لم أذكره، كتعدادي لأسماء أصدقاء جدد أناروا سجلّ صداقاتي، وأسماء مدن جديدة لم أزرها من قبل، ومشاركات في أنشطة مميّزة، وسوى ذلك.

وعند انتهائي من حصرها، تساءلت مع نفسي: هل هبطت تلك الإضاءات فجأة؟ أم إنّها موجودة، غير إنّني تغافلت عنها في غمرة استغراقي في النظر للنصف الفارغ من الكأس؟

ووجدت إنّني عثرت على تلك النقاط، لأنني ركّزت تفكيري في البحث عنها، ولم أمكث طويلا تحت مظلّة العتمة، تلك المنطقة التي تحجب عنّا رؤية الضوء، والجمال، فنغرق في بحيرة الأسى، والإحباطات، وتجعلنا نفقد القدرة على التفكير بالخروج منها إلى عوالم أكثر إشراقا، ومن المسلّم به، أنّ قدرتنا على تغيير حياتنا نحو الأفضل تتراجع كلّما استسلمنا للإحباط، بسبب تراكم الطاقة السلبيّة التي تحدث شللا نفسيّا.

وضمن هذا السياق، استوقفتني النقلة التي حصلت في تفكير دوستويفسكي بعد صدور قرار العفو عنه في ديسمبر 1849 م، وتخفيف الحكم الصادر عليه من الإعدام إلى السجن 4 سنوات مع الأشغال الشاقة في سيبريا، بعد اتهامه بالانضمام إلى جماعة شبه سرية تدعو إلى تغيير المجتمع، فلقد أحدثت تلك اللحظة الفاصلة هزّة عنيفة في حياته، وجعلته ينتقل من حال إلى حال، بعد أن وقف قبالة الموت وجها لوجه، وقد شرح ذلك في رسالة وجّهها لشقيقه قائلا «حين أنظر إلى الماضي،إلى السنوات التي أضعتها عبثا وخطأ،ينزف قلبي ألما، الحياة هبة، كل دقيقة فيها يمكن أن تكون حياة أبدية من السعادة! فقط لو يعرف الأحياء هذا، الآن ستتغير حياتي، الآن أبدأ من جديد».

ورغم أنّ البدايات،غالبا ما تكون صعبة، وتحتاج إلى جرأة، وتخطيط، ولكن مثلما لكلّ شيء نهاية، هناك بداية، وعلينا أن نقرّر لحظة البداية، وهي لحظة لا تحتاج إلى قرع طبول، ودفوف، بل إلى تصميم، وعزم، وإرادة، وتوكل على الله.

وبالرغم من يقيننا أن ما مرّ علينا من سنوات لا يعود، لكننا نستطيع أن نصحّح المسار الذي ينقلنا إلى السنوات القادمة، إن كتب لنا الله عمرا، وكما قال دوستويفسكي «كل دقيقة يمكن أن تكون حياة أبديّة من السعادة».

لذا ينبغي أن ننفّذ الخطط، والبرامج التي رسمناها، ضمن سعي لترجمة مفرداتها إلى واقع عملي، يلامس حياتنا، وبذلك يكثر عدد النقاط المضيئة في قائمة كلّ عام، إذا ما عددناها في الليلة الأخيرة، كما فعلتُ.

فعلينا أن نبدأ العام الجديد بعيون مليئة بالأمل

علينا أن نبدأ

المهم أن نبدأ..