assem
assem
أعمدة

نوافـذ : آفاق عام جديد «1»

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

عاصم الشيدي -

[email protected] -

هذا أول يوم في العام الميلادي الجديد، نقف أمامه وجها لوجه مع قائمة أحلام لا تنتهي، بعضها تحول من تراكمه السنوي إلى كوابيس مخيفة والبعض الآخر تحول إلى حائط نبكي عليه ونندب أمامه حظنا وعمرنا الذي ينقضي والصورة لا تتغير رغم القتامة التي تضاف على تفاصيلها وحدة ألوانها.

وإذا كان الكثيرون يتفاءلون ببداية العام باعتباره العتبة الأولى للكثير من المشاريع الجديدة، والمرحلة التي يقف فيها البشر/‏ الدول مع أنفسهم ويراجعون ما حققوا وما هم مقبلون عليه، فإن المشهد العام لا يدعو لأدنى تفاؤل في منطقة الخليج العربي ولا العالم العربي بشكل عام ولا يبدو العالم الغربي برؤية عامة له في أفضل حالته رغم السنوات الضوئية التي تفصلنا عنه في الحقيقة.. أقول هذا على المستوى الفردي أو حتى على مستوى الدول والكيانات الإقليمية والدولية.

فدول الخليج التي عانت كثيرا من أزمة انخفاض أسعار النفط ستتواصل معاناتها هذا العام أكثر وأكثر رغم بدء تعافي الأسعار قليلا، ولكن تلك الأسعار التي لا يبدو أنها ستصل إلى حدود 70 دولارا للبرميل في أفضل الأحوال لن تستطيع سد العجوزات التي حصلت في العام الماضي، ولن تستطيع سد الفواتير التي تدفعها بعض دول الخليج نفقات للحروب العبثية الحاصلة في الإقليم، ولن تستطيع بناء التنمية التي يحلم بها أبناء الخليج أو التي يحتاجون إليها بحكم الطفرات التي يشهدها العالم. وإن لم تظهر المشكلة على شكل أزمة في بعض الدول فلأنها ما زالت تفتح صناديقها السيادية للإنفاق حتى تتحول أرقامها إلى أصفار لا قيمة لها في مسيرة المستقبل، أو أنها تتجه ناحية التقشف على المواطن وحده.

وأمام دول الخليج تحد كبير جدا يتمثل في طرق تعاملها مع الإدارة الأمريكية التي ستدخل البيت الأبيض بعد ثلاثة أسابيع من اليوم، ومهما حاولنا القول إن السياسة الأمريكية لا يرسمها الرئيس إلا أن له ولطاقمه الرئاسي دور كبير جدا في الملفات العربية المتشابكة مع الإدارة الأمريكية.. وفي ظل طغيان الشعبوية، في الغرب بشكل خاص، فإننا نتوقع الكثير والكثير مما لم نكن نعتقد أنه قابل للتحقق.. فوز ترامب ليس مثالا بعيدا عنا.. ولا أعرف لماذا لا نقول أن امريكا بكل نخبها تتحول وتدخل مرحلة جديدة في علاقتها مع الخليج العربي وما خطاب ترامب وتوجهاته إلا مسارا من مسارات ذلك التحول؟

وفي سياق ذلك تأتي عودة مركزية العلاقات الأمريكية الإيرانية، دع عنك التهديدات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية من الاتفاق النووي الإيراني.. والتحول الأمريكي اتجاه إيران لا بد أن يصاحبه تحولات أخرى في مركزية العلاقات في المنطقة وأولوياتها ولا بد في الخليج أن نعي ذلك ونبني عليه تصوراتنا وتوازناتنا الخليجية ونؤمن بحكم الجغرافيا التي تضع إيران إلى جوارنا.. لا بد أن نستطيع قراءة أن إيران هي الحليف الأول لأمريكا في المنطقة في المرحلة القادمة وليست دول الخليج.. وواضح أيضا أن ترامب ستلتقي طموحاته مع بوتين الذي استطاع مؤخرا أن يبني تحالفا قويا مع كل من إيران وتركيا وبالتالي سوريا، وبذلك فإن المنطقة على موعد مع تغيرات كبيرة وجوهرية بعد سنوات الإرهاصات التي أثخنت فيها المنطقة والأمة العربية كثيرا ولم تعد قادرة حتى على التفكير وما تبحث عنه الآن لا يعدو فكرة الخلاص سواء كان الخلاص بالمعنى السطحي أو حتى الفلسفي.. المهم الخلاص وأخذ نفس طويل جدا. وسنندم أننا أضعنا سوريا كما أضعنا العراق وسنندم في الخليج أننا أوصلنا علاقاتنا مع إيران إلى هذه المنطقة.

الخليج العربي ينتظره هذا العام والمشهد هكذا تحد كبير جدا وخطير وهو عودة المجاهدين من سوريا، ولا يمكن لدول الخليج أن تنسى ما حدث بعد نهاية الحرب في أفغانستان وما سببه عود المجاهدين من هناك حاملين أفكارا متطرفة أكبر من تلك التي خرجوا بها.. فهل الخليج مستعد لهذه الارتدادة المنتظرة؟

وهناك مخاطر كبيرة جدا تخرج من عمق منطقة الخليج وليس من خارجها مثل تحديات العمالة الوافدة والآسيوية منها بشكل خاص وما تحمله هذه العمالة من تحديات اقتصادية وثقافية وأمنية على الخليج.. ورغم الملايين من هذه العمالة إلا أن هذا العام مرشح أن تبرز فيه مشكلة الباحثين عن عمل في الخليج وبشكل خاص في السلطنة والسعودية والبحرين في ظل تزايد مخرجات التعليم العام من جهة وبدء تسريح بعض الشركات العالمية لمئات من الموظفين تأثرا بأزمة تراجع أسعار النفط وبالتالي تراجع المشاريع الحكومية التي يعتاش عليها وحدها القطاع الخاص في أغلب دول الخليج العربي.

وإذا كانت القضية السورية مرشحة إلى حل دولي هذا العام، وكذلك الحرب في اليمن، فإن ارتداداتهما ستؤثر على بعض الدول الخليجية خاصة تلك التي عملت على دعم طرف على حساب آخر.

هذا العام لا يدعو كثيرا إلى التفاؤل، هو مرحلة انتقالية إلى عالم جديد أو هو العتبة الأولى للعالم الجديد ولا ننسى أن مائة عام ستمر على وعد بلفور المشؤوم، وان مائة عام مرت أيضا على سايكس ـ بيكو وحان الموعد لخارطة شرق أوسطية جديدة كما كثر الحديث عنها..

ولا يبدو أن العالم العربي، بما فيه الخليجي، قادر على أن يكون رقما فاعلا في المشهد تحت أي مسمى من المسميات حتى لو كان ذلك تحت ذريعة «الدول المالكة للطاقة النفطية». وسيعلو صوت الشاعر العربي وهو يقول: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم». وكل عام وأنتم بخير