أفكار وآراء

ترجمات : هل سينجح اتفاق أوبك؟ «وجهة نظر روسية»

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

بيتر كازناشيف -

ترجمة: قاسم مكي -

موسكو تايمز -

هل ستنجح جهود أوبك في التخلص من محنة انخفاض أسعار النفط؟ لتوضيح الأمور، نشير إلى أن أسعار النفط يمكن أن ترتفع أو تنخفض كرد فعل أو استجابة لأحداث متنوعة وعديدة. ولكن السؤال الذي يجول في أذهان الكثيرين الآن هو: هل سينتج عن محاولة أوبك ارتفاع مستديم للأسعار؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نبحث فيما وراء عناوين الأخبار والضجيج الإعلامي عن كمية النفط التي سيسحبها كل عضو من السوق ونتحقق من عدم غش أعضاء أوبك في التقيد بحصصهم. لا يمكن لأي اتفاق أن ينجح ما لم يتعامل مع الأسباب الرئيسية التي تكمن وراء انخفاض أسعار النفط . لقد كان انهيار سعره في عام 2014 حالة كلاسيكية لما يسميه الفيلسوف الأمريكي اللبناني الأصل نسيم نيكولا طالب «حدث البجعة السوداء». فعلى الرغم من أن عام 2016 شهد استعادة النفط لجزء من قيمته إلا أن سعر البرميل الآن أقل من نسبة 50% من مستواه قبل عامين ونصف العام. (حدث البجعة السوداء هو، بحسب نيكولا طالب، الحدث الذي لا يتصور الناس وقوعه، وذلك مثلما أن البجعات كلها بيضاء ولا يتصور أحد وجود بجعة سوداء. ولكن حدث فعلا أن وجدت بجعة سوداء في أستراليا. وبالتالي يمكن أن يحدث ما لا يتصوره الناس مثل حدث انهيار سعر النفط في عام 2014- المترجم). وكما في حالة «أحداث البجعة السوداء» كان هبوط سعر النفط في عام 2014 نتيجة لعدة عمليات متوازية عزز بعضها بعضا وانتهت أخيرا إلى تحول غير متوقع في السوق. يمكن تقسيم هذه التغييرات إلى ثلاث كتل رئيسية.

فأولا: إن النفط هو أكبر سلعة دولية ويتم تداوله بالدولار الأمريكي. لذلك يتأثر سعره بشدة بسعر صرف الدولار، وبطريقة غير مباشرة بـأسعار الفائدة التي يقررها بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي). وفي نوفمبر الماضي بلغ سعر صرف الدولار أعلى مستوى له مقابل سلة من العملات منذ عام 2003. إن سعره الآن أعلى بنسبة 40% من أدنى سعر له في عام 2011. والشيء الغريب أن مكاسب الدولار الأخيرة عززتها نوايا ترامب الاقتصادية. فهو يريد التخلي عن سياسة التوسع النقدي التي ظل يتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي في الأعوام الأخيرة وكذلك رفع أسعار الفائدة.

لقد ارتفع العائد على السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 2.3% من 1.7% في ليلة الانتخابات الرئاسية. وكل ذلك يؤشر إلى أن قيمة الدولار تتجه إلى أعلى. إن الجدل يحتدم حول فائدة الدولار القوي لاقتصاد أمريكا (معظم الاقتصاديين يعتقدون أنه غير مفيد). ولكن من المؤكد تقريبا أن استقواء الدولار ليس في صالح سعر النفط . ولا يوجد الكثير الذي يمكن لأوبك أن تفعله في هذه الحال.

العامل الثاني المؤثر هو الطلب على النفط . إنه عامل خارج تماما عن نطاق تأثير أوبك. لقد تباطأ النمو الاقتصادي خارج الولايات المتحدة (والأهم تباطؤه في الصين). ذلك بدوره قلّص استهلاك النفط في الأسواق الصاعدة الرئيسية. ولكن تلك ليست هي الصورة كلها. فالعالم، وهذا شيء مهم، حقق قفزة كبرى نحو كفاءة استخدام الطاقة. نضرب مثالا واضحا لذلك وهو الانخفاض في الكميات المستهلكة من الوقود السائل في المحركات. فعند مقارنته بأعوام التسعينات، يبلغ معدل هذا الانخفاض 10% في قطاع نقل البضائع و20% في سيارات الركاب الصغيرة و30% في مجال الطيران. دعونا لا ننسى أن هذا التحول هيكلي وليس حدثا قصير الأجل. فالعالم لن ينتكس إلى استخدام التقنيات غير الكفؤة والتي تجاوزها الزمن. إنه سيستمر في ترقية كفاء الطاقة في المستقبل.

ثالثا وأخيرا: هناك جانب الإمدادات. وهو عامل ضروري. يمكن القول إن الحدث الأكثر تأثيرا الذي أدى إلى انهيار الأسعار كان ثورة النفط الصخري . ففي يونيو 2014 صارت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم وتفوقت على روسيا والمملكة السعودية العربية لأول مرة منذ عام 1972. وفي الواقع لقد استلمت الولايات المتحدة وظيفة المنتج المرجح العالمي. فهي يمكنها زيادة أو خفض الإنتاج استجابة لتذبذبات الأسعار بأسرع مما تفعل البلدان الأخرى. لقد بلغ إنتاجها من النفط في ذروته في أوائل عام 2015 حوالى 9.6 مليون برميل في اليوم. وكنتيجة لتدني الأسعار، هبط بحوالي 900 ألف برميل في اليوم. ولكن يمكن للشركات الأمريكية زيادته بسرعة إلى 10 ملايين برميل أو أكثر في اليوم. أحد الأسباب الرئيسية لذلك يعود إلى خصيصة تكنولوجية تتعلق بمكامن النفط الصخري. فحفر آبار جديدة لا يحتاج إلى تمويل كبير (لا يحتاج إلى كثافة في رأس المال) نسبة لصغر حجمها. وكنتيجة لذلك يمكن زيادة الكميات المنتجة بسرعة. وهذا شيء مختلف جدا عن الآبار الكبيرة في المكامن التقليدية مثل حقول النفط في سيبيريا الغربية. ولكن دعونا نفترض أن أوبك رتبت أمورها وأوفت بوعودها بتطبيق تخفيضات الإنتاج (وهذا افتراض كبير). دعونا نقول إن روسيا ستحذو حذوها وتسحب حصتها الصغيرة من الخفض البالغة 300 ألف برميل في اليوم من السوق (وهذا افتراض كبير أيضا). ما الذي سيحدث حينئذ؟ ستتأثر السوق بانضباط المصدرين. وستردُّ على هذا الانضباط بارتفاع متواضع في أسعار النفط (متواضع لأن التخفيضات المعلنة متواضعة كذلك). ولكن حينها سيسمح ارتفاع الأسعار للولايات المتحدة بضخ كميات إضافية من النفط. وهذا بدوره سيملأ الفراغ الذي أخلته أوبك في السوق مما سيجعل تخفيضات الإنتاج، عمليا، بلا معنى. وهكذا نعود إلى المربع الأول. إذن مرحبا بكم في عالم اقتصاديات النفط الصخري. ودعونا لا ننسى أن ترامب أثناء حملته الانتخابية وعد بإلغاء الضوابط البيئية التي فرضت في عهد أوباما وبخفض الضرائب على شركات النفط. وهذه كلها قد تعزز لاحقا الإنتاج النفطي الأمريكي. وهذا، مرة أخرى، خبر لا يفرح أوبك أو اقتصاد روسيا. حسنا هذا هو الردٌّ على السؤال حول وجود أو عدم وجود فرصة حقيقية في أن تشكل تخفيضات أوبك لإنتاجها تعزيزا مستداما لأسعار النفط.

• الكاتب، مدير الأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد القومي والإدارة العامة (رانيبا). عمل مستشارا أولا للإدارة الرئاسية الروسية في الفترة 2002-2005.