أفكار وآراء

ترامب ومستقبل الشرق الأوسط

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

إميل أمين -

كاتب مصري -

[email protected] -

ربما يتعين علينا أن ننظر وبعمق في معالم وملامح إدارة ترامب، إذ سنجد أن جلها من جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أو من قيادات الاستخبارات الأمريكية، عطفا على عدد كبير من رجال الأعمال والرأسماليين، والمؤكد أن كلاهما لديه رؤية للشرق الأوسط تختلف عن الرؤى التي ملكت وحكمت البيت الأبيض طوال أعوام أوباما.

إلى أين يمضي الشرق الأوسط في زمن الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب؟ علامة استفهام تطرح نفسها بقوة على موائد البحث الفكري والاستراتيجي منذ الثامن من نوفمبر المنصرم، أي غداة فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية الخامسة والأربعين، وأغلب الظن أن السؤال سوف يستمر لفترة لا بأس بها إلى أن تتضح السياسات الأمريكي في المنطقة.

لكن لماذا يبدو هذا التساؤل على تلك الدرجة من الأهمية؟

الجواب على عمقه يسير، فواشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة هي الفاعل الأول والرئيسي في سياسات الشرق الأوسط ، كما أنها أيضا المسبب الأكبر لإشكاليته لا سيما في العقدين الأخيرين، وهي كذلك الوسيط الوحيد بين العرب والإسرائيليين، والدولة الوحيدة التي نجحت ذات مرة في نهاية سبعينات القرن الماضي في أحداث سلام بين طرفين، عربي وإسرائيلي - اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل - وأن أخفقت بعد ذلك طويلا وعلى درجة كبيرة من الخطورة بسبب الإرث الذي خلفه باراك أوباما وراءه بعد ثماني سنوات قضاها في البيت الأبيض، استهلها بمرحلة تاريخية دغدغ فيها الأمل وخيل للكثيرين أنه سيضحي الرئيس القادر على إحداث تغييرات وتعديلات جذرية على خارطة السياسة الخارجية الأمريكية، والذين استمعوا إلى خطابه في جامعة القاهرة في يونيو من عام 2009، خيل إليهم أنهم أمام مرحلة جديدة، غير أن الرياح وكما يقال جاءت بما لا تشتهيه السفن، عبر ست سنوات عجاف أطلق عليها الربيع العربي، وهو الذي أثبتت الأيام أنه لم يكن عربيا ولم يكن ربيعا بالمرة.

يستلفت النظر في شأن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالشرق الأوسط، أن تبعات وتداعيات فوز ترامب، قد شغلت بال الأمريكيين، بأكثر من العرب الشرق أوسطيين أنفسهم، وهذا ما تبدى واضحا مؤخرا في كتابات كبار الكتاب الأمريكيين، وما نشرته المجلات الرصينة مثل الفورين بوليسي، وأتلانتيك وغيرها.. هل يعني ذلك أن الشرق الأوسط لا يزال مهما بالنسبة للأمريكيين، رغم كل ما سبق وتردد من قبل بشأن فقدان تلك المنطقة لأهميتها الاستراتيجية في العقود القادمة؟

الجواب باختصار، هو أن الشرق الأوسط يبقى مهما في كل زمان لكل القوى الكبرى العالمية التي تحاول السيطرة على مقدرات العالم، وفي حاضرات أيامنا نرى أهمية الشرق الأوسط تزداد لا تنقص فبجانب النفط الذي تحتفظ المنطقة بأكبر رصيد استراتيجي منه والذي لم يوجد له بديل جاهز للاستخدام، ودع عنك حديث النفط الصخري وبدائل الطاقة النظيفة فهذه تحتاج إلى عقود من الزمن حتى تضحى اقتصادية الاستخدام، ناهيك عن كل ذلك، يبقى الشرق الأوسط الآن ومن جديد، البقعة الجغرافية الكونية حيث تتصادم الآمال والأحلام في نشوء وارتقاء مناطق نفوذ جديدة كما نرى في حال روسيا والصين، أو الإبقاء على الهيمنة كما هي الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تشعر أن أوان انفرادها بالقطبية العالمية قد قرب من نهايته، وأن هناك شركاء آخرين مقبلون علي اقتسام ذلك النفوذ وتلك السيادة.

عبر ورقة بحثية لها وجاهتها، يكتب: ريال كلير وورد نائب رئيس مركز وودرو ويلسون والمحلل المستشار المتخصص في مفاوضات الشرق الأوسط مشيرا إلى أن ترامب قدم أربعة التزامات جزئية تجاه الشرق الأوسط وهي التزامات ستلازمه دون شك خلال فترة رئاسته الأولى في البيت الأبيض... ماذا عن تلك الوعود أو الالتزامات الترامبية الأربعة أن جاز التعبير؟.

أولا: المواجهة مع داعش: تحدث ترامب طويلا أثناء حملته الانتخابية عن رغبته في القضاء على داعش، غير أن الرغبة وحدها لا تكفي في حقيقة الأمر، فلا بد من خطة منظمة واستراتيجية واضحة مكتملة الأركان لتحقيق هذا الهدف، وهنا فإنه لا يغيب عن ناظري أحد أن ذلك، أي مواجهة داعش، لا يمكن أن يتم إلا بالتنسيق مع الدول العربية والشرق أوسطية، والواقع يفيد بأن كلا منها لها أجندتها الخاصة، التي كثيرا ما لا تتفق مع مصالح دول جوار عربية أخرى، أو لأسباب سياسية أو غيرها.

ثانيا: تحقيق السلام في الشرق الأوسط: خلال حملته الانتخابية يمكن القول إن ترامب هو الرئيس الذي تجرأ على الأمل في تحقيق سلام طال انتظاره بين العرب وبين الإسرائيليين، الأمر الذي أخلف الحظ فيه لعدد من الرؤساء الأمريكيين السابقين فهل يوفي له؟

من بين كل الوعود الانتخابية المتعلقة بالشرق الأوسط والتي قدمها ترامب يعد هذا الوعد الأكثر تعبيرا عن التفكير السحري، وإن كانت هناك قضية في الشرق الأوسط لا تعمل وليست مجهزة للوضع النهائي، فستكون بالتأكيد قضية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية.

ثالثا: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس: ربما لا توفر إشكالية تكافؤ الأضداد في الروح الأمريكية الواحدة، دونالد ترامب عينه من ذات المصير، فالرجل الذي يتطلع وبصورة غير مسبوقة ورغبة شبه مؤكدة لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، هو عينه يتحدث عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، تلك الخطوة التي لم يقدر عليها أي رئيس أمريكي حتى الساعة لما لها من آثار على علاقات واشنطن بالعالم العربي من جهة وبعموم المسلمين حول العالم من جهة أخرى.

اثنان من بين آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة (بيل كلينتون، وبوش الابن) قدما تعهدات مماثلة خلال حملاتهما الانتخابية لكن. كلاهما، وأوباما كذلك، استفادا من الإعفاء المنصوص عليه في قانون سفارة القدس عام 1995 لتجنب هذا الانتقال، وبشكل واضح أثبتت ترامب أن أفعاله قد تبدو غير قابلة للتوقع، وأنه قد يفعل أو يقول أشياء لم يسبقه إليها غيره من قبل، لكن مع الدقة بمكان القول إن ترامب المرشح ليس نفس ترامب الرئيس، وبمجرد دخوله البيت الأبيض فإن خطوة أحادية لنقل السفارة قد تبدو خطوة غير مبررة وليست حكيمة.

رابعا: إلغاء الاتفاق النووي مع إيران: لا يبدو ترامب صديقا لإيران حتى هذه الساعة، وخلال حملته الانتخابية أطلق عددا من التصريحات المتناقضة بالنسبة للاتفاق الذي جرى بين إيران والقوى الست الكبرى بشأن برنامجها النووي، فقد قال ترامب أنني أرى تفكيك هذه الصفقة مع إيران، ومرة أخرى أشار إلى أنه «لن يمزق الاتفاق، لكنه سيضبطه، بحيث لا يعطي للإيرانيين أي فرصة للاستفادة.

ويقول «ريال كلير وورد»: إنه حال إلغاء الاتفاق ستلقي كامل المسؤولية على واشنطن، وهكذا ستكسب إيران دفعة في العلاقات العامة وميزة سياسية دون تحقيق الولايات المتحدة لأي ربح فوري، هذا عدا عن خسارة الولايات المتحدة لفرص التجارة في السوق الإيرانية، وباستخدام مقياس ترامب، فلا تبدو هذه النتيجة في صالح أمريكا أبدا.. هل ترامب في اختبار كبير بالشرق الأوسط؟.

قبل الجواب يتعين علينا الإشارة إلى مسألة مهمة للغاية سوف تنجلي ملامحها في المائة يوم الأولى لدخول الرجل إلى البيت الأبيض المسألة تتصل بنوايا ترامب الحقيقية بشأن مستقبل بلاده فهل سيميل إلى دعاة الانعزالية والانكفاء إلى الداخل، بمعنى الاهتمام بالشأن الأمريكي فقط دون الأخذ في عين الاعتبار دور شرطي العالم وقاضيه الذي لعبته واشنطن طوال عقود خلت أم أننا سنرى رجلا مقبلا على الحياة ويحاول أن يعيد لأمريكا عظمتها التي كانت من قبل، وتفعيل أدوارها الأخلاقية والإنسانية والاقتصادية والمالية، الأمنية والعسكرية، حول العالم؟

في ضوء هذا الخيار ولا شك سوف يدرك سكان الشرق الأوسط ما هو موقعهم وموضعهم في الخريطة العالمية.

تكتب مجلة «ذا اتلانتك: في تقرير أخير ومثير لها أنه بعد عقود من الاستقرار العالمي، أصبح القلق واستحالة التنبؤ بما هو قادم في كل مكان، كما أن فراغ القيادة الأمريكية سوف يؤدي بلا شك إلى تأكل التحالفات القائمة منذ وقت طويل وتشجيع المعارضين للنظام العالمي، ويتجلى هذا الاتجاه بوضوح في الشرق الأوسط أكثر من أي مكان آخر، فالحروب المشتعلة ووسطاء السلطة والتحالفات القديمة، والتحالفات الجديدة ستختبر جميعها دونالد ترامب، وتتطلب أن تقوم إدارته بتحديد أولويات أمريكا ومصالحها هناك بشكل واضح، وستراقب آسيا وأوربا هذا... ما الذي يحتاج إليه ترامب في الشرق الأوسط؟

الثابت أن الولايات المتحدة هي في حقيقة الأمر التي تحتاج إلى عملية ترميم لسياساتها في الشرق الأوسط، وهي التي تحتاج لجهود دبلوماسية وإنسانية كبرى من أجل استعادة مصداقيتها التي تكاد تكون قد خسرتها بشكل كامل طوال سنوات إدارتي بإراك أوباما، فالذين يثقون في واشنطن وسياساتها اليوم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة سواء أكانوا من الحكام والمسؤولين أو من الرعاة والمواطنين، والأمر نفسه ينسحب على عموم النخب وجموع العوام.

لقد أثبتت السياسات الأمريكية أنها من فئة الأرباب دائمي الخذلان لمناصريها، وهذه متناقضة جديدة من سلسلة المتناقضات الجذرية في الروح الأمريكية، فرغم ما لديها من مراكز أبحاث وأفكار متقدمة، وما تحوزه من إمكانيات تكنولوجية، وما يوجد لديها من أجهزة استخباراتية غير مسبوقة، تعود لتكرر الأخطاء ذاتها، وتفقد ولاءات الأمم والشعوب، وكأنها مدفوعة بدافع قسري في ذلك الطريق، كما قال «يوشكا فيشر» وزير خارجية ألمانيا ذات مرة في تسعينات القرن الماضي.

هل سنرى سياسات أمريكية مغايرة في الشرق الأوسط في زمن ترامب؟

ربما يتعين علينا أن ننظر وبعمق في معالم وملامح إدارة الرجل، إذ سنجد أن جلها من جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أو من قيادات الاستخبارات الأمريكية، عطفا على عدد كبير من رجال الأعمال والرأسماليين، والمؤكد أن كلاهما لديه رؤية للشرق الأوسط تختلف عن الرؤى التي ملكت وحكمت البيت الأبيض طوال أعوام أوباما، ما يعني أننا ربما نجد بالفعل تطورات مختلفة، تأخذ في تقديرها أخطاء الإدارة الماضية، وفي الوقت ذاته تدرك مدى الصراع الجيوسياسي الدائر حول المنطقة لا سيما من قبل بكين وموسكو، ولهذا ستعمد إلى ترميم ما قد تهدم وإعادة بناء التحالفات من جديد مع الدول العربية والشرق أوسطية دون استعلاء أو كبرياء، حتى لو تم الأمر في صورة براجماتية مستنيرة.