أعمدة

نوافـذ :قابوس.. تتمناه الجوائز وتعشـــقه القـــلوب

28 ديسمبر 2016
28 ديسمبر 2016

عاصم الشيدي -

[email protected] -

يستحق سلطان البلاد، قابوس بن سعيد - حفظه الله - كل جوائز الدنيا. فهو رجل سلام ليس بالمعنى الدعائي الاستهلاكي، بل بالمعنى الحقيقي للكلمة.. المعنى الذي تَستطيع معه سرد تفاصيل لا نهاية لها لإنجازات عظيمة قدمها هذا القائد الكبير خلال 46 عاما ليس لبلاده فقط ولكن للإنسانية جمعاء، وهي إنجازات تستحق الخلود، وتستحق أن يُسجل بها اسمه في سجل الخالدين الذين لا يتكررون كثيرا في تاريخ الإنسانية.

وإذا كانت جائزة «الإنسان العربي الدولية» التي مُنحت لجلالته هذا الأسبوع من قبل المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي تقدم اعترافا مستحقا من قبل مؤسسة عربية أوروبية «مستقلة» فإن هناك جوائز كثيرة تستحق جلالة السلطان قبل أن يستحقها. على أن أهم جائزة حصل عليها جلالته ويغبطه عليها العالم هي جائزة «الحب» الذي يتمتع به جلالته ليس في قلوب شعبه فقط وإنما في قلوب الجماهير العربية والدولية التي رأت فيه قائدا بذل حياته من أجل بناء بلده ودخل تحدي الحفاظ على مكتسباته المتحققة والنأي بها بعيدا عن الفوضى السائدة في المشهد العربي الذي خرج من سياق الحكمة والاتزان السياسي إلى سياق النزق والمراهقة على كل المستويات.

عندما بدأ السلطان قابوس رحلة بناء عمان الحديثة وإعادتها إلى سياقها التاريخي العريق كانت التحديات أمامه كثيرة ولا حدود لها، تحديات تأتي من الداخل والخارج، لكن كان تحدي بناء الإنسان هو التحدي الأكبر والعقبة التي ليس من السهل تجاوزها في مرحلة بسيطة. وقد فهم جلالة السلطان أن نقطة البداية لا بد أن تنطلق من إعداد الإنسان نفسه ليقوم بتجاوز التحديات وصناعة المستقبل المنطلق من التراكم الحضاري والتاريخي لعمان والعمانيين.. وما زال المشهد مستمرا حتى اليوم، وما زال الإنسان العماني يأتي في مقدمة خطط التنمية وفي مقدمة اهتمامات السلطان وما زال الإنسان العماني بكل ما راكمه تاريخيا وما تفاعل معه في مسيرته الحياتية هو الحلقة الأقوى في المشهد العماني.

وحظي الإنسان في فكر جلالة السلطان بأولوية استثنائية، فرغم الصورة التي يمكن أن نستعيدها اليوم لعمان سنة 1970 عسكريا وأمنيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا إلا أن مقولات السلطان منذ الخطاب الأول كانت تعلي من مكانة الإنسان ومكانة حقوقه المستحقة.. وكان التعليم أول حق من تلك الحقوق.

ولم تكن صورة الإنسان في فكر جلالته صورة جزئية بل كانت تكاملية، تكاملية من حيث الزمان والمكان أيضا. وهذا الإنسان حتى تتحقق إنسانيته وتكتمل منظومة حقوقه يحتاج إلى أشياء كثيرة ليس أولها الأمن والأمان وليس آخرها التعليم والوعي بطبيعة الحال. فسعى جلالته حثيثا أن تعيش عمان أولا في معزل عن كل ما يمكن أن ينغص أمنها وأمانها ومسيرتها التنموية ، ثم سعى لإبعاد المنطقة والإقليم الجغرافي عن شبح الحروب وانعدام الأمن ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ولا يمكن أن ننسى الدور العماني في حرب الخليج الأولى والثانية وفي الاتفاق النووي الأخير بين الغرب وإيران والذي جنب المنطقة حربا ضروسا قد يعلم مكان شرارتها الأولى ولكن لا يعلم أن تنتهي ويصل أوارها.. ولا يمكن أن نتجاوز الدور العماني الحالي في محاولة تقليل ويلات الحرب في اليمن ومحاولة لم شمل الفرقاء وتقليل نزيف الدم العربي.

كيف يمكن أن يفكر سجين عاش سنوات طويلة في سجن جوانتنامو ثم فجأة وجد نفسه في عُمان حرا بعد أن تدخل جلالة السلطان من أجل الإفراج عنه، كيف يمكن لصحفي سجن في إيران أن يتنفس هواء الحرية عندما خرج من بوابة طائرة عمانية خاصة ورأى أمامه سماء مسقط، كيف يمكن لمئات من السجناء والرهائن في العالم الذين تدخل السلطان من أجل حريتهم ومن أجل الإفراج عنهم.. كيف يمكن أن تقرأ دواخل عمانيين كثر كانوا في السجون ثم يتفاجأون أمام ذهول العالم أن السلطان يعفو عنهم ويكرمهم ويعيدهم إلى وظائفهم. كيف يمكن أن أقرأ/‏‏‏‏ نقرأ هذه الشخصية وهذه الحكمة وهذه الإنسانية التي يتمتع بها هذا القائد العظيم.

هناك وقفات كثيرة تستحقها شخصية حضرة صاحب الجلالة على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي. كيف استطاع حلحلة المجتمع العماني المعقد ليعيش هذا الانسجام الكبير، وكيف استطاع بناء منظومة العلاقات الواضحة مع المحيط المضطرب، وطموحات أطرافه ومطامعهم التي لا تنتهي.

أستطيع القول بكل اطمئنان أن شخصية جلالة السلطان لم تلاق من يدرسها بشكل حقيقي بعد، كتبت الكثير من الكتب عن شخصيته ولكن لم يكتب عنه حتى الآن الكتاب الذي تستحقه شخصيته الثرية كما كتب عن قادة العالم الخالدين.

في الختام أقول هنيئا لجائزة الإنسان العربي الدولية أن ارتبطت باسم جلالة السلطان أما جلالة السلطان فهنيئا له حب الناس ودعاؤهم له، وهنيئا له عمان التي بنى، وهنيئا له المنطقة التي تشهد له بالحكمة والحنكة وتتمناه خالدا سرمديا على الدوام.. وهنيئا للحرية وحقوق الإنسان أن كان نصيرها قائد في حجم قابوس بن سعيد.