أفكار وآراء

التكامل العربي هدفا محوريا

28 ديسمبر 2016
28 ديسمبر 2016

عبد الله العليان -

طرحت مؤسسة الفكر العربي في مؤتمراتها في السنوات الثلاثة الماضية، قضية التكامل العربي هدفاً يجب تحقيقه، آخرها مؤتمرها الخامس عشر الذي انعقد في أبو ظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة قبل أسبوعين، وكان منصباً على أهمية التكامل العربي، وهي الدعوة التي أطلقها رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل ورافقت مؤتمرات المؤسسة منذ ثلاثة أعوام كما أشرنا.

مع التقرير السنوي الذي تم إطلاقه في هذا المؤتمر العام أيضا بعنوان (الثقافة والتكامل الثقافي في دول مجلس التعاون)، قال في كلمة الافتتاح :»إنّ التقرير هو التاسع ضمن سلسلة التقارير التي تُعدّها المؤسّسة وتُصدرها كلّ عام، وهي تُسهم في إيصال المعلومة الصحيحة عن الحالة الثقافيّة في الوطن العربيّ إلى كلّ مُهتمّ بالثقافة من المفكّرين والمثقّفين العرب، ومن الساسة كذلك والقيادة العربيّة، وأودّ أن أؤكّد وهذا ليس للمرّة الأولى، ولا للمرّة الأخيرة أيضاً، أنّه لا حضارة لأمّة من دون ثقافة، ولذلك لا يمكن أن يتحقّق النهوض للأمّة والوطن وحتى السياسة والاقتصاد، إلّا عن طريق الثقافة، فهي المعيار الحقيقيّ». ولا شك أن التكامل العربي من أهم القضايا التي يجب طرحها، والاهتمام بتفعيلها، لأن الأمة العربية أحوج ما تكون لهذا التكامل في ظل التكتلات العالمية والتحولات الدولية الراهنة، وخاصة التكامل على المسارات ذات الأهمية بين الدول العربية، مثل التكامل الاقتصادي والتنموي. ودعم هذه الفكرة المتقدمة للتكامل العربي، د/‏ عمر عبد الله كامل، الذي يرى أن «أن الوطن العربية يمتلك مقومات النجاح في هذا الشأن فهناك أراضي قابلة للزراعة في العديد من الدول العربية ولكن ينقصها التمويل، فإذا كان إجمالي مساحة الأراضي في الدول العربية يبلغ 4ر1351 مليون هكتار، فإننا نلاحظ أن مساحة الأراضي الزراعية بها لم تتجاوز 6ر54 مليون هكتار بنسبة لم تتعد 4% من جملة هذه الأراضي، فإذا ما أمكن التنسيق بين دول العجز المالي ودول الفائض المالي وإعداد الدراسات اللازمة للاستفادة من مياه المجاري سواء لزراعة الأرض أو لزراعة الغابات واستخدام أوراقها في صناعة الأعلاف، أو كحزام أخضر لمنع التصحر وفي صناعة الخشب وتنقية مياه البحر واستحداث نظم ري تقلل من الفاقد من المياه وكذلك استخدام الجليد الصناعي في ظل ندرة المياه التي يعاني منها الوطن العربي من خلال إنشاء هيئة عربية للمياه، وتوطين تكنولوجيا تحليه المياه واستغلال مخزون الأرض الزراعية التي يحول دون استغلالها بعض المواقف السياسية، لأمكن استغلال هذه الأراضي الشاسعة بما يحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لجميع أبناء الأمة العربية، الأمر الذي ينعكس في قوة مركز هذه الدول في مفاوضاتها مع الدول الكبرى». والواقع أن الكثير من العوامل المحفزة للتكامل العربي متوفرة، وليس هناك معوقات جوهرية تحول دون تحقيق هذا الهدف.

لقد قدم ي مؤتمر أبو ظبي 2016 توصيات عديدة ، ففي مجال التعليم، طرح قضية تحسين آفاق التشغيل للخريجين، مع تفعيل دور إدارات الموارد البشرية في التدريب، وإعادة النظر لتحسين نوعية التعليم والنهوض بالمناهج وتفعيل اكتساب المعرفة، والتأكيد على أهمية انفتاح التعليم العالي على محيطه الخارجي والدولي، من خلال تكوين شراكات مع مراكز البحوث والجامعات وتبادل الخبرات والمعارف،وأكد على أهمية تفعيل السياسات الاقتصادية الكلية والقطاعية، وذلك في الحاجة إلى مراجعة سياسات التنمية والعقد الاجتماعي الذي كان مرتبطاً بها، خصوصاً من خلال إرساء ثقافة الجدارة والكفاءة والشفافيّة في التعيين في الوظائف، والتركيز على سياسات دفع النموّ الاقتصادي وزيادة الإنتاجيّة، إضافة إلى تفعيل دور القطاع الخاصّ في التشغيل من خلال إصلاح التشوّهات في هيكل الأجور والمزايا التي تكرّس ثقافة العمل في القطاع الخاص ورفع القيود والصعوبات المتعلّقة بعدم ملائمة بيئة الاستثمار والأعمال، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسّطة ودمج أكبر قدر ممكن من القطاع غير المنظّم، وتعديل سياسات الاقتصاد الكليّ وإتمام الإصلاحات غير المكتملة، ولا سيّما في قطاع الماليّة العامّة والتجارة الخارجّية والقطاع التمويلي.

ولا شك أن مسألة التكامل العربي من القضايا الهامة التي يجب إعطائها الأولية في قضية التضامن العربي، وهو السبيل الحقيقي للتقدم والنهوض العربي في كل مجالات التكامل، بما يعزز الاكتفاء الذاتي في مشاريعهم المشتركة، وأكد أحمد أبوالغيط الأمين العام الجامعة الدول العربية في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مؤسسة الفكر العربي، على «محورية التكامل العربي باعتباره السبيل الحقيقي للحفاظ على الجسد العربي سليما في مجموعه وهو الأمر الذي أدركه الآباء المؤسسون لجامعة الدول العربية، مستندين إلى تزامن العمل بمبدأ التنسيق بين الدول العربية المستقلة وتحقيق تكاملها الإقليمي وبمبدأ تعزيز سيادة الدول وأمنها،وأضاف أن مؤسسات العمل العربي المشترك ليست معطلة،كما يظن البعض، وإنما يتطلب الأمر تحقيق ترتيب سليم للأولويات في إطار عمل هذه المؤسسات ، أخذاً في الاعتبار أن لدى الجامعة العربية من الخبرات والمؤسسات ما يصلح كأساس لتنسيق حقيقي على كافة هذه الأصعدة». ولا شك أن طرح قضية التكامل العربي، باعتباره هدفاُ لتعزيز التعاون في مختلف مجالات التضامن والتنسيق، سوف يجعل من أمتنا العربية قوة مهمة ضمن التكتلات الاقتصادية في عصرنا الراهن، وهذا ليس صعبا على هذه الأمة التي تمتلك معطيات التكامل في كل مجالاته، لكنها تحتاج إلى خطط واستراتيجيات لتطبيقها وفق أسس منهجية، والى تحديد الأولويات للتطبيق، ووضع البرامج الواضحة لهذا التكامل، وإقامة مؤسسات لمشاريع كبرى، وتطوير الأنظمة والقوانين التي تنظم هذا التكامل،ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة،باعتبارها مشاريع لها أهمية في الانطلاق والتحفيز، بين مواطني الدول العربية، والحقيقة أن هذه الأفكار المطروحة تحتاج إلى رؤية وتفعيل، من خلال المؤسسات المعنية بهذا التكامل، فإذا تحقق لهذه الأفكار أن تنطلق،فان الأمر ليس صعباً في تحقيق هذا الحلم العربي الذي تأخراً كثرا ً جدا ًعن التطبيق منذ منتصف القرن الماضي.