أفكار وآراء

التكامل الاقتصادي العربي بين الأمل والواقع!!

28 ديسمبر 2016
28 ديسمبر 2016

عبد الله بن محمد المسن  -

لا شك أن الإنســان ومنذ وجوده على سطح الأرض وهو في صــراع دائم من أجـــل البقــاء ويحكم هذا الصراع بحثه عن الغذاء فمنذ أن عرف الإنســان الزراعـــة وهو يبحث عن مصــــادر المياه، ودارت الصراعــات طويلاً من أجل استغلالها لتأمين حياته في مناطق خصـــبة، تكفل له زراعــــة المحاصيل وتوفير الغـــذاء، ولا يزال هذا الصراع قائما بأشكال حديثة الآن في مناطق مختلفة من العالم .

ولا شك أيضاً أن مثلث الفقر والجوع والمرض مـــازال هو مثلث التخلف لكثير من شعـــوب العالم وبخاصة دول العالم الثالث حتى أن القرن العشرين شهد اهتماماً عالمياً بهذه القضية وإن اختلفت حوله المواقف والآراء، فالدول الغنية كـــان همها الحفـــاظ على ما وصلت إليه من أوضــاع معيشية عالية المستوى وحققت وفرة في إنتاج المحـاصيل الزراعية ساهمـت بها في برامج المعونات للدول الفقيرة وكأنها تسدد بعض الدين الذي عليها لهذه الشعـــوب التي نهــبت ثرواتها وتزايدت أعدادها وزادت معه مشـــاكل تردي الأوضـــاع المعيشية بها وزادت حدة هذه المشكلـة مع تعرض كثير من بقاع العالــــم لأخطـار التصحـــر والجفـــاف حتى أصبح من المألـــــوف لمشاهدي الفضائيات مناظــر الملايين وبخاصــــة فــي القـــارة السمـــراء، أفـــريقيا، الذين يتضـــــورون جوعـــــاً.

ونحـــن في المنطقـــة العربية وأن كـنا حتى الآن بحمــد لله، بعيدين عن واقع هذه المشكلة العالمية، إلا أنه ينبغي الاعتراف بوجــود مظاهـــر لهذه المشكلة في بعض البلــدان العربية الواقعــــة بالمناطـــق الجافـــة بالقـــارة الإفريقية، كما أنه هناك بعض الفئات الاجتمـــاعية بالمجتمعات العربية تعاني من انخفاض مستوى المعيشة وتدني مستوى الغذاء بشكل عام، لكن الأمر الأكثر أهمية والأدعى إلى التفكير والتأمل هو اعتمادنا في الجزء الأكبر للمــوارد الغذائية على ما نستـــــورده من خارج أقطـــارنا العربية رغم أن الوطـــن العربي الذي تبلغ مسـاحته نحو 14 مليون كيلومتر مربع تتنوع تضاريسه وتتعدد موارده البرية والبحرية لم يحقق حتى الآن الاكتفاء الذاتي من الغذاء ، مما يطـــرح العديد من الأسئلة أولها لمـــاذا رغم أن هذا الوطن يشكل وحدة متكاملــة متمــــاسكة الأجـــزاء لها شخصيتها الجغرافية وتقارب عادات شعوبها واهتماماتها ووحدة سكانية تتمتع بوحدة الدين واللغة والأصول والتقاليـد.

وهذه الوحدة كفلت لسكان الوطن العربي في الزمن القديم فرص النمو والتقدم الحضـــاري فموقع الأمــة العربية يحتل مركــــز القلب من كتلــــة العالم القـــديم وهـــو بمثابة الجســـر الأرضــــي العظيـــــم الذي يربـــــط بين أكــــبر ثلاث قارات هـي آســــيا وأفريقيا وأوروبا.

وتحقق له هذه المساحـــة تنوعاً في الموارد المائية والآن فان معظمه، باستثناء الأقطار التي تعتمـد على الأنهــار كالسودان ومصــر وبلاد الشـــام والعراق وبعض البلــــدان العربية بشمال أفريقيا، يقع في المناطق الجافة، أو شبه الجافة وتعتمد دول عدة منه على مصادر المياه الجوفية المرتبطة بسقوط الأمطار، وتعد هذه الموارد هي أساس النشاط الزراعي للوطن العربي الذي ارتبطت حضارته واقتصــاده أساساً بالزراعة منذ زمن قديم.

فالواقع ان الطبيعة كانت سخية معنا فقد حبا الله الوطن العربي بمساحــــات كبيرة يمكن استخدامها للزراعة ومسطحات مائية تعد من أغنى المـوارد بالثروات السمكيــة التي يمكــن أن تعـــــوض النقــــص في الثروات الحيـــــوانية والأمثلــــة عديدة على النمــــاذج والسيناريوهـــــات التي تصلـــح للتطبيق اذا كنــا جادين بالفعل لمواجهة هــــــذا التحـــدي وبــــناء مستقبل مأمــــــون لأجيالنا في عصـــــر العولمة .

لقد آن الأوان لتبني تخطيطا أقليما للاكتفاء الذاتي من الغذاء وليكن شعاراً لبرنامـــج عربي طموح وقد سبقتنا دولاً كثيرة إلى ذلك كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا خلال الحرب الثانية وحققت اليابان معجزتها في النمو الاقتصادي بالـتخطيط الموضوعي لتوظيف طاقاتها البشرية رغم محدودية رقعتها ومواردها الطبيعية والمجـوعة الأوروبية اعتمدت التكامــــل الاقتصــــادي في تخطيطهـــا لبنـــاء اقتصــــاد قوي منذ نحو نصف قرن ونجحـــت في ذلك بشكل رائع وملمـــــــوس .

إن الدول المائية في الوطـــن العربي مصر والســــودان على سبيل المـــثال خير مثال على إمكانية قيام تكامل بينهما في مجال الزراعة لقد نجحت مصر في إنشاء الســــد العالي الذي أمن لها احتياجاتها المائية وتملك السودان ملايين الافدنة الصالحة للزراعة وكذلك الحـــال لبلاد الشام فهناك إمكانيات واعدة في سوريا والأردن ولبنان وبلاد الرافـــــدين أيضاً تحقق العمـــق الإستراتيجــــي لمثل هـــــذه المشروعـــــات التكاملــــية.

وفي الدول التي تعتمد على مصادر المياه الجــوفية بدأت الجمـــاهيرية الليبية مشــروعها المسمى النهر العظيم لاستثمار مخزونها من المياه الجوفية وفي السلطنة تستمر الأبحـــاث المكثفة لاستكشاف احتياطات واعدة من المياه الجوفية وفي المملكـــة العربية السعــــودية تحققت نجاحات كبيرة في الاكتفــاء الذاتي لبعض المحاصــــيل.

ويطول الحديث عن الامكانات العربية العديدة في هذا المجال والتي تشير بأننا نستطيع تحقيق هذا التكامل بمفهوم التخطيط المتخصص والاستفادة من التجارب والخبرات المتاحة والنجــــاح في اختيار أنسب الحلول لتحقيق هذا الهدف الذي فضلاً عن زيادة المساحــات المزروعــــة وتخصيصها لإنتاج محـاصيل معينة يمكن أن تسهــــم في تنمية الثروة الحيوانية التي لا تقل امكانياتها عن مثيلاتها على مستوى الزراعــــة واستصــــلاح الأرضي.

من ناحية أخرى حباً الله الوطن العربي كما ذكرنا بمسطحات بحرية غنية بمواردها وسواحلها الممتدة على البحر المتوسط والبحر الاحمر والخليج والمحيطين الهندي والاطلنطي وهو ما يوفر فرصا عديدة لمشروعات لاستثمار الثروة السمكية من أهمـــها صناعة حفظ وتعليب الأسماك وصناعة استخراج الزيوت والشحـــوم السمكية وصناعـــــة الأسمدة العضوية وأعلاف الحيوانات ، وهناك أيضــــاً مشروعات الرعي وتربية الثروة الحيوانية وللعديد من أقطارنا العربية وبخاصـــة في شبه الجزيرة العربية تجربة غنية بل وتراث معروف كما هو الحـــال عندنا في محافظة ظفـــار، أو ليس الاهتمام بهذه المشروعات تأميناً لنا من مخاطــر الأمـــــراض التي تلاحق الثروات الحيــــوانـية في كثـــــير مـــــن بقــــــــاع العالـــــم ابـتــــداءً بجنـــــون البقـــــر وانتهــاءً.بالحمــــى القلاعية وبخاصة إننا نواجه خطر تسرب هذه الأمراض عبر اللحوم ومنتجــــات الألبان التي نستوردهــــــا ؟! ونأكلهـــــا أو نطعمهـــا لأولادنا ؟!

وفي هذا السياق فان، هناك مشروعات تربية الدواجن والمناحل وصناعة الأعلاف وصناعات الألبان وغيرها، وهـي مشروعــــات إنتاجية تستوعب أعدادا كبيرة من القوى العاملـــة الوطنية والخبرات الحديثة متوفـــرة في مجالها وزيادة إنتاجها تعني زيادة في الدخـــل الوطني وتمــــويل كثير من المشــروعات الإنمائية.

اننا على المستوى العربي في حاجة لدراسة هذه المشكلــــة والعمل من اجل إيجاد سبل يمكن ان تساهم في تحقيق مزيد من التكامل بين الدول العربية على الصعيد الاقتصادي بوجه عام وعلى مستوى إنتاج الغذاء بشكل خاص واستغلال الموارد المتاحة في منطقتنا بشكل افضل ولعل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية بشكل عام تتحرك بشكل عملي وملموس للحد من الاعتماد العربي على استيراد احتياجاتنا من الغذاء، حيث يشكل ذلك تحديا كبيرا في الحاضر والمستقبل ايضا وعلينا التعامل معه منذ الآن.