أعمدة

مدار .. واقع جبري

28 ديسمبر 2016
28 ديسمبر 2016

داليا علي -

عندما نُحب نفرد لمن نحبهم بساطاً من ورد يفترشونه بداخلنا، ليتحركوا كما شاءوا في أوردتنا، يحق لهم أن يقيموا فينا بلا تذاكر إقامة، ويتمطعوا كما شاءوا بحرية، يدقوا قلوبنا في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار، لنستيقظ من أجلهم بلا ضيق أو ضجر، مساحات الداخل بالكامل ملكاً لهم نمنحها إياهم بكامل الرضا والسعادة.

لذا حين نخبرهم أن ما يرتكبونه في حقنا يؤلمنا ونرجوهم أن يتوقفوا، نحن هنا لا نصادر حريتهم ولا ننتهك براحهم بقدر ما نتحرى الصدق والسلامة النفسية في علاقتنا بهم. مساحة من الشفافية كي لا نحمل في جوفنا منهم ذرة ضيق، لذا نصارحهم، نلقي في طريقهم شعاع ضوء على أعماقنا كي يرونا بصدق حين نتألم بسببهم، وحين يتكرر ذات الموقف مراراً نتعجب؟

تبني مشاعرنا تجاههم خط دفاع قوي يدافع عنهم، يبرر لنا عبثهم وعدم اكتراثهم، يمنحهم العذر تلو العذر حتى تنجلي الغشاوة تماماً إذا ما استمروا، ثم نبدأ في التساؤل: كم يحتاجون من الوقت ليتوقفوا عن إيلامنا، أو ليشعروا بوخز الوجع الذي تسببوا لنا فيه، ما الذي يجب علينا إبلاغهم به أكثر مما فعلنا، وهل أسأنا الشرح والتوضيح فلم يتبينوا جديتنا كي يتوقفوا؟

أحبائنا لم يفهموا! ربما اعتمدوا على متانة مشاعرنا وعلى استحالة اتخاذنا لقرارات صادمة بالرحيل أو الاستغناء، ترجموا صمتنا بعد البوح خطأ، أو ربما ظنونا تكيفنا مع تصرفاتهم، أو ذهبوا لأبعد من هذا وظنوه نوعاً من الرضا يأتي غالباً بعد فرض الواقع المؤلم بقوة الاعتياد عليه؟

لعلهم توقعوا أن يكسبوا باستمرارهم أرضاً جديدة مشتركة تجمعنا معهم، هم وتصرفاتهم التي أنكرناها، التي لو دامت أكثر من ذلك لآذنت بفراق موجع، نخرج فيه حمقى لأننا أحببناهم، ويخرجون منها خاسرين لقلوب لم تعشق سواهم بهذا القدر من قبل.

جرحونا بما يكفي لأن نلملم ما تبقى من بعثرتنا، ونلثم برفق على ما خلفوه فينا من وجع، ونستدر للعودة إلى الوجهة التي تكف أيديهم عنا، وتجعلنا نتمنى لو نسينا أن من بذر كل هذه الآلام ليس سوى من منحناهم جُل ما نملك من إخلاص وود.