الملف السياسي

عندما تكون الكرة في ملعب المواطن.. !!

26 ديسمبر 2016
26 ديسمبر 2016

د. عبدالحميد الموافي -

دهش صديقي، ونحن نتجول في بعض شوارع مسقط أمس الأول، فحركة السيارات والمارة كانت أقل نسبيا، والهدوء يخيم على كل الأرجاء، حتى شعارات ولوحات الدعاية الانتخابية، المحدودة، اختفت في موعدها، أي قبل أربع وعشرين ساعة من موعد التصويت لاختيار ممثلي الولايات في المجالس البلدية في المحافظات، للفترة الثانية (2017 – 2020).

تساءل صديقي أليست هناك انتخابات ومنافسة ودعاية انتخابية، وتنافس على جذب أصوات الناخبين ومحاولات من جانب المرشحين لفرض انفسهم أحيانا على الناخبين؟ قلت لصديقي الذي يزور مسقط للمرة الأولى: بلى، هناك انتخابات ومنافسات انتخابية، ولكنك لا تشعر بها خارج مراكز الانتخاب، وحتى في مراكز الانتخاب ذاتها، فإنه لا توجد أية أنواع من الدعاية المباشرة او غير المباشرة للمرشحين، الذين انتهت جميع أنشطتهم الدعائية قبل الانتخابات بيوم، أي مساء الجمعة الماضية ليكون يوم السبت الماضي يوم صمت انتخابي، تتم فيه إزالة أية ملصقات أو شعارات أو صور انتخابية من جانب المرشحين، وهو ما تحرص سلطات البلدية على القيام به أيضا، التزاما بالقانون. وسأل صديقي: هل المجالس البلدية، مضى عليها أربع سنوات فقط – الفترة الأولى – بحكم ان انتخابات امس الأول كانت لاختيار ممثلي الولايات في المحافظات للفترة الثانية؟ قلت لصديقي: إن المجالس البلدية في السلطنة، مرت بتطور اتسم بالتدرج، شأنها شأن كل جوانب التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تمر به السلطنة، في ظل مسيرة النهضة العمانية الحديثة، التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه. وقبل ان تتسع نظرة الدهشة لديه، قلت: نعم انتخابات المجالس البلدية في المحافظات هي للفترة الثانية، فالمجالس البلدية في المحافظات تم تعميمها في كل محافظات السلطنة الإحدى عشرة بموجب قانون المجالس البلدية في المحافظات، الذي صدر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (116/‏‏2011) وذلك بعد اعتماد التقسيم الإداري الجديد للسلطنة إلى محافظات تضم 61 ولاية. ولكن السلطنة عرفت نظام البلديات بدءا من بلدية مسقط في عشرينات القرن الماضي ثم في عامي 1941 و1945 في مسقط ومطرح ثم أنشئ مجلس للبلديات عام 1961، برئاسة والي مطرح، وبعد عام 1970 أنشئت بلدية مسقط وبلدية ظفار عام 1972، ثم دائرة للبلديات عام 1973، وفي عام 1975 كانت هناك 12 دائرة بلدية تشرف عليها وزارة الداخلية، وفي عام 1986 صدر قانون تنظيم البلديات الذي نص على أن «البلدية جهاز حكومي وأهلي ... يعهد إليه بأداء خدمات عامة في منطقة معينة»، ومن ثم فان البلديات قامت وتقوم بدور مهم في جهود التنمية في مختلف ربوع السلطنة، ثم تطور نظام البلديات إلى الصيغة الحالية، اي صيغة المجالس البلدية في المحافظات، وذلك بموجب القانون الصادر عام 2011 والتي جرت انتخابات الفترة الأولى لها عام 2012 لتمتد من(2013 حتى 2016) وبالتالي فان العمل البلدي، في السلطنة ليس جديدا، ولكن الصيغة الحالية هي الأكثر تحديدا وشمولا، والتي ينظمها القانون المشار إليه واللائحة التنفيذية له. ولا يخفى عليك انه مع تطور واتساع جهود التنمية الوطنية، كان ضروريا ان تسهم المجالس البلدية بدور حيوي، بل وضروري، سواء في الإسهام في تنفيذ خطط التنمية على مستوى الولايات، ووفق البرامج والخطط الموضوعة، او من خلال حشد طاقات المواطنين والقطاع الخاص والتعاون مع الاجهزة الحكومية في الولايات للقيام بما يمكن القيام به، وبجهد تطوعي، ان امكن، للارتفاع بالخدمات المقدمة من جانب الحكومة، أو لتطوير جوانب وخدمات أخرى بالجهد الذاتي لصالح المواطن في النهاية. وقد أثبتت المجالس البلدية أهميتها، على الأقل في عدد من الولايات، بعد ان قدمت خدمات ملموسة ومفيدة بالفعل، بشهادة أبناء تلك الولايات. ومن ثم فإنها أصبحت في الواقع بمثابة حلقة مهمة للتواصل، والتفاعل بين المواطنين في الولايات، وبين الأجهزة الحكومية فيها من اجل خدمة المواطنين، ومؤازرة الجهد الحكومي التنموي فيها بقدر الإمكان.

وبالنظر إلى ان السلطنة لها تجربتها الخاصة في العمل الديمقراطي، وهو ما يجسده مجلس عمان، بجناحيه، مجلس الدولة، الذي يعين جلالة السلطان أعضائه من بين اكثر الخبرات العمانية تميزا، ومجلس الشورى، الذي يختار المواطنون العمانيون ممثلي ولاياتهم فيه بالانتخاب الحر المباشر، والفترة الحالية لمجلس الشورى هي الفترة الثامنة (2016 – 2019) فان المجالس البلدية في المحافظات تتسم بالكثير من الأهمية كحاضنة ومعدة ومدربة لطاقات عمانية شابة، ولقدرات وخبرات، راغبة ومستعدة للانخراط في العمل العام بكل أعبائه، ويمكنها الانتقال من مستوى العمل على صعيد المجالس البلدية في المحافظات، إلى صعيد مجلس الشورى العماني بعد ذلك، إذا أثبتت قدراتها على مستوى الولايات والمحافظات، ونالت ثقة ناخبيها في الولايات. ومن هذا المنظور من جانب، ومن منطلق المهام والدور الذي يقوم به المجالس البلدية في المحافظات من جانب آخر، فإنه يمكن القول إن تلك المجالس هي في الواقع توسيع وتعميق لفرص وسبل مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار، وفي صياغة وتوجيه وتنفيذ برامج التنمية الوطنية أيضا، فالمجالس البلدية أصبحت سمة عامة وشاملة للعمل البلدي في المحافظات والولايات جميعها، يضاف إلى ذلك أنها ليست منعزلة او بعيدة عن الجهد التنموي الحكومي في الولايات والمحاةفظات المختلفة على مستوى السلطنة، فمن المعروف ان المجالس البلدية في المحافظات تتكون من ممثلين لكل ولاية من ولايات المحافظة بحيث يتم انتخاب ممثلين اثنين إذا كان عدد سكان المحافظة اقل من 30 ألف نسمة، وانتخاب اربع ممثلين إذا كان عدد السكان اكثر من 30 ألف نسمة وستة ممثلين إذا زاد عدد السكان عن 60 ألف نسمة، وفي كل فترة يتم تحديد عدد ممثلي الولايات وما إذا كان عددهم قد زاد حسب زيادة عدد السكان ويتم تحديد ذلك بقرار من وزير الداخلية. وفي انتخابات الفترة الثانية زاد عدد ممثلي الولايات من 192 ممثلا في الفترة الأولى إلى 202 ممثلا في الفترة الثانية، لأن هناك خمس ولايات زاد عدد سكانها عما كانت عليه في الفترة الأولى بشكل يوجب زيادة عدد ممثليها في المجالس البلدية في المحافظات، وبالتالي زاد العدد بمقدار عشرة أعضاء. كما تضم المجالس البلدية في المحافظات عددا من ممثلي الجهات الحكومية (تسع جهات خدمية)، لتحقيق التواصل بين الجهات الحكومية والممثلين المنتخبين، بالإضافة إلى اثنين من أهل المشورة والرأي يتم اختيارهما من بين أبناء المحافظة، وذلك وفق ما تنص عليه المادة (6) من قانون المجالس البلدية.

قال صديقي: إذن المجالس البلدية في المحافظات هي مجالس قادرة على العمل بحكم تكوينها. قلت له: نعم إنها تضم ممثلين للجهات الحكومية ذات الصلة بالقطاعات الخدمية بوجه عام وممثلين منتخبين واثنين من أهل الرأي والمشورة، وبالتالي هي قادرة على العمل، وقد حدد القانون مهامها، التي تتضمن 30 بندا وفقا للمادة (16) من القانون التي نصت في فقرتها الأولى على ان «يختص المجلس في حدود السياسة العامة للدولة وخططها التنموية بتقديم الآراء والتوصيات بشأن تطوير النظم والخدمات البلدية في نطاق المحافظة وله في سبيل ذلك ما يأتي..»، كما حدد القانون شروط العضوية من غير ممثلي الجهات الحكومية، يضاف إلى ذلك ان نتائج عمل المجلس البلدي في المحافظة تصل إلى مجلس الوزراء، حيث يرفع رئيس المجلس البلدي «تقريرا دوريا كل ثلاثة اشهر إلى الوزير المختص بالنسبة لمحافظتي مسقط وظفار والى وزير الداخلية والوزير المختص بالنسبة للمحافظات الأخرى ويرفع الوزير المختص تقريرا نصف سنوي عن أعمال المجلس إلى مجلس الوزراء»، وذلك حسبما تنص المادة (14) من القانون، ومما له دلالة بالغة ان القانون كفل ضمانات عمل المجالس البلدية، بما في ذلك ضمان عدم التعارض بين المصلحة الشخصية لأي من أعضائها وذويه حتى الدرجة الثالثة، وبين المصلحة العامة، وهو ما نصت عليه المادة (15) من القانون بوضوح شديد. معنى ذلك ان المجالس البلدية في المحافظات تشكل أداة عمل فعالة تجمع بين التمثيل الحكومي والشعبي للعمل على تحقيق مصالح المواطن، وهو ما تتابعه الحكومة عبر التقارير ربع السنوية ونصف السنوية التي ترفع إليها.

فكر صديقي قليلا وقال: لم اكن أتصور ذلك في الحقيقة، فالأمر ليس بسيطا. قلت له: حقا فإن المجالس البلدية في المحافظات، ليست فقط إطارا وصيغة أخرى لتعزيز المشاركة الشعبية من جانب المواطنين للنهوض بولاياتهم، ومساندة خطط التنمية فيها، ولكن الجانب الحيوي أيضا يتمثل في ان المواطنين العمانيين هم المسؤولين عن انتخاب ممثلي ولاياتهم في تلك المجالس، ومن ثم فإن الكرة تكون في ملعب المواطن العماني، عبر ممارسته لحقه القانوني في انتخاب ممثلي ولايته في المجلس البلدي للمحافظة . وإذا كان الاختيار طيبا وموفقا في الدفع بعناصر وكوادر نشطة وقادرة على خدمة الولاية والمحافظة، فان النتائج ستكون ملموسة، وإذا لم يكن الاختيار كذلك، لأي سبب من الأسباب، فان مواطني الولاية والمحافظة سيشعرون بأن أداء المجلس البلدي ليس على المستوى المطلوب. وإذا كانت الحكومة قد وفرت كل الأسباب التي تمكن المواطن من اختيار العناصر والطاقات الأكثر قدرة وكفاءة، فإن الأمر ببساطة في النهاية هو اختيار المواطن، ولذا فانه ليس مصادفة ان يكون هناك أعضاء سابقين في المجالس البلدية تمت إعادة انتخابهم للفترة الثانية، كما ان فترة الأربع سنوات كافية ليعرف المواطن من من أعضاء المجلس البلدي الذي قام بدوره لخدمة الولاية والمحافظة، ومن منهم ينبغي اختيار غيره، وهذه مسؤولية كبيرة حيال مصلحة المواطن ذاته ومصلحة الولاية والمحافظة والوطن ككل وينبغي القيام بها على النحو الأكمل كأمانة وكحق للوطن وكواجب على المواطن مرشحا وناخبا أيضا. وبالتأكيد كانت انتخابات امس الأول خطوة أخرى على طريق ترسيخ وتفعيل المجالس البلدية في المحافظات والمشاركة من جانب المواطنين على نحو اكبر لخدمة الوطن والمواطن.