أفكار وآراء

هل سيفاجئ ترامب العالم باتفاق فلسطيني- إسرائيلي؟

23 ديسمبر 2016
23 ديسمبر 2016

دينيس روس - ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

يطمح دونالد ترامب، مثله مثل العديدين من أسلافه (من الرؤساء الأمريكيين)، إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط. لقد قال مؤخرا أنه يحب أن يكون ذلك الشخص الذي بمقدوره «إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.» وأضاف أن لديه ما يجعله يعتقد أن بإمكانه «فعل ذلك». من الواضح أن بسط السلام في الأرض المقدسة كان له إغراؤه للرؤساء الأمريكيين. ففرانكلين روزفلت اختار، رغم تدهور صحته، أن يجتمع مع الملك عبد العزيز بن سعود في مصر بعد مؤتمر يالطا اعتقادا منه أنه قد يتمكن من إقناعه بمنح «جزء من فلسطين» إلى اليهود « من دون الإضرار على أي نحو بمصالح العرب.» ولجأ الرئيس دوايت آيزنهاور بموجب خطة أطلق عليها اسما رمزيا هو (مشروع جاما) إلى تكليف روبرت أندرسون بالعمل سرا مع ديفيد بن جوريون وجمال عبد الناصر لصياغة حل سلمي. وشعر بخيبة أمل عميقة حين فشلت الخطة. وسافر ريتشارد نيكسون إلى مصر وإسرائيل وسوريا رغم إصابته بالتهاب الوريد في الأيام الأخيرة من رئاسته اعتقادا منه بأنه يمكنه بناء زخم حقيقي للسلام. وبالنسبة لجيمي كارتر، كان التوصل إلى السلام العربي الإسرائيلي الشغل الشاغل لرئاسته. وسيقول كارتر في فترة لاحقة أن قضية الشرق الأوسط « افترست» عقله. أما الخطة الوحيدة التي ستحمل اسم رئيسنا الأربعين فقد كانت «خطة ريجان» لسلام الشرق الأوسط التي طرحها رونالد ريجان في 1 سبتمبر 1982. وبصفتي مبعوثا من (الرئيس) بيل كلنتون للشرق الأوسط فقد شهدت عيانا بيانا كيف أن السلام العربي الإسرائيلي كان المهمة (التي كرس لها كلنتون نفسه). فهي ستقوده إلى استضافة ياسر عرفات وإيهود باراك في كامب ديفيد في صيف عام 2000. كما ستدفعه بعد 5 أشهر لاحقا إلى عرض معاييره (خطته) لتسوية الصراع. وربما أن جورج دبليو بوش جاء إلى العملية السلمية متأخرا. ولكنه سيستضيف مؤتمرا للسلام في أنابوليس. ومن ناحيته، سيجعل باراك أوباما السلام الفلسطيني الإسرائيلي أولوية في بداية رئاسته. وقد عبر عن حزنه على فشل وزير خارجيته جون كيري في الوصول إلى اتفاق سلام بعد جهود مكثفة استغرقت 9 أشهر وانتهت في ربيع 2014. تاريخيا، انخرط الرؤساء الأمريكيون في عملية صنع السلام لأسباب موضوعية وذاتية. موضوعيا، اعتقد معظمهم وهم مخطئون في ذلك أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مصدر كل الصراعات الإقليمية مما استوجب إيجاد حل له. ذاتيا، كان ثمة شيء أعمق. إنه الافتتان بأن يكون الرئيس هو من سيأتي بالسلام إلى منطقة شهدت مولد الحضارة وثلاثة أديان عظيمة. لقد استولى صراع الأرض المقدسة دائما على اهتمام العالم وجذب إليه الرؤساء الأمريكيين. وربما أن صعوبة السيطرة عليه هي أيضا مصدر لجاذبيته. ولنا أن نتأمل مرة أخرى وصف ترامب لاتفاق السلام «بالاتفاق الأهم على الإطلاق». هل يمكن أن تنجح إدارة ترامب فيما فشل فيه الآخرون؟ لقد فاجأ ترامب العالم بانتخابه. وإذا كان عليه مفاجأة العالم بالتوصل إلى سلام فلسطيني إسرائيلي فسيلزمه أن يضع في باله الموجهات التالية: أولا، الاستعداد للتمسك بالدبلوماسية حتى إذا كان ذلك يعني تحقيق تقدم متجزئ (خطوة خطوة أو ممرحل). ففي غياب الدبلوماسية، سيشغل العنف الفراغ ويعمق من عدم الإيمان بانتهاء الصراع. إن سياسة كل شيء أو لاشيء لا تنتج أي شيء حتما. ثانيا، عليه أن يتحسس ماهو ممكن سرا والسعي لتحقيق شيء ملموس. وماهو أكثر أهمية عدم تدشين مبادرات علنية كبيرة قبل معرفة إمكانية نجاحها. وبالنظر إلى المستوى الحالي لعدم الإيمان (ببلوغ السلام) وسط الفلسطينيين والإسرائيليين فإن أهم هدف قد يكون استعادة الإحساس بإمكانية السلام. ثالثا: لذلك يجب توجيه الجهود الابتدائية لدفع كل جانب إلى الاهتمام بإزالة شكوك الجانب الآخر وإثبات أن التغيير ممكن. مثلا يمكن للإسرائيليين معالجة الشكوك الفلسطينية بإعلانهم أنه لن تكون هناك سيادة إسرائيلية شرق الحاجز الأمني وأن إسرائيل ستكف عن البناء خارج التجمعات الاستيطانية. ويمكن أن تفعل السلطة الفلسطينية ما يكافئ ذلك بالإقرار بوجود حركتين وطنيتين تطالبان بدولتين لشعبين وبوقف جهودها لنزع الشرعية عن إسرائيل في كل المنابر الدولية. رابعا: تركيز (عملية) صنع السلام ليس فقط على الجهود (الهابطة) من فوق إلى تحت ولكن أيضا علي تلك الصاعدة من تحت إلى فوق. إن تحسين الاقتصاد الفلسطيني والبنيات الأساسية وبناء المؤسسات من مصلحة كلا الجانبين. ويمكن أن يغير ذلك من الشعور العميق بالضياع لدى الشعب الفلسطيني. ففي مجال بناء الدولة ودبلوماسية السلام (من تحت إلى فوق) لم يتحقق شيء يذكر. خامسا، إعادة النظر في المقاربة الثنائية الصارمة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. إن الفلسطينيين في حال من الضعف والانقسام لن تمكنهم حتى من المجيء إلى طاولة المفاوضات. وإسرائيل مقتنعة، حكومة وشعبا، بأنها لن تحصل على أي شيء له قيمة في مقابل التنازلات التي قدمتها للفلسطينيين بحيث أنها لن تشرع في تقديم أي تنازل. لذلك يجب التحقق بطريقة غير معلنة من إمكانية توافر غطاء عربي رسمي في المفاوضات. إن كلا الجانبين، للمفارقة، بحاجة إلى العرب. فالفلسطينيون يحتاجون إلى غطاء حتى للمحادثات، دع عنك لتنازلهم عن أي شيء ويؤمن الإسرائيليون أن العرب فقط هم من في مقدورهم تعويضهم عن التنازلات التي يقدمونها للفلسطينيين. سادسا، الاعتراف بأن المخاطرة الإسرائيلية والفلسطينية والعربية بإحلال السلام قد تتأثر بمدى صدقية الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات من جانب إيران من جهة والإسلاميين السنيين من جهة أخرى. فلا أحد سيعرض نفسه للخطر إذا لم يشعر بالأمان والثقة في الولايات المتحدة. وفي النهاية فإن التوفيق بين الأمن الإسرائيلي والسيادة الفلسطينية ستتطلب في الغالب مقاربات جديدة. فربما أن مفاتيح النجاح ستتمثل في الدور العربي الرسمي في الوفاء بالمسؤوليات الأمنية الفلسطينية والمقاييس المرتكزة على الأداء لتحديد جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي وترتيبات إجارة (تأجير للأراضي) تسمح بالتواجد الإسرائيلي والفلسطيني كل في دولة الجانب الآخر دون إخلال بالنطاق السيادي لكل منهما.

• الكاتب مستشار بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وعمل مساعدا خاصا للرئيس أوباما في الفترة من 2009 إلى 2011. ألف كتابا بعنوان (محكوم عليها بالنجاح - العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما).