أفكار وآراء

«مؤسسة القمة الأمريكية - الخليجية» .. إلى أين؟

21 ديسمبر 2016
21 ديسمبر 2016

محمد حسن داود -

,, لم يكن قانون جاستا الأمريكي الذي يسمح بمقاضاة أطراف شرق أوسطية التصرف الوحيد في عهد الإدارة الديمقراطية بقيادة أوباما الذي كشف عن نهج جديد لواشنطن في التعامل مع منطقة الخليج ,,

قانون جاستا كان الأخطر بكل تأكيد حيث لم يبذل الرئيس أوباما – المنتهية ولايته - أي محاولات جادة للحيلولة دون صدوره، والمعروف أن الرئيس الأمريكي عادة ما يستطيع ذلك في مواجهة الكونجرس إذا ما تمتع بالقوة الكافية والرغبة المخلصة لإنفاذ قراراته، إلا أن أوباما لم يمتلك الشيئين، -بل أغلب الظن أنه تركه يمر تحقيقا لمكاسب أمريكية خاصة، وبرغم ذلك لم يكن هذا القانون هو أبرز معالم التحول الأمريكي في عهد أوباما تجاه منطقة الخليج عموما، ولكن كانت هناك تحولات أخرى من حيث الممارسة العملية على أرض الواقع - حسبما يرى البعض.

وتبدى ذلك في حقيقة أن أمريكا سواء في عهد أوباما أو أي رئيس قادم ستسير خلف الرأي العام الذي تراكم لديه شعور أن واشنطن لديها تدخلات في صراعات ما كان يجب لها أن تحدث، وبالتالي فستكون أمريكا أقل اندفاعا في استخدام القوة العسكرية وعدم تكرار بعض التدخلات في الشرق الأوسط، كما كان يحدث من قبل، ومن المراقبين من يشير في هذا الصدد إلى عملية فك الارتباط الأمني بين واشنطن والمنطقة العربية، بالشكل الذي ترسخ في العقود الأخيرة كعقيدة سياسية- أمنية، وتحديدا منذ مطلع الثمانينيات مع اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، -وتفاقم الخلافات بين واشنطن وطهران.

وهناك كذلك بعض التطورات السياسية المهمة التي طرأت على العلاقات الأمريكية الخليجية خاصة في السنتين الأخيرتين، ويمكن القول إنها كانت تتجه بالعلاقات بين الطرفين نحو شكل أكثر مؤسسية وأهمها بالقطع ما يمكن تسميته «مؤسسة القمة الأمريكية – الخليجية» حيث عقدت مرتين الأولى عام 2015 والثانية عام 2016 ولا شك أن مياها كثيرة ومتقلبة جرت في نهر العلاقات الأمريكية – الخليجية منذ القمة الأولى في كامب ديفيد 2015 التي أسست لفكرة التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، ولكن تطورات الأحداث من وقتها حتى وصول ترامب للبيت الأبيض أكدت أن هناك الكثير من التغييرات التي ترجح حدوث تقلبات كبرى على صعيد علاقات هذا التحالف انعكست في تصريحات وتصرفات عربية وأمريكية بما يعني أن الآفاق المستقبلية لهذه العلاقات لن تكون بالضرورة كما كانت في الماضي.

ولم تكن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقتها حول حتمية التفاهم السعودي الإيراني هي المؤشرات الوحيدة التي عكست التوجهات الجديدة القائمة بالفعل أو الكامنة في الولايات المتحدة تجاه منطقة الخليج عموما، فقد صبت كثير من تصريحات دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية قبل إعلان فوزه بالرئاسة المزيد من الزيت على النار المشتعلة بالفعل، فتصريحاته عن دول الخليج جاءت حادة تعكس ما يمكن أن يلحق العلاقات معها مستقبلا مع الأخذ في الاعتبار الطبيعة المؤسسية للسياسات الخارجية الأمريكية التي لا ترتبط بالضرورة بمرشح معين أو إدارة عابرة وإنما بخطط استراتيجية طويلة المدى يتم تنفيذها عبر عشرات السنين من خلال إدارات متعاقبة؛ لأن لغة المصالح هي العليا، وهو ما تحدث عنه أوباما صراحة وترجمه كذلك إلى تصرفات وتحدث فيه ترامب بشكل مباشر، ولم يغرد الكونجرس خارج السرب حيث اتخذ هو الآخر خطوات عملية استجابة لدعوات مطروحة في الولايات المتحدة منذ سنين ليست بالقليلة بشأن ضحايا هجمات سبتمبر2011 والمطالبة بتعويضات كبيرة جراء تلك الهجمات!

هذا لا يعني بالضرورة أن العلاقات الأمريكية الخليجية عموما والسعودية منها على نحو خاص ستتحول غدا من النقيض إلى النقيض، فلا تزال هناك الكثير من المصالح الاستراتيجية التي تحتم استمرارها في إطار إيجابي نظرا للظروف الخطيرة شديدة التعقيد التي يمر بها الإقليم في الوقت الراهن، وفى نفس الوقت فإن أمريكا جزء من التحالف الدولي خمسة زائد واحد الذي تفاوض مع إيران للتعامل مع المشكلة النووية، وأن الاتفاق مع إيران ووقف الخطر النووي الإيراني يصب في مصلحة الجميع، ومن الصعب التكهن حاليا بمجريات العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية في المستقبل في ظل التصريحات المبكرة والمعلنة للرئيس المقبل ترامب وانتقاده الحاد للاتفاق النووي مع طهران إلى حد التهديد بإسقاطه، ولكنها لن تتطور بشكل سريع في اتجاه معاكس.

ووسط زخم التساؤلات الملحة والضرورية حول دور ووضع مؤسسة القمة الخليجية - الأمريكية في المرحلة المقبلة مع الإدارة والكونجرس الجمهوريين تجدر الإشارة إلى أن القمة الثانية في الرياض وزيارة أوباما للعاصمة السعودية كانت ناجحة من زاوية تأكيده التزام بلاده بالاستقرار الإقليمي ودعم الحلفاء الخليجيين، وهوما حاول مسؤولون أمريكيون تأكيده في العلن على الأقل، فمن وجهة نظرهم أوباما كان يدرك جيدا مدى قلق دول الخليج العربية بوجه عام بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، ويرى ضرورة أن تبادر دول الخليج إلى إقامة علاقات جيدة مع طهران إذا ما أرادت الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، ويرى أن «الموقف السلبي لدول الخليج من إيران» - حسب رأيه - يضر بدول الخليج أكثر مما يضر بإيران؛ ولهذا السبب يشجع هذه الدول على التقارب مع طهران، ولكنه في نفس الوقت يبعث وزير دفاعه اشتون كارتر إلى المنطقة ليطمئن وزراء دفاع دولها أن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون العسكري معها بما فيها تعزيز منظومة الدفاع الصاروخي الخليجي والأمن البحري والتسليح والتدريب العسكري؛ بهدف تعزيز القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، وتمكينها من بناء جاهزيتها...

وفي هذا السياق جاءت تأكيدات وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر خلال لقائه بوزراء دفاع مجلس التعاون التزام بلاده بضمان أمن دول الخليج بما في ذلك الالتزام الذي أعرب عنه الرئيس أوباما في القمة الخليجية - الأمريكية في كامب ديفيد وما قاله المسؤولون العسكريون الأمريكيون بشأن حاجة دول مجلس التعاون لتعزيز قدراتها العسكرية يدخل في إطار محاولات الولايات المتحدة بيع أكبر صفقات من الطائرات والأسلحة لدول المجلس بذريعة مواجهتها لقدرات إيران العسكرية والصاروخية. فالدول الخليجية ترى القدرات العسكرية الإيرانية وتسعى لإيجاد توازن عسكري، ولكن الرئيس الأمريكي يدرك جيدا أن إيران لن تشكل خطرا على دول المنطقة خاصة دول مجلس التعاون؛ ولذلك اقترح على دول المجلس التفاوض مع إيران لأنها لم ولن تكون عدوا لها بل إن التعاون بينها وبين دول الخليج يساعد على استقرار المنطقة وابتعادها عن أي تشنج وتوتر.

وإذا جاز القول إن القمة الأمريكية الخليجية طمأنت دول مجلس التعاون أن الولايات المتحدة لا زالت داعمة لها ووفية لأصدقائها في الخليج طالما حقق الخليجيون مصالحها وأخذوا بآرائها ووجهات نظرها واقتراحاتها، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذه العلاقات مستقبلا لن تكون في الغالب بنفس قوتها في الماضي، ولذلك يمكن القول إن التطورات الأخيرة في علاقات الطرفين أوجدت بالفعل فرصة تاريخية لإنشاء منظومة أمن إقليمي جديدة تقوم على هيمنة دول الخليج على مقدراتها ووضع أسس الاستقرار المنشود بالمنطقة، وهي قادرة على ذلك بالفعل في ضوء ما تمتلك من قدرات عسكرية واقتصادية وجيواستراتيجية وبشرية كبيرة، وتستطيع بتوظيفها التوظيف الأمثل أن تستغنى عن كثير من التدخلات الخارجية، ولا شك في أن مثل هذه الاستراتيجية الجديدة باتت ضرورية وعاجلة في ضوء توقعات ومؤشرات على أن «مؤسسة القمة» لن تعمل بنفس الزخم أو الروح السابقة، هذا إذا ما قدر لها أن تنعقد من الأساس في عهد الرئيس المنتخب ترامب إضافة إلى ما استجد من أحداث، فإدارة أوباما إذا كانت قد بدأت صفحة جديدة في العلاقات مع إيران إلا أنها لم تظهر سياسات عدائية تجاه دول الخليج، عكس الرئيس المقبل الذي أبدى روحا وتوجهات جامحة وأطلق تصريحات أثارت قلق ما لدى دول المنطقة حتى وإن أظهر عدائية أكثر تجاه طهران.