أعمدة

تكلمي حتى أراك

18 ديسمبر 2016
18 ديسمبر 2016

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

كنت مستاءة ومتوترة كون الورقة التي كان علي تقديمها ستكون في أول أيام المنتدى الدولي للضمان الاجتماعي، فالوقوف أمام ألف مشارك من كافة دول العالم أغلبهم رؤساء مؤسسات كان وحده كفيلا بإصابتي بالتوتر، ناهيك عن أن وصولي جاء الليلة السابقة للمؤتمر، فقد رافق التوتر إجهاد جسدي وفكري من إثر الرحلة الطويلة التي استغرقت أكثر من خمس وعشرين ساعة، لكن ما إن أنجزت المهمة حتى تنفست الصعداء وحمدت ربي كثيرا أن ورقتي جاءت في أولى جلسات المؤتمر، فقد سقط هم كبير من على كاهلي، أتاح لي الاستمتاع بما تبقى من الرحلة، إلا أن أهم ما أنجزه حديثي هو أنه كسر الحاجز بيني وبين المشاركين من كافة أنحاء العالم، أصبحت مألوفة نتيجة صعودي على المنصة، وبقائي عدة دقائق أمام نظر الحضور الذي تسنى له معرفة الشيء اليسير عني وعن بلادي والمؤسسة التي أمثلها، الأمر الذي كان كفيلا بإثارة فضول الفضوليين منهم لبدء حوار مطول، شيئا فشيئا تحول اللقاء العابر إلى شيء يشبه الصداقة خفف كثيرا من حدة الغربة المؤقتة التي شعرت بها.

فطوال فترة صباح ذلك اليوم كنت بالكاد أعرف أحدا أو يتوقف أحد لإلقاء التحية علي، فقد كنت واحدة من ضمن ألف مشارك آخر، رقم من بين الحضور، على الغداء تسنى لي مشاركة مجموعة لم أتمكن من معرفة جنسياتهم طاولة الطعام، من بينهم سيدة أفريقية بدت لي مثلي تشعر بالوحشة والغربة فبادرت بإلقاء التحية معرفة بنفسي، ما إن نطقت اسم عمان حتى تحول انتباه الحضور جميعا إلي، لأكتشف بأنهم جميعا من جنسيات عربية مختلفة، يعملون مترجمين في منظمة العمل الدولية، بادروا بطرح كثير عن (جنة الله في الأرض) كما وصفها أحدهم، فيما استرسل البعض في مشاركة الآخرين تجربته العمانية ممن أتيح له زيارتها، وهكذا انكسر حاجز الصمت، فأصبحنا إذ ما التقينا في ردهات الفندق أو في قاعة المؤتمر، نبادر بالابتسام وإلقاء التحية على بعضنا البعض، فلم نعد مجرد مشاركين وأرقام بعد ذلك الحوار التعارفي القصير، فقد ساهمت الكلمات القليلة التي تبادلناها في كسر ذلك الحاجز بيننا، وكشفنا قليلا عن الغموض الذي كان يحيط بنا، وشاركنا الآخرين بعضا من ملامح شخصياتنا وخلفياتنا، وشيئا يسيرا عن البلاد التي نمثلها. استذكرت حينها كلمة سقراط التي اتخذتها عنوانا للمقال.

يدرك المرء في مواقف كهذه قوة الكلمة، وتأثيرها الكبير ليس فقط في مد جسور التعارف بين البشر، فالكلمة إما أن تحيي أو تدمر، هي تلهب المشاعر، وتثير الحماس، وتستنفر العزائم، وتشعل الحروب، وتحيي القلوب، الكلمة ذاتها سبحان الله، إذ ما قيلت في موقفين مختلفين قد تؤدي إلى نتيجتين متعاكستين كلية، ففي حين ممكن أن تقتل هنا، هي تحيي هناك، وهي وسيلة التخاطب والتواصل بين بني البشر.. فبكلمة (كن) بدأ الخلق، وبكلمة (اقرأ) بدأت الرسالة المحمدية، فسبحان من جعلنا مخلوقات ناطقة، بالكلمات التي ننطق ونكتب صنعنا حضارات وأبقيناها حية على مدى العصور.